نتطرّق عند التحدّث عن الصيغة الميثاقية للبنان 1943 إلى صيغة لبنان التعايشية بين المسلمين والمسيحيين الذين ارتضوا هذه الصيغة التي قال عنها البابا القديس يوحنا الثاني بأنها رسالة يحملها اللبنانيون إلى العالم، وهي تقوم على توازن السلطات، على رغم ما مرّ بلبنان من حروب وصعوبات لم تستطع أن تقضي على إرادة اللبنانيين في العيش معًا تحت سقف الدستور الذي جدّدوه في الطائف.
وجاء في مقدمته ما يرسم خطوطًا حمرًا لمنع الأفكار التقسيمية والفيديرالية والكونفدرالية، التي راودت البعض إبان الحرب، لكنها سقطت أمام إرادة اللبنانيين في العيش معًا.
وللتذكير فقط نعيد نشر ما جاء في مقدمة اتفاق الطائف:
أ - لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عليها في الدستور اللبناني والمعترف بها دولياً.
بـ - لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بميثاقها، وهو عضو في حركة عدم الانحياز. وتجسد الدولة اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.
ج - لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
د– الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
هـ– النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
و– النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
ز– الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
ح– العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي.
ط– أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين
ي– لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك
مناسبة هذا التذكير ما قاله المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان في رسالة وجهها إلى اللبنانيين لمناسبة عيد الفطر: "إننا لن نقبل بظلم، أو فساد أو اضطهاد، أو استئثار، ونرفض رفضاً قاطعاً القبول بصيغة حكم فاسدة، أو تسويات ظالمة، أو مشاريع حكم تصر على الطائفية والانتهازية السياسية وأشباهها". وقال قبلان إن "أصل نشأة لبنان تم على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت"، مضيفاً: "ما قام به (الرئيس اللبناني في عهد الاستقلال) بشارة الخوري و(أول رئيس حكومة بعد الاستقلال) رياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت... وعليه، نصر وبكل صرخة مدوية، على أننا مطالبون بإسقاط الصيغة الطائفية لصالح دولة مواطن، دولة لا طائفية، دولة وقانون".
وقال: "كفانا ترقيعاً بهذا البلد، لأن البلد سقط، سقط لأن دستوره فاسد، وآلية الحكم فيه فاسدة، وطائفيته فاسدة، ومشروعه السياسي فاسد، وتسوياته المختلفة فاسدة"، ورأى أن المحاصصة الطائفية "انتهت بالبلد ممزقاً، مفلساً، منهوباً، معروضاً للبيع بأبخس الأثمان".
إننا نوافق سماحته على أن البلد فاسد وأن سياسييه فاسدون، وأن تطبيق إتفاق الطائف إنتقائيًا هو ما أوصل البلد إلى ما وصلنا إليه، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن الإستغناء عن صيغة هي مثال يضرب في العالم على مدى قدرة التعايش بين الأديان، وهي الصيغة التي يمكن أن تُحَارب بها إسرائيل العنصرية، مما يعني أن البديل عن هذه الصيغة، التي لا يقدّر اللبنانيون أهميتها وعظمتها في بعض الأحيان، هو التقسيم أو الفيدرالية أو الكونفدرالية، أو ما يُحكى عن مؤتمر تأسيسي سبق أن طالب به "حزب الله"، وإن في شكل تلميحي، الأمر الذي يمكن أن يقودنا إلى المجهول.
إننا نوافق سماحته على العميانة على "ان آلية الحكم في لبنان فاسدة، وطائفيته فاسدة، ومشروعه السياسي فاسد، وتسوياته المختلفة فاسدة"، وهذا ما يدعونا إلى تصحيح الخلل، حيث وجد، وليس نسف صيغة حضارية لا يمكن الإستغناء عنها أيًّا تكن المغريات الخارجية.
قد يهمك ايضا:الراعي يدعوا المسؤولين للعودة إلى الدستور اللبناني والميثاق الوطني
مبادرة لتعديل الدستور اللبناني ليكون انتخاب الرئيس بيد الشعب
أرسل تعليقك