نجحت "حركة المبادرة الوطنية" التي وُلدت حديثًا، بإحداث خرقٍ في جدار الصمت السياسي المطبق، وغياب صوت المعارضة الحقيقي حيال السياسات المعتمدة لـ"حكومة الإنقاذ"، واستطاعت أن تخرج بوثيقة وطنيّة تُشكّل حالة مميّزة تكسُر مهلة السماح المعطاة لحكومة حسّان دياب وتُكرّس مفهوم التمسك باتفاق الطائف والدستور كمرجعية وحيدة لدى اللبنانيين، وخارطة طريق لأي مشروع إنقاذي.
أهمّية المبادرة أنّها تأتي وسط عاملين: الأوّل مع انطلاقة حكومة "اللون الواحد" الخاضعة، كما يُقال، لقرار "حزب الله"، بما يُعيد الاعتبار إلى منطق غلبة فريق من اللبنانيين على الفريق الآخر، والثاني تراجع نبض الثورة، ومحاولة تدجينها من قبل السلطة تحت شعار "لا صوت يعلو صوت مواجهة الانهيار المالي والاقتصادي ومستلزمات الحرب على وباء كورونا".
وتكتسب المبادرة الوطنيّة التي تضمّ شخصيات سياسية وإعلاميّة وثقافيّة واقتصاديّة، أهمّية لجهة التقاء كلّ هذه الفاعليات على هدف واحد "تحديد مكمن الخلل الذي يقف حائلًا دون قيام مشروع الدولة، ومحاكاة أصوات الناس الذين امتلأت بهم الساحات، مع الأخذ بعين الاعتبار تمايز وثيقة المبادرة عن عنوانين أساسيين لا يزال الثوار يتجنبون الخوض فيهما، الأول "التمسّك باتفاق الطائف كناظم للحياة السياسية، والثاني تغييب سلاح "حزب الله" عن المواجهة، رغم مصادرته لسيادة الدولة، من خلال هيمنته على قرار الحرب والسلم في الداخل، وتأديته مهام عسكرية خارج الجغرافية اللبنانية وتحديدًا في سوريا والعراق واليمن وهو ما ضرب علاقة لبنان مع أشقائه العرب.
وتتعدد العناوين الوطنية التي ارتكزت عليها وثيقة المبادرة، لكنّ جوهرها يكمن في التمسّك بالشرعيات الثلاث: اللبنانية والعربية والدولية، لما تمثّله من مظلّة لحماية لبنان وشعبه. ويؤكد النائب السابق فارس سعيد في تصريح لـ "لبنان 24"، أنّ "ميزة المبادرة تكمن في الطرح السياسي الذي قدّمته والمرتكز على إعادة الاعتبار للدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في الطائف العام 1989، لأنّ الخروج من الشرعيّة اللبنانية يهدّدنا بالخروج من الشرعية العربية والشرعية الدولية".
ويعتبر سعيد وهو أبرز مؤسسي ومطلقي "حركة المبادرة الوطنية"، أنّ "اللبنانيين واجهوا منذ العام 2005 ثلاث مشاكل كبرى، الأولى ملف الاغتيال السياسي الذي انتهى بإنشاء المحكمة الدولية، وكان على طريق المحكمة شهداء لبنانيون بسبب رفض "حزب الله" تسليم الملف الى القضاء الدولي وكان مصرًّا على أن يبقى بأيدي القضاء اللبناني، والثانية: قرار السلم والحرب مع إسرائيل، ورفض "حزب الله" تسليم هذا القرار للشرعية اللبنانية والدولية، إلى أن كلّفنا الأمر حربًا دامت شهرًا كبّدت لبنان ثلاثة آلاف شهيد وخسائر بـ 7 مليارات دولار، وانتهت بإرسال الجيش الى الجنوب للمرة الأولى في العام 2006 بعد العام 1978، ما عدا إرسال ثلاثين ألف جندي من القوات الدولية في إطار القرار 1701".
ويرى الدكتور فارس سعيد أن "المشكلة الثالثة التي تواجه لبنان اليوم، ذات طبيعة مالية ــ اقتصاديّة، إذ أنّ "حزب الله" حتى الأمس كان يرفض التعاون مع الشرعية الدولية من أجل إنقاذ لبنان، ونحن أصرّينا على أن يكون المخرج الوحيد للأزمة هو التكامل بين لبنان والشرعية الدولية، وقد أثبتت الأحداث منذ العام 2005 حتى اليوم، أنّ التمسك بالدستور اللبناني يشكل خارطة طريق للخروج من أزماتنا، أكانت من طبيعة الإغتيالات والعنف أو من طبيعة الحروب مع إسرائيل، أومن طبيعة إدارة الشأن الداخلي والاقتصادي".
وفيما يطرح الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، عن أسباب إطلاق المبادرة الوطنية في هذا التوقيت، وما إذا كانت نواة معارضة سياسية لمنظومة الحكم القائمة، التي لا تأتلف مع طبيعة لبنان المتنوع والانفتاح على محيطه العربي وعلى العالم، يجيب سعيد بوضوح: "السلطة في لبنان تضرب بعرض الحائط الدستور اللبناني، وهي تتعايش مع سلاح "حزب الله"، كما أن الأحزاب التي اختارت التموضع في معسكر المعارضة أي "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي، لا تتكلم عن سلاح "حزب الله"، لتأتي التسوية وتبريد الأجواء مع "حزب الله" على حساب الدستور، حتى أن الثورة الشعبية لم تتحدث بدورها عن الدستور اللبناني".
ويرفض الدكتور سعيد مقاربة ملف السلاح من بُعده الطائفي أو المذهبي، ويقول: "عندما نتكلّم عن سلاح "حزب الله" لا نتكلّم عنه كسلاح شيعي، فلو كان سنيًّا أو مارونيًّا أودرزيًّا، فسيكون كلامنا هو نفسه، ومن باب الإلتزام بالدستور، وما مواجهتنا لسلاح "حزب الله" إلا لأنّه يتناقض مع الدستور اللبناني والشرعيتين العربية والدوليّة".
وعن إمكانية ترجمة هذه الوثيقة عمليًّا، يلفت سعيد إلى أن ذلك "يتم من خلال إبرازها والتمسّك بها، لأنّ التكتلات المعارضة الأخرى أكانت من طبيعة أهليّة مثل الثورة، أو منظّمة مثل الأحزاب لم تتطرّق إلى ضرورة إعادة الاعتبار الى الدستور اللبناني، بوصفه الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة، بينما الخروج منها يجب أن يكون بالتكامل بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي".
ثمة الكثير من الأدلة على ما يثبت ربط لبنان بمحاور خارجية لا تأتلف مع هويته العربية، أبرزها التباين في مواقف قادة "حزب الله" حيال التعاطي مع الحلول التي تقدمها المؤسسات الدولية للبنان، ويعطي فارس سعيد أمثلة على ذلك يقول: "البارحة بعدما أعطيت الإشارة من إيران للتعاون مع صندوق النقد الدولي، وضع السيد حسن نصرالله الماء في نبيذه، وأعطى الضوء الأخضر لحكومة حسّان دياب لبدء التعاون مع صندوق النقد الدولي، وحكومة لبنان عندما لا تتكلّم عن سلاح "حزب الله" ويخرج رئيسها يومًا بعد يوم ليقول "هذه الأزمة هي أزمة سوء إدارة وتدبير ويتحمّلها فقط فريق الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن كان حوله، ولا يتطرق إلى سلاح "حزب الله" ولا يعتبر هذا السلاح جزءًا من الأزمة المالية الاقتصادية، هو يضرب بعرض الحائط الدستور، وهذا ما أدى الى انهيار في العلاقات اللبنانية والعربية والدولية، ومحاصرة أموال اللبنانيين في مصارفهم ومعاملاتهم الخارجية، فهؤلاء هم من يخرجون عن الدستور".
وعّما يعني تاريخ 14 آذار لفارس سعيد، وما إذا كانت هذه المبادرة الوطنية تتقاطع مع أهداف ثورة الأزر التي انطلقت قبل 15 عامًا بالتمام والكمال، يجيب: "14 آذار هي قضية شعب وليست تنظيمًا سياسيًا، هي تتجدد من خلال مبادرات أكانت هذه المبادرة أم غيرها، إنها سرّ وحدة اللبنانيين، فعندما يعود اللبنانيون الى مربعاتهم الطائفية يدخلهم الانقسام، ويصبح الأقوى هو من يحمل السلاح فيتحكم بهم، 14 آذار وحدة وطنية أخرجت الجيش السوري من لبنان من دون نقطة دم". ويختم سعيد حديثه: "إن أفكار المبادرة الوطنية تتقاطع مع أفكار قامت عليها قضية "14 آذار"، إلا أنها لا تتكلّم باسمها ولا تسعى الى إعادة تنظيم 14 آذار"
قد يهمك ايضا:
"حزب الله" يؤيّد الخطوات الحكومية بشأن التعامل مع الأزمة المالية اللبنانية
حسّان دياب يتحدث عن هيكلة القطاع المصرفي ويحاول طمأنة اللبنانيين
أرسل تعليقك