أصدر مصرف لبنان تعميما يدعو المصارف والمؤسسات المالية إلى أن تمنح على مسؤوليتها قروضا استثنائية بالليرة اللبنانية أو بالدولار لعملائها الذين يستفيدون من قروض ممنوحة سابقا من المصرف بما فيها التي تستفيد من دعم الدولة للفوائد المدنية أو من تخفيض الاحتياطي الإلزامي، وذلك في خضم أزمة انتشار فيروس "كورونا" المترافقة مع أوضاع معيشية صعبة من جراء الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها اللبنانيون لا سيما منذ ما بعد 17 تشرين الأول.
والهدف من التعميم، بحسب الحاكم المركزي رياض سلامة، مساعدة اللبنانيين خلال المرحلة الصعبة وحتى لا تضطر المؤسسات إلى إقفال أبوابها والاستغناء عن موظفيها، ومن أجل أن تتمكن المؤسسات من دفع رواتب الموظفين وسداد ديونها كما مساعدة كل من لديهم قروض مدعومة مثل السكن أو الصناعيين أو غيرهم على تأجيل ديونهم المستحقة خلال الـ3 أشهر المقبلة من خلال تقسيطها لخمس سنوات مع فائدة صفر في المئة.
إن نتائج هذا القرار تتمثل، بحسب النائب علي فياض، بتسهيل قدرة المواطنين والشركات على تسديد قروضهم المتعثرة بقروض صفر فوائد، وتقسيط مستحقات الثلاثة أشهر على 5 سنوات، فضلاً عن ضخ كتلة نقدية بالدولار في المصارف المحلية، الأمر الذي يرتب مسؤولية كبيرة على هذه المصارف من أجل التوسع بتزويد المودعين في قدرتهم على الحصول على ودائعهم، ولذلك فإن هذه الخطوة ضرورية لكنها غير كافية، لأن المهلة، كما يقول فياض لـ"لبنان24"، يجب أن تمتد حتى نهاية العام ويجب أن تقترن مع تخفيض حاد في الفوائد، وهو الإجراء الجذري الذي من شأنه أن يساعد المؤسسات الصناعية والزراعية والتجارية، علما بأن المهلة التي تحتاجها هذه المؤسسات هي سنتان وهي فترة الحد الأدنى التي يفترضها أكثر السيناريوهات إيجابية للخروج من الأزمة.
وتأسيسا على ما تقدم، من الواضح جداً أن القرار، بحسب الخبير القانوني الدولي في الشؤون المصرفية علي زبيب لـ"لبنان 24" هو بمثابة محاولة من البنك المركزي لتأكيد يد المصرف العُليا في ما يتصل بالسياسة المالية والنقدية في ظل شح واضح في موارد الدولة وغياب خطة إقتصادية واضحة نظراً للإرث الثقيل الذي ورثته هذه الحكومة عن الحكومات المتعاقبة، والتي مارست مهامها في ظل نظام سياسي هجين.
ولذلك، من المستهجن، بحسب زبيب، أن تكون القروض الاستثنائية الممنوحة هي لتسديد أقساط القروض الممنوحة سابقاً والتي تستحق في الأشهر الثلاثة المقبلة، ولذلك فإن التساؤلات مشروعة في هذا السياق، فلماذا اعطاء الفرصة للمقترضين أن يقترضوا من جديد من أجل تسديد قروض سابقة مستحقة، بدل أن يتم العمل على الغاء جميع المهل والغرامات والفوائد المتعلقة بالقروض الحالية.
لقد أراد البنك المركزي من خلال قراره استباق عملية إقرار مشروع الكابيتال كونترول على قاعدة أن لا داع له لناحية موضوع القروض؛ يقول زبيب، علما بأن المصرف المركزي من خلال هذا القرار تقصد تكرار سيناريو إصدار التعميم السابق المتعلق بدعم فوائد القروض السكنية الذي صدر بشق أساسي منه من أجل حماية توظيفات المصارف بالعقارات؛ مع الإشارة إلى أن الكابيتال كونترول يفتقر إلى المنطق القانوني لمواكبة المرحلة الحالية ويمثل تشريعاً خطيراً لممارسات المصارف غير القانونية، فضلا عن أن عدداً من بنوده يشكل تنازعاً واضحاً للقوانين المرعية الإجراء وخاصة قانون النقد والتسليف وقانون العقوبات في لبنان.
وعليه يمكن القول، بحسب زبيب، إن القرار لا يتضمن إيجابيات إلا إذا جرى الاعتماد على معيار أخلاق رب العمل التي يملك مؤسسة؛ هي اليوم مقفلة؛ حيث بإستطاعته صرف الموظفين جماعياً دون تمكُن وزارة العمل من منعه. ولذلك هل سيذهب أرباب العمل نحو الاقتراض ولو بصفر بالمئة فائدة وترتيب اعباء قروض جديدة يجب أن تسدد خلال 5 سنوات من أجل دفع رواتب العمال والموظفين؟ هذا أمر مستبعد... إن القرار ليس الزاميا بل إختيارياً، ولذلك، من المتوقع ألا يسير به السواد الأعظم من أرباب العمل .
وسط ما تقدم، كان يجب على الحكومة أن تصدر قرارات تمنع صرف الموظفين من الخدمة. وعلى سبيل المثال، تتقدم المؤسسة التي تعاني من أزمة اقتصادية، من جهة معينة تحددها الحكومة من أجل الحصول على الدعم الحكومي لها؛ والا أين هو دور الدولة في حل هذه الأزمات وأين الخطط الاقتصادية المتعلقة على الأقل بهذا الامر؟ فمعظم أموال الشركات محجوزة في المصارف، وبالتالي يمكن العمل على إصدار تعاميم أو قرارات تمكن المؤسسات التي أودعت سيولتها بالمصارف سحبها شرط ان يقوم رب العمل بتسديد الأجور للموظفين؛ فأي صاحب شركة يملك على سبيل المثال أموالا تقدر بنحو 3 مليون دولار لكنها محجوزة في المصارف، يمكنه ان يسحب ودائعه شرط أن يوافق على دفع ما قد يصل إلى 500 الف دولار على مدى عام للاجراء والمستخدمين رغم انه لا يحقق الانتاجية المرجوة في الفترة الراهنة نتيجة الظروف المستجدة، وهذه العملية يمكن البناء عليها من أجل كسر الخرق القانوني الذي تلجأ إليه المصارف بذريعة الوضع الاقتصادي وحالة الطوارئ.
وليس بعيدا، يمكن القول، وفق زبيب، ان الطريقة الوحيدة لعدم كشف حقيقة الوضع النقدي والمالي للمصارف تتمثل، كما يؤكد زبيب، بدعم ميزانيات المصارف اللبنانية، وذلك عبر إجراء ثلاث خطوات رئيسية وهي:
1. من خلال اعفائهم من IFRS9 - أي المعيار الدولى للتقارير المالية وهو معيار يربط المعالجة المحاسبية بأنشطة إدارة المخاطر ويعمل بشكل أساسى على قياس الأصول والالتزامات المالية، من خلال تناول 3 جوانب رئيسية تتمثل فى تصنيف وقياس الأصول Classification and Measurement، وقياس الخسائر Impairment، ومحاسبة التحوط Hedge Accounting
2. تسجيل تسديد القروض المتعثرة على أساس أنها مسددة، وهذا ما يسعى أليه التعميم الصادر اليوم تحديداً.
3. غض النظر عن قيام المصارف بإجراءات الحجوزات التنفيذية العقارية تجاه زبائنها المتعثرين بدفع القروض، وهو إجراء وبالرغم من قانونيته، يتنافى مع العمل المصرفي السليم في ظل الأوضاع القائمة، مع العلم انه يرفع من ميزانيات المصارف ويخفي عيوبها.
قد يهمك أيضًا
المصارف اللبنانية تواصل تأمين الخدمات المصرفيّة الأساسيّة لعملائها
الحكومة اللبنانية ترجئ تنظيم العمليات المصرفية وتعلن مواصلة البحث
أرسل تعليقك