بيروت ـ لبنان اليوم
بدأت القوى السياسيّة اللبنانية الغوص سريعاً في الأبعاد والنتائج التي يُرتّبها ابتعاد الرئيس سعد الحريري وتيار "المستقبل" عن خوض الانتخابات النيابية. وقد التقطت "الرادارات الاستشعاريّة" الخاصّة برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري تردّدات وارتدادات سلبيّة ومقلقة لقرار العزوف، على أثر لقاءين مطوَّلين تضمّنا محاولات حثيثة لحضّ زعيم "المستقبل" على التمهّل والعودة عن قراره يومي السبت والأحد الماضيين.
ولا يقلّل المراقبون من التداعيات السياسية التي سيتركها قرار مماثل، في وقت طُبعت المحطّات اللبنانية بنكهة "حريريّة" شكّل خلالها "التيار الأزرق" مظلّة عابرة للطوائف. وتتلازم مؤشّرات توجّس البعض لجهة الربط بين المعطيين الانتخابي والسياسي وسط تساؤلات واسعة حول كيفية خوض غمار السياسة بمعنى غير تقليدي من خارج البرلمان وخارج الحكومة. وثمّة من يذكّر بأن أقصى طموح سياسي للحزب الشيوعي اللبناني على مدى عقود، تمثّل في الوصول إلى الندوة البرلمانية من دون القدرة على تحقيق الهدف. وهنا كانت مصارحة من رئيس المجلس بأنّه لا يحبّذ اتخاذ خطوة العزوف على الإطلاق في "لحظة غليان" تعيشها المنطقة.
وهناك من يترك "نافذة ايجابيّة" في محاكاة قرار رئيس "المستقبل" إذا واكب تياره السياسي الانتخابات بشكل غير مباشر وبمنحى غير تقليدي، وساهم في وصول وجوه نخبوية جديدة إلى المجلس النيابي بما يحاكي نبض الشارع السيادي. وما يبقي هذا الاحتمال قائماً أن الحريري لم يعلن اعتزاله السياسة أو حلّ تيار "المستقبل" بل تعليق المشاركة، بما لا يلغي احتمالية توجيه الناخبين والمناصرين نحو خيارات معيّنة أو "دم جديد" في هذه المرحلة. في المقابل، ترتبط المحاذير بتشتّت الأصوات الجماهيرية وانعكاس العزوف بشكل سلبيّ على التمثيل السنيّ والحياة الوطنية. وعلى تعدّد السيناريوات الانتخابية الممكنة وتنوّعها - في حال التسليم بحصول الانتخابات في موعدها - فإنّ تأثير العزوف على نتائج المعادلة الانتخابية وتحديداً على صعيد الأسماء السنية يعيد تسليط الضوء على الشّخصيات المناطقية التي يمكنها الفوز بحواصل اعتماداً على قوّتها الذاتية. وتبرز أسماء عدّة في استطلاعات الرأي والدراسات الانتخابية التي يُعبّر عنها أكثر من مركز استطلاع وإحصاء جديّ، ومن بينها مركز أبحاث كمال الفغالي ومركز "ستاتيستكس ليبانون". وهناك شبه إجماع على قدرة النائب فؤاد المخزومي على تأمين حاصل انتخابي أو أكثر نتيجة مشاركته في الانتخابات. وعلمت مصادر أن مخزومي حسم خياره بخوض الانتخابات في دائرة "بيروت الثانية" من خلال لائحة تحالفية مع مجموعات محسوبة على قوى الانتفاضة. وأظهرت الاستطلاعات اسم وليد البعريني وهادي حبيش في عكار كوجوه بإمكانها تحقيق نتائج انتخابية بالاعتماد على جهود شخصيّة. ويمكن لحضور طلال المرعبي المناطقي في عكار أن يحقّق نتائج أيضاً في حال خوض الانتخابات انطلاقاً من تحالفات مدروسة.
ويميل الرئيس نجيب ميقاتي إلى عدم الترشح شخصياً للانتخابات. وهذا القرار بات شبه مؤكد. ولم يُحسم الخيار حول إمكان ترشيح أسماء تمثّل تيار "العزم" من عدمه حتى الآن.
وتشير استطلاعات عدّة إلى قدرة ميقاتي على تحقيق نتائج متقدمة إذا خاض الاستحقاق. ويتجه اللواء أشرف ريفي إلى التحالف مع "القوات اللبنانية" في الشمال. وهناك جوّ شمالي سنيّ مؤيّد للتوجهات "القواتية"، بحسب ما أشارت استطلاعات مركز الفغالي، بما يمكن أن ينعكس نجاحاً من طرابلس إلى عكار لمجموعة اعتبارات أولها معرفة ريفي بالمفاتيح الانتخابية الشمالية وارتباطه بالمحور السياسي نفسه المحسوب على قوى 14 آذار.
ولا يمنع ذلك إمكان استفادة قوى 8 آذار السنية من "صحن" بعض مناصري "المستقبل" باعتبار أن النائب فيصل كرامي كان على مشارف الفوز بحاصلين في الانتخابات الماضية، وهو حاضر بما يؤهّله إمكان زيادة الاستقطاب خصوصاً إذا عزفت الأقطاب السنية الأساسية كلّها عن خوض الانتخابات. وينسحب الموضوع نفسه على وضعية النائب جهاد الصمد في الضنية. ويمكن أن يستفيد الوزير السابق حسن مراد من العزوف الانتخابي "الأزرق" في البقاع الغربي وسط حضور مناطقي ومؤسساتي وقوة ذاتية يتمتع بها والده في المنطقة.
ولا تغيب قدرة الحزب التقدمي الاشتراكي على الاستقطاب السني في الشوف نظراً لاعتبارات تاريخية كما خدماتية وإنمائية، إضافة الى انتماء التقدمي و"المستقبل" إلى مدرسة 14 آذار السياسية بما يسهّل توجّه الناخب السني في المنطقة إلى الاقتراع لمصلحة "لائحة 14 آذار" (لائحة القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي). وفي الانتقال إلى الحضور السني الكثيف في صيدا ومشاركة المدينة في الانتفاضة، فإنّ حضور النائب أسامة سعد المناطقي مستمرّ وإمكان تحقيقه الحاصل الانتخابي مسألة مؤكّدة.
ولم يتّضح قياس النتائج التي من الممكن أن تحرزها قوى الانتفاضة، في وقت يربط عدد من المراقبين القدرة على الوصول إلى نتائج بطبيعة التحالفات بين المجموعات والمنصات وتوحيد الصفوف. ويبقى المعيار المهم الذي يضيء عليه مراقبون وأكّدته خلاصات الحريري في عدم اعتزال السياسة وعدم حلّ تيار "المستقبل" خلافاً لبعض الأجواء التي تناقلت مؤخراً، بما يعني أن التحدي الأبرز يتمثّل في كيفية الاستمرار من خارج المؤسسات التقليدية والحفاظ على تماسك القواعد الشعبية. وتشير المعطيات إلى أنه ما من وعود مباشرة قدّمها الحريري إلى أي شخصية أو جهة سياسية بتجيير أصوات تياره السياسي لها. ويشير البعض إلى أنه لا بدّ من الانتظار أولاً إذا كانت الانتخابات ستحصل في موعدها.
أرسل تعليقك