يعود بنا المشهد اليوم الى زمن انقضاض الدولة الفاشلة وبعض السياسيين المفلسين على هندسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية، والتي نجحت بجذب الدولارات الطازجة من الخارج وحوّلت اصحاب المصارف الى "صيادين" للدولار الخارجي في خدمة تعويم الاستقرار، ومن دون اي كلفة على المواطن. وهذه الدولارات هي التي تقوم مقام فشل الدولة اليوم في تأمين صمود الحد الادنى. هذا ما فعله حاكم مصرف لبنان قبل ان تفعل الازمات والسياسات الفاشلة فعلها. وفي المقابل، كل ما تفعله الدولة هو احكام الحصار على شعبها خارجيا وداخليا، فالى جانب طوابير الذل من اجل الحصول على السلع التي باتت شبه مقطوعة، ها هو سعر صرف الدولار يصل بعد الظهر اليوم الى الـ18 الف ليرة، دون ان يرف للمسؤولين اي جفن لا بل يتعاطون مع الازمة وكأن شيئا لم يكن.
عمليات «الهندسات المالية» هذه والتي اعتمدت في العام 2016، لا تزال ترجم بشكل مستمر، وربما لانها اثمرت! ويمكن القول انه على الرغم من الازمة النقدية الحادة فان الدولة اللبنانية ما زالت تؤمّن الدولار مما حققته هذه الهندسات... الامر الذي يدفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى طلب حضور حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الى قصر بعبدا، من اجل البحث في كيفية اللجوء الى هذا المبلغ لتأمين حاجات الدولة والشعب.
والنتيجة التي حققتها هذه الهندسات، هي تعزيز موجودات العملات الاجنبية لدى مصرف لبنان، من منطلق أن تأمين ميزانية قوية هو أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار، الى جانب زيادة السيولة بالعملة المحلية، لتأمين احتياجات التمويل للقطاعين العام والخاص بالكلفة الامثل.
ويشرح مرجع اقتصادي واسع الاطلاع ان الإتيان بالدولارات الى لبنان لا يعني انها باتت في السوق المحلية، بل قد تكون في حساب مصرفي لبناني موجود في الخارج، لكنها اصبحت في حسابات مصرف لبنان كما ن الدفاتر الحسابية تدرجها في خانة انها وصلت الى لبنان.
ويشير المرجع عبر وكالة "أخبار اليوم" الى ان الهندسات المالية، ادخلت بحدود 12 مليار دولار منها ما هو في لبنان ومنها ما هو في الخارج.
ويوضح ان المصارف سلمت هذا المبلغ الى مصرف لبنان واخذت بدلا عنه مبالغ بالليرة اللبناني، وهي بالارقام تقارب 5 مليار دولار (اي نحو 7.5 ترليون ليرة لبنانية على اساس سعر صرف 1515.ل.ل وقتذاك) وهذا المبلغ يشمل ايضا الفوائد التي حققتها المصارف مقابل هذه العملية.
واذ يلفت المرجع الى ان نصف هذا المبلغ ذهب الى مصرف لبنان، انطلاقا مما نصت عليه الهندسة المالية، يقول: هذه الاموال لم تطبع، بمعنى ان المصارف اخذتها دفتريا ولكنها في المقابل دفعت فوائد في العام 2017، تعادل 750 مليون دولار، مشددا على ان هذا المبلغ انقذ الدولة اللبنانية وسمح لها ان تدفع سلسلة الرتب والرواتب التي اقرتها في صيف العام 2017... كما ان الصرف لغاية اليوم هو من هذه الدولارات المتبقية. مع العلم انه ليس من الضروري ان يكون مصرف لبنان قد استخدمها بشكل مستمر.
وردا على سؤال، يجيب المرجع: بعد الهندسة المالية التي اقرت في العام 2016، استمر تدفق الاموال الى لبنان، وآخر عملية في هذا المجال كانت في آب العام 2019، حيث دخل مبلغ يقدر بنحو 1,4 مليار دولار، حين قام مصرف SGBL باكبر عملية بيع لليورو بوندز .
وهنا، يوضح المرجع ان الصرف بالدولار ما زال مستمرا بفضل هذه الهندسة ، وعلى الرغم من ان المبلغ بات قليلا جدا، منتقدا الهجوم على الهندسة المالية الذي هو في اغلب الاحيان نابع عن جهل يستعمل لاسباب سياسية او عقائدية.
ويخلص المرجع الى القول: نظامنا المصرفي مبني على الانفتاح، لذلك تُرك جزءا من هذه الاموال في الخارج ، وهذا ما سمح للدولة اللبنانية ان تستمر في الصرف.
قد يهمك ايضا :
رياض سلامة يُؤكّد أنّ مليارًا ومائة مليون خرجت مِن لبنان
رياض سلامة يتحدث عن "الإحتياطي الإلزامي" في لبنان
أرسل تعليقك