لا شك في أن إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (سواء كانت محقة أو لا) ستجّلب الويلات على لبنان خصوصا وأن سلامة يحظى بثقة دولية عبّر عنها العديد من المسؤولين العالميين وعلى رأسهم الإدارة الأميركية؛ لكن الأمر يأخذ أبعاداً أكبر، فأي مسّ به سيكون له تداعيات برزت عينة صغيرة منها في اليومين الماضيين تمثلت بارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار والذي من الممكن أن يصل إلى مستويات لن يكون بمقدور الشعب اللبناني الصمود من بعدها.
لن تكون إقالة سلامة، بحسب مصادر اقتصادية مطلعة لـ"لبنان24"، نزّهة فلبنان سيصبح معزول كليًا عن العالم مثل فنزويلا إن من البحر أو من البرّ وسيتمّ تكليف "اسرائيل" مهام تنفيذ هذا العزل، لا سيما أن القطاع المصرفي يمثل إحدى جبهات اشتباك واشنطن من جهة وحزب لله والعهد والتيار الوطني الحر من جهة اخرى، وان كانت حسابات كل حزب الله والوزير جبران باسيل تجاه سلامة مختلفة ومتضاربة. وبالتالي، فإن سلامة يخضع لضغوطات آتية من ثلاثة مصادر:
حزب الله الذي يبدي انزعاجا مما يسميه تعاون سلامة مع الأميركيين والتضييق ماليا على قاعدته الشعبية المتمولة، رغم ان بعض الاوساط تلمح إلى تبادل ادوار بين الثنائي الشيعي لجهة التعامل مع مسالة الحاكمية فالرئيس نبيه بري يعتبر مفاوضا اساسيا مع الأميركيين في الكثير من الملفات ابرزها ترسيم الحدود.
رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل الذي يرى في سلامة منافسا جدّيا في الإنتخابات الرئاسية المقبلة وإن كانت حظوظ الأول شبه معدومة حتى الساعة، علما أن باسيل نفسه ووزراء تكتل لبنان القوي مددوا ولاية الحاكم للعام 2023 خلال جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس سعد الحريري في العام 2017.
الاحزاب اليسارية التي ترى بسلامة رمز الرأسمالية التي تستغلّ البروليتاريا.
وسط ما تقدم، فإن القوى السياسية أذكى من أن تأخذ لبنان إلى هذه الحالة، فقوى الاكثرية اصلا ليست منسجمة حيال طرح إقالة سلامة، فالرئيس بري على سبيل المثال لا الحصر يعارض الأمر، كل الأمر بالنسبة للمعارضة على خط تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي بحكم أن لبنان تحت وطأة الضغط الاميركي ولن يكون قادرا على الصمود ، هذا فضلاً عن أن اقالة سلامة، بحسب اوساط سياسية لن تشكل حلا للازمة المالية – النقدية، لأن المشكلة ليست محصورة بشخص الحاكم، إنما بمنظومة متكاملة تتحمل مسؤولية عدم وضع خطة مالية واقتصادية للبنان على مدى عقود.
قانونياً، تنصّ المادة 19 من قانون النقد والتسليف على أنه لا يُمكن إقالة الحاكم إلا عبر (1) الإستقالة وهي غير واردة عند الحاكم؛ (2) عجز صحّي وهذا الأمر لا ينطبق على الحاكم؛ (3) إخلال بواجبات الوظيفة وهو لا ينطبق على الحاكم أيضًا (مواد 179 إلى 187 من قانون العقوبات)؛ و(4) خطأ فادح في تسيير الأعمال (والذي يعني مخالفة أحكام قانون النقد والتسليف) وهو أمر غير سهل على الإطلاق نظرًا للصلاحيات الواسعة المُناطة بحاكم مصرف لبنان بحسب المادة 26 من قانون النقد والتسليف التي تنص على "يتمتع الحاكم باوسع الصلاحيات لادارة المصرف العامة وتسيير اعماله. فهو مكلف بتطبيق هذا القانون وقرارات المجلس..." وبالتالي إثبات الخطأ الفادح، لا يمكن إلا من خلال قانون النقد والتسليف ولا شيء غير قانون النقد والتسليف. وبالتالي ، فإن المشكلة التي تواجه الحكومة في إقالة سلامة نابعة من منطلق أن الحاكم مولج تطبيق القانون وتنفيذ قرارات المجلس المركزي المؤلف من حاكم مصرف لبنان، وأربع نواب له، مدير عام المالية، ومدير عام الاقتصاد ومفوض الحكومة في المجلس. وبالتالي لا يمكن تحميل الحاكم أي مسؤولية إلا ضمن نقطتين: عدم تطبيق القانون، وعدم تطبيق قرارات المجلس المركزي. وبالتالي كل مسؤولية أخرى هي من باب السياسة.
فهل قام سلامة بمخالفة القانون أو قرارات المجلس المركزي؟
لقد جهد سلامة منذ تولّيه منصبه إلى تدعيم إدارته بمكتب شؤون قانونية يتكّل عليه في كل شيء قبل التوقيع على أي قرار. وبالتالي يمكن القول إن هناك شبه إستحالة لإيجاد مخالفة قانونية لسلامة. هذا القول نابع من طريقة العمل التي اعتمدها والتي ارتكز فيها على القانون. ففي ما يتصل بالإحتياط من العملات الأجنبية، اعتمد سلامة على المادة 69 التي تنصّ أنه "على المصرف أن يبقي في موجوداته أموالا من الذهب ومن العملات الاجنبية التي تضمن سلامة تغطية النقد اللبناني توازي (30 بالمئة) ثلاثين بالمئة على الأقل من قيمة النقد الذي اصدره وقيمة ودائعه تحت الطلب، على أن لا تقل نسبة الذهب والعملات المذكورة عن (50 بالمئة) من قيمة النقد المصدر". وقد شكّك الجميع في الأرقام التي أعطاها سلامة عن احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية، إلا أن العودة إلى هذه المادة ومقارنتها بما صرّح عنه سلامة، تبرز أن كل الأرقام التي أعطاها هي ضمن هذه المادة.
وعليه، فإن التعميمات التي أصدرها حاكم المصرف المركزي، هي إلزامية للمصارف والصيارفة، وستبقى سارية إلى حين إصدار المصرف المركزي تعاميم تُلغي أو تُعدّل هذه التعاميم. وحرية إصدار التعاميم بعيدًا عن تدخل السلطة التنفيذية هو أمر كفله قانون النقد والتسليف؛ والأهم في الأمر أن هذا القانون أعطى مصرف لبنان صفة الاستشاري للحكومة وليس العكس وبالتالي لا مكن التأثير على هذه التعاميم قانونا.
وعن إمكانية أن القوى السياسية تتعاطى مع الأمر على أن لا فائدة لسلامة بعد اليوم طالما ان السيولة انتفت والدولارات طارت، تقول المصادر نفسها، المخاوف فعلًا هي حول الليرة اللبنانية أكثر منها حول السيولة والدولارات. واليوم لا يوجد سقف لليرة اللبنانية التي من الممكن أن تصل إلى مستويات كارثية على المواطن. وبالتالي فإن الردّ الأميركي التحذيري على الحكومة وداعميها سيكون من باب الليرة اللبنانية التي يبدو أن كل ما يطالها اليوم هو نموذج عما سيحصل إذا ما تمّت إقالة سلامة من منصبه.
قد يهمك
تقرير يكشف تفاصيل المعركة الإعلامية بين "حزب الله" ورياض سلامة
جدل سياسي في لبنان بعد تلويح رئيس الحكومة بإقالة رياض سلامة
أرسل تعليقك