يحتفل اللبنانيون، الجمعة، بالذكرى السادسة والسبعين لاستقلال الجمهورية، لكن للمناسبة هذه المرة نكهتها الخاصة على وقع الاحتجاجات غير المسبوقة التي تعمّ البلاد مطالبة برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.
وتقول تمارا (21 عاماً)، وهي طالبة جامعية، بحماس لوكالة الصحافة الفرنسية للأنباء في وسط بيروت «إنها أول مرة يتظاهر فيها اللبنانيون من جميع المناطق من دون دعوة وجهها إليهم حزب ما، وضد الأحزاب مجتمعة»، وتضيف «هذا هو الاستقلال الحقيقي، الاستقلال النابع من الداخل».
ويتظاهر مئات آلاف اللبنانيين منذ 5 أسابيع، في الشوارع والساحات ضد الطبقة السياسية، التي يحملون عليها فسادها وعجزها عن معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، في بلد صغير يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية.
ونال لبنان في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1943 استقلاله عن الانتداب الفرنسي منذ عام 1920، قبل أن يتم جلاء آخر القوات الفرنسية من البلاد في عام 1946، ليشكل ذلك المحطة الأخيرة التي يجمع اللبنانيون على رواية موحدة لها.
وجراء الانقسامات السياسية الحادة منذ قيام الجمهورية، لا يتفق اللبنانيون على رؤية موحدة للأحداث الكبرى التي طبعت مسار الحياة السياسية على مدى عقود، لا سيما الحرب الأهلية (1975 - 1990) التي تربع الكثير من أمرائها على مقاعد السلطة. ويطالب المتظاهرون اليوم برحيلهم.
ويرى وجد عواد (28 عاماً) أن لعيد الاستقلال معنى جديداً اليوم، ويقول: «نريد أن نأخذ استقلالنا من سلطات فاسدة تتحكم بنا منذ سنوات وسنوات».
وبخلاف السائد خلال السنوات الماضية، لم يستضف وسط بيروت العرض العسكري التقليدي لمناسبة الاستقلال. وتمّت الاستعاضة عنه بعرض آخر مختصر في مقر وزارة الدفاع على مشارف بيروت شارك فيه رئيسا الجمهورية والبرلمان ورئيس الحكومة المستقيل، إلى جانب وزراء وقادة عسكريين وأمنيين.
وأعلنت المديرية العامة للمراسم والعلاقات العامة في رئاسة الجمهورية، أنه «نظراً إلى الأوضاع الراهنة في البلاد، لن يقام حفل الاستقبال التقليدي السنوي في القصر الجمهوري في بعبدا لمناسبة عيد الاستقلال» بعد انتهاء العرض العسكري.
واستفاق المتظاهرون صباحاً على إقدام مجهول على حرق مجسم لقبضة عملاقة وضعت في وسط بيروت رمزاً لـ«الثورة» بعد انطلاق الحراك الشعبي في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن ذلك لن يثنيهم على ما يبدو من الاحتفال على طريقتهم، عبر تنظيم «عرض مدني» في وسط بيروت ومسيرات ونشاطات متنوعة في المناطق.
وفي مناطق عدة في البلاد، أقام متظاهرون تجمعات على الطرق ووزعوا الأعلام اللبنانية على العابرين على وقع أغانٍ وأناشيد وطنية.
وفي منطقة بسري، على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب بيروت، بدأ المئات مسيرة راجلة وسط واد غني بغطائه النباتي وتنوع معالمه، احتجاجاً على بدء السلطات أعمال بناء سد يثير اعتراض ناشطين وجمعيات بيئية.
ويقول وجد إن «الانتصار الحقيقي» هو خروج المتظاهرين الذين ملأوا الساحات والشوارع خلال الأسابيع الماضية، وتمكنوا من منع البرلمان من عقد جلستين تشريعيتين على جدول أعمالهما مشاريع قوانين مثيرة للجدل. وأثمر حراكهم عن فوز محام مستقل بوجه أحزاب السلطة على رأس نقابة محاميي بيروت.
وبعد أسابيع من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري تحت ضغط الشارع، لم يعين رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً لبدء استشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة جديد، في ظل انقسام سياسي كبير حول شكل هذه الحكومة التي يريد المتظاهرون أن تتألف من اختصاصيين فقط لتتمكن من حل الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة.
ورغم سعي السلطة للالتفاف على مطالبهم ومحاولات تخريب سلمية تحركهم، يحتفظ المتظاهرون بأملهم في التغيير، وإن كانت وتيرة المظاهرات تراجعت في الأيام الأخيرة.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة للمواطنين كي يضيئوا ما لديهم من أنوار وشموع في ساحة الشهداء في بيروت وعلى شرفات منازلهم، احتفاء بالاستقلال عند السادسة (16.00 ت غ).
وفي مدينة صيدا جنوباً، ينظم المتظاهرون تحركات عدة تحت شعار «الاستقلال ليس فقط عن الانتداب، الاستقلال أيضاً عن الظلم والسرقة والفساد والفقر».
وليست هذه المرة الأولى التي يتظاهر فيها اللبنانيون بحماسة. ففي عام 2005، شهد وسط بيروت مظاهرات مليونية، تلبية لنداءات سياسية، أعقبت اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، وأدت إلى خروج القوات السورية من لبنان.
وتقول دينا أبو ضهر (55 عاماً) «هذه أول مرة يعني لي فيها عيد الاستقلال. نشعر بإحساس مختلف هذا العام».
ليس بعيداً عن مسجد الأمين في وسط بيروت، انهمك يوسف الغرز (26 عاماً) مع ناشطين آخرين في عقد اجتماعات في خيم عدة لتنسيق النشاطات، وبينها جلسات يوغا، ويوضح «بدأ الناس يغيرون عاداتهم وهم يريدون تغيير الأمور من جذورها».
وجذبت احتفالات الاستقلال لبنانيين مغتربين قرروا المجيء إلى بيروت للمشاركة، بعضهم بمبادرة فردية، وآخرون ضمن حملة أطلقتها مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول ترايسي سعد (23 عاماً) من منسقي الحملة، وهي مقيمة في أمستردام لوكالة الصحافة الفرنسية «نظمنا أنفسنا في مجموعات للتفاوض على أسعار مخفّضة»، لافتة إلى انخفاض أسعار بطاقات السفر من دبي إلى بيروت من 400 إلى 215 دولاراً.
ومن المتوقع وصول قرابة 600 لبناني في وقت لاحق الجمعة، قادمين من دول عدة في الخليج وأوروبا وحتى من أستراليا، على أن يتوجهوا من المطار إلى وسط بيروت للمشاركة في مسيرة جامعة بعد الظهر.
قد يهمك ايضا:
إيران تُدين دعم الولايات المتحدة للاحتجاجات وتعتبره تدخلًا في شؤونها الداخلية
توقعات بعودة الحريري على رأس حكومة الإنقاذ وفق شروطه وليس شروط باسيل
أرسل تعليقك