تنخرط الحكومة اللبنانية بدءًا من الأسبوع المقبل في مسار تفاوضي مع مسؤولي صندوق النقد الدولي، انطلاقًا من الخطّة التي أعدّتها تحت مسمّى "التعافي المالي والإقتصادي"، تهدف من خلالها إلى التوصّل إلى اتفاق على برنامج دعم مالي من الدول المانحة، يُترجم في مساعدات مالية وقروض، مقابل تنفيذها لجملة إصلاحات في قطاعات جمّة.
نظرًا لحجم الفجوة المالية يرى عدد من الخبراء أن لا سبيل أمام الحكومة للخروج من الأزمة سوى ببرنامج دعم من صندوق النقد. من أصحاب هذا الرأي الخبير الإقتصادي محمد الحاج، وهو لبناني عمل لدى صندوق النقد الدولي لمدة 27 عاماً، في مساعدة البلدان على معالجة مشاكل الاقتصاد الكلّي، وتصميم برامج التكيّف الإقتصادي لإستعادة الإستقرار المالي.
الحاج وفي حديث انطلق من طرح سؤال: هل الدول المانحة ستساعد لبنان خارج برنامج صندوق النقد الدولي؟ ليؤكّد أنّ الأمر غير وارد، وبالتالي وفق مقاربته "لجوء الحكومة إلى الصندوق هو خطوة سليمة، في ظلّ الوضعين المالي والإقتصادي في لبنان، خصوصًا أنّ وضع النظام المصرفي اللبناني متعثّر بشكل كبير، ويجب الأخذ بالإعتبار أنّ البرنامج سيطلب تنفيذ عدد من الإجراءات لمصلحة لبنان، بغية معالجة المشاكل الإقتصادية التي أوصلت البلد إلى حالته الراهنة".
الحاج وصّف الخطة الإصلاحية الحكومية بالجيدة جدًا "فهي المرّة الأولى التي نرى فيها في لبنان خطّة شاملة، وأعتقد أنّ الخطة ستخلق نقاشًا بين الحكومة من جهة والصندوق من جهة ثانية. وسيخلص التفاوض إلى اتفاق حول كيفية معالجة الازمة".
نقلنا إلى الحاج التخوف السائد لدى الأوساط الشعبية في لبنان، من أنّ يشمل الإتفاق مع صندوق النقد سلّة ضرائبية جديدة، تطال المواطن وتكبّده مزيدًا من الأعباء، فضلًا عن كلفة تحرير سعر الصرف على اللبنانيين، وهو مطلب الصندوق، وبالتالي كلفة الإتفاق ستكون باهضة على المواطن. عن هذه الهواجس أجاب الحاج موصّفًا حالنا المأزومة "المواطن اللبناني يدفع اليوم ضريبة عالية، بسبب عدم وجود برنامج اقتصادي متناسق لمعالجة القضايا الإقتصادية والمالية، لطالما كان هناك سياسة واحدة في لبنان قائمة على تثبيت سعر الصرف، بصرف النظر عن التكلفة، ومن دون أيّ برنامج يحمل رؤية شاملة. ولو أخذت الحكومات السابقة بتوصيات الصندوق لما كنّا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم. فالمواطن يعاني الأمرّين بعدما احتُجزت ودائعه في النظام المصرفي، فيما التضخم قضم قيمة الرواتب، الإقتصاد منكمش ودائرة البطالة تتسع، والعملة الأجنبية تكاد تكون غير موجودة، وهناك تعدّد في سعر الصرف، هذه حال اللبنانيين بغياب برنامج صندوق النقد، وفي هذا السياق ألفت إلى مغالطات يتحدث عنها البعض في لبنان، فالصندوق سيقدّم المشورة، وسيحصل نقاش بينه وبين الفريق المعني في لبنان، للإتفاق على برنامج اصلاحي، يناسب الوضعين السياسي والإجتماعي، وبرامج الصندوق وتوصياته تأخذ بالاعتبار الطبقة الفقيرة وكيفية حمايتها في لبنان".
أضاف الحاج: "نقطة مهمة ينبغي توضيحها، الصندوق لا يتدخّل بقضايا الحدود والمعابر غير الشرعية، بل يقارب قضايا الإقتصاد الكلّي، بما فيها السياسات المالية والنقدية، وسياسة سعر الصرف، والسياسات الهيكلية لتكون كُلًّا متناسقًا".
نسمع كلامًا أميركيًا واضحًا على لسان مسؤولين أميركيين، آخرهم السفير الأسبق جفري فيلتمان، عن خشية من أن تذهب أموال المساعدات إلى "حزب الله"، ويتحدث المسؤولون الأميركيّون عن وجوب أن تقدّم حكومة دياب البرهان على استقلاليتها في هذا السياق، فهل سيتبنّى صندوق النقد هذا التوجه؟
يجيب الحاج "في الشقّ السيادي النقاش الحاصل في لبنان عن تدخّل الصندوق بسيادة لبنان غير صحيح. وبالنسبة للأميركيين، لديهم نسبة محدّدة في عملية التصويت في الصندوق، لا تتجاوز 16.8%. ولكي يُقرّ البرنامج يحتاج إلى 50% من اصوات المجلس التنفيذي داخل صندوق النقد، وبالتالي لا يملك الأميركيون القدرة على الفيتو. من جهة ثانية الإتفاق سيتمّ بين الصندوق والحكومة اللبنانية، ولا قدرة للأميركيين على التدخّل بالبرنامج، بل سيطّلعون عليه، ليس في مرحلة إعداده، بل بعد أن يعدّ الموظّفون المعنيّون في الصندوق تقريرًا حول البرنامج المتفق عليه مع لبنان، ويحوّلونه إلى المجلس التنفيذي، عندها سيطّلع عليه الأميركيّون، بالتوزاي مع كلّ المدراء التنفيذيّن، والإيحاء أو الحديث عن قدرة الأميركيين على السيطرة غير واقعي".
الحاج يوضح أنّ لبنان وفي حال أنجز الإتفاق مع صندوق النقد، لن يحصل على الأموال دفعة واحدة، بل أنّ البرنامج سيمتد على مدى ثلاث أو أربع سنوات، وستكون كل دفعة مشروطة بإصلاحات محدّدة في البرنامج، وستحصل من قبل الصندوق عملية مراجعة مرتين سنويّا على الأقل، للتأكد من تنفيذ الإجراءات المتفق عليها بين الجهتين، وعلى أساسها تحصل الدفعات اللاحقة.
يبقى أن نأمل كمواطنين أن تعمل الحكومة لتنفيذ الإصلاحات، التي طالما نادى بها المانحون منذ مؤتمر "سيدر"، وعدم تنفيذها حال دون ترجمة مقررات "سيدر". فهل ننسى تصريحات الموفد الفرنسي بيار دوكان عندما قال للمسؤولين في لبنان "الإصلاحات وبعدها الأموال"، حتّى أنّه خصّص لفساد كهرباء لبنان الكثير من حديثه، وفي النهاية ذهب دوكان وبقي الفساد، فهل تتكرر التجربة؟
قد يهمك ايضا:لقاء اللون السياسي الواحد في بعبدا
حسان دياب يريد البرلمان اللبناني "شريكًا" في الخطة الاقتصادية
أرسل تعليقك