ظلّت بيروت مهوى حنين الشعراء في العصر الحديث، وساحة للحضور الشعري الكثيف، الذي يتغنى بالحنين إليها وبالحياة فيها رغم المصائب التي أحدقت بها، ومن هؤلاء الشعراء برز: السوري نزار قباني، والفلسطيني محمود درويش، واللبناني جبران خليل جبران، الذين قالوا فيها كلمات شعرية مشحونة بالحب والأسى للمدينة التي عاشت في العقود الأخيرة أحداثًا مريرة
جبران
ولد جبران عام 1883 في بلدة بشري، وهاجر إلى بوسطن مع والدته عام 1898 وتوفي عام 1931 متأثرًا بمرض السل، وظلّ إلى آخر أيام حياته يراوده الحنين لبيروت، وقال عن بلده:
لبنان هل للراسيات كأرزه … تاج ينضرها على الآباد
يا ليت ذاك الأرز كان شعارنا … بثباته وتواشج الأعضاد
بسقت بواسقه على قدر فما … جهلت وما كانت من المراد
لو أمعنت صعدا لما ضلعت ولا … رسخت ولا جلدت لرد نآد
إن تدهمها حمر الصواعق تبتسم … فيها النضارة عن لظى وقاد
وترى الغصون كل مخضل … منها تباعث منه وري زناد
أوقفت تعجب من صنيع الله في … لبنان بين شوامخ ووهاد
نزار قباني
ارتبط الشاعر نزار قباني بعلاقة خاصة ببيروت، حيث لقيت زوجته بلقيس مصرعها في التفجير الذي هزّ السفارة العراقية في بيروت، مما أسهم في تكوين صورة عاطفية مشحونة للشاعر السوري تجاه المدينة التي عاش فيها وأحبها وفقد فيها حبيبته. وفي قصيدته "بيروت والحب والمطر" يقول قباني:
"ليس للحب ببيروت خرائط..
لا ولا للعشق في صدري خرائط..
فابحثي عن شقة يطمرها الرمل..
ابحثي عن فندق لا يسأل العشاق عن أسمائهم..
سهريني في السراديب التي ليس بها..
غير مغن وبيان..
قرري أنت إلى أين..
فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان".
درويش وبيروت
افتتح الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدته الشهيرة "في مديح الظل العالي" برثاء بيروت التي شهدت فترات من أهم حياة درويش، قبل أن يغادرها متجنّبًا حربًا أهلية شرسة واجتياحًا إسرائيليا لها. وقال درويش في قصيدته "بيروت":
خلسةً: نُنشدُ
بيروتُ خيمتُنا
بيروتُ نَجْمتُنا
ونافذةٌ تطلٌّ على رصاص البحرِ
يسرقنا جميعا شارعٌ ومُوَشَّحٌ
بيروتُ شكل الظلِّ
أجملُ من قصيدتها وأسهلُ من كلام الناس
تُغرينا بألف بدايةٍ مفتوحة وبأبجدياتٍ جديدة:
بيروتُ خيمتُنا الوحيدة
بيروتُ نجمتُنا الوحيدة
هل تمدَّدنا على صفصافها لنقيس أجسادًا محاها البحر عن أجسادنا جئنا إلى بيروت من أسمائنا الأولى
نفتِّشُ عن نهايات الجنوب وعن وعاء القلبِ…
سال القلبُ سال…
وهل تمدَّدنا على الأَطلال كي نَزِنَ الشمال بقامة الأغلال؟
مال الظلِّ مال عليَّ ، كسَّرني وبعثرني
وطال الظلُّ طال….
ليَسْرُوَ الشجرُ الذي يسرو ليحملنا من الأعناق
عنقودًا من القتلى بلا سببِ…
وجئنا من بلادٍ لا بلاد لها
وجئنا من يد الفصحى ومن تَعبِ….
خرابٌ هذه الأرض التي تمتدُّ من قصر الأمير إلى زنازننا
ومن أحلامنا الأولى إلى … حطبِ
فأعطينا جدارًا واحدًا لنصيح يا بيروتُ
أعطينا جدارًا كي نرى أفقًا ونافذةً من اللهبِ
وأعطينا جدارًا كي نُعلِّق فوقه سدُومَ
التي انقسمت إلى عشرين مملكةً
لبيع النفط …. والعربي
وأعطينا جدارًا واحدًا
لتصيح في شبه الجزيرةْ
بيروت خيمتُنا الأخيرةْ
بيروت نجمتُنا الأخيرةْ
قد يهمك ايضاً
نزار قباني حرر اللغة من معاجمها والجسد من قيوده المرهقة
حلمي القاعود يعود إلى الكتابة السردية بعد نصف قرن بـ"محضر غش"
أرسل تعليقك