على أرضها ولدت الأسطورة الفرعونية «إيزيس وأوزوريس»، وارتفعت جدران المعابد التي كان يقصدها المصريون القدماء قبل آلاف السنين، إنها محافظة سوهاج التي تتوسط الوجه القبلي بمصر، وتضم مواقع أثرية وسياحية نادرة، اجتذبت كبار علماء الآثار المصريين والأجانب، الذين عثروا بها على قطع أثرية نادرة، توثق الحياة اليومية والدينية للمصري القديم، بعض تلك القطع يضمها الآن متحف سوهاج القومي، الذي يُطل على صفحة نهر النيل البيضاء، ويحتفي بها عبر تنظيمه معرضاً مؤقتاً يستمر لمدة 3 أشهر، بعنوان «حَمَلة المشاعل»، والذي يضم 67 قطعة أثرية تعرض للجمهور لأول مرة، وهي من أهم القطع المكتشفة بمناطق سوهاج الأثرية على غرار «أبيدوس، أخميم، أتريبس»، والتي تسلط الضوء على الجهود الأثرية الكبيرة التي نفذها علماء آثار مصريون وأجانب، بسوهاج خلال العقود الماضية.
ووفقاً لعلي صديق، مدير عام متحف سوهاج القومي فإن المتحف يعرض للمرة الأولى قطعاً من نتاج حفائر البعثات الأثرية العاملة في المواقع الأثرية بسوهاج، والتي توثق تاريخ الإقليم منذ عصر الدولة القديمة، وحتى العصر اليوناني الروماني، إلى جانب عرض بعض قطع من النسيج القباطي.
ولفت صديق في بيان صحافي أمس، إلى أن «المتحف ينظم على هامش المعرض، ورشة تعليمية للأطفال بعنوان (الأثري الصغير)، يتم من خلالها تدريب الأطفال على شرح المقتنيات الأثرية الموجودة بالمتحف بطريقة مبسطة لربط الأطفال بالمتاحف والتوعية بأهمية وحضارة بلادهم».
ويضم المعرض قطعاً أثرية متنوعة الأحجام والأشكال والألوان، على غرار أدوات الزينة والحلي، وأوان معدنية مميزة، وتماثيل نادرة، وقطع حجرية مزينة بالنقوش التي تحكي تاريخ الحضارة القديمة بالبلاد.
عبد اللطيف الريس، وكيل متحف سوهاج القومي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض يحتفي بحَملة المشاعل الذين غاصوا في بحور رمال سوهاج منذ 3 قرون من الزمان واستخرجوا منها الكنوز الثمينة التي لا يخلو متحف بالعالم من ضم أحدها»، مشيراً إلى أن المناطق الأثرية بـ(نجع الدير، الهجارسة، أخميم، أبيدوس، أتريبس، المنشأة) وغيرها تعج بالقطع الأثرية التي لا تزال مدفونة، ولم يتم اكتشافها بعد، كما ساهمت القطع المكتشفة بسوهاج في معرفة كواليس حياة المصري القديم بالمنطقة، عبر النقوش والكتابات القديمة، مثل الحجر الذي تم اكتشافه ويسمى (حجر رشيد 2)، والذي تم تجميعه، وفك رموزه، وهو يختلف عن حجر رشيد في أنه مصنوع من الحجر الجيري الأبيض، بينما حجر رشيد الأول مصنوع من البازلت الأسود، موضحاً أن «الحجر المكتشف في سوهاج أمد علماء الآثار ببعض المعلومات التي تلقي الضوء على كواليس الإدارة وعلاقة الكهنة بالمعابد».
ويحتفي المعرض أيضاً بالقطع النسيجية المكتشفة في أخميم التي كانت تعد عاصمة صناعة الكتان في عهد الدولة المصرية القديمة.
معرض «حملة المشاعل» ليس الأول من نوعه بمتحف سوهاج، فقد سبقه معرض «صاحب السعادة»، والذي يعد أول معرض يتم تنظيمه بالمتحف الذي افتتحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2018، وسط أجواء احتفالية، ولقب «صاحب السعادة» كان يُطلق على مفتشي الآثار قبل ثورة 1952. وكان يستخدم في المكاتبات والمخاطبات الأثرية وهو لقب يعادل «بك» الذي يسبق لقب «الباشا» في مصر الملكية، وفق وكيل المتحف، الذي أكد أن هذا المعرض وثق زيارات الملك فؤاد الأول لمنطقة أبيدوس الأثرية، بجانب زيارة الملك فاروق للمنطقة ذاتها أيضاً، وأشار إلى ثاني المعارض التي تم تنظيمها بالمتحف هو (مجد سوهاج)، الذي استعرض حضارة سوهاج وقصتها مع الحج الفرعوني والقبطي والإسلامي.
وبجانب المعارض المؤقتة التي ينظمها المتحف الذي يحتوي على 6 قاعات عرض تضم نحو ألف قطعة أثرية، ينظم ورشاً تدريبية في فنون النحت والرسم والحرف التراثية بشكل دوري.
وتعد منطقة أبيدوس الأثرية التي تبعد نحو 60 كيلومترا من مدينة سوهاج، من أهم معالم المدينة؛ نظراً لارتباطها بأسطورة إيزيس وأوزوريس، ووجود معبد سيتي الأول، ومعبد الأوزريون، ومعبد رمسيس الثاني، وشونة الزبيب، أما منطقة آثار أخميم، والتي عرفت بكونها عاصمة إقليم الصعيد قديما، لضمها مجموعة من المعابد المميزة على غرار معبد رمسيس الثاني الذي يحتوي على مجموعة من التماثيل التي تعود لعصور عدة، ومن أهمها تمثال الأميرة ميريت آمون، ومقابر الحواويش وغيرها.
وفي سياق مختلف، أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية أمس، في بيان صحافي عن انتهاء البعثة الأثرية التابعة لوزارة السياحة والآثار، من توثيق نقوش أثرية ملونة عثر عليها بكهف أثري يقع على بعد نحو 60 كيلومترا جنوب شرقي منطقة (سرابيط الخادم)، و30 كيلو شمال مدينة سانت كاترين.
وقال الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة، إن «الكهف المكتشف يحتوي على العديد من النقوش الملونة بعضها على سقف الكهف وبعضها الآخر على الكتل الحجرية المتساقطة على أرضية الكهف».
وتصور النقوش العديد من المناظر المتنوعة والتي ترجع إلى عصور ما قبل الميلاد، والعصور النحاسية، وحتى عصور ما بعد الميلاد.
أرسل تعليقك