كتبت فيوليت غزال بلعة في "ARAB ECONOMIC NEWS" تحت عنوان "لمَ الإستعجال بإعلان إفلاس لبنان؟": "لم يكن متوقعا أن يخرج "لقاء بعبدا المالي" عن قرار حكم بإعلان إفلاس لبنان، رغم أنه ما زال يملك الكثير من الخيارات الإنقاذية التي كان ينتظر ان تبادر "حكومة الإنقاذ" الى طرحها وتبنيها.
لم يكن متوقعا ان يكون التعنّت هو شعار سياسة السلطة السياسية التي ترتأي قرارات غير صائبة، وتحاول فرضها على السلطة النقدية والمصرفية لتحميلها ترددات "جريمة" تقترفها بقرار إعلانها إفلاس مصرفها المركزي في قرار غير مسبوق في العالم، متغاضية عن إنعكاساته على القطاع المصرفي، ليكون تاليا المودع هو الضحية لتلك السياسات. وهي بذلك أيضا، تجاوزت "لجنة تقصّي الحقائق"، أي مهمة الرقابة النيابية على أدائها.
في اجتماع بعبدا المالي الاثنين الماضي، استعجل لبنان، عهدا وحكومة، إعلان إفلاس لبنان، وقبل إفلاسه فعليا، وذلك من خلال تبني "خسائر" خطة التعافي المالية للحكومة، والتي تقدّر بنحو 122 الف مليار ليرة.
قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كلمته قبل أن يمشي. نبّه من خطورة تصفير الديون المترتبة على الدولة، للمصرف المركزي وللمصارف وتاليا للمودعين، لأن وفق المقاربة التي أعدها، لن تتجاوز الخسائر سقف الـ80 ألف مليار ليرة، وهي قابلة للتغطية في الأمد القريب. نبّه الحاكم من شطب السندات السيادية، لأنها ستصيب لبنان في مقتل "الثقة" حيال الأسواق المالية الدولية، وإلى الأبد.
أراد الحاكم فرصة لتقريب وجهات المقاربات وتاليا الأرقام، قبل إصدار الحكم بإعدام لبنان، عبر إفلاسه بقوة القرار السياسي قبل إفلاسه الفعلي. وما حديثه الى مجلة "باري ماتش" قبل أسبوع عن أن "لبنان ليس مفلسا"، سوى رسالة الى السلطة السياسية بان الحل يأتي من عندها، وتحديدا حين قال "ان النظام كان قابلا للعلاج شرط تطبيق إصلاحات سياسية أساسية بالتوازي".
ولكن، لم يستمع المشاركون في اجتماع بعبدا المالي، ومن بينهم المستشارون الاختصاصيون، الى مشورة حاكم مصرف لبنان ولا الى تنبيهاته التي لم يتوانَ يوما عن توجيهها الى مسؤولي السلطة في زياراته الدورية. لا بل كان إصرار على اعتماد "خسائر الحكومة" بحجة "عدم إهدار الوقت"، لتكون الأرقام الواردة في خطة الحكومة الإصلاحية المالية "منطلقا صالحا" لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي! وكأن القرار "روتيني" لا يتعلق بمصير بلد ومستقبل شعب وودائع أبنائه ودولارات مستثمريه..
قرار نزل كالصاعقة على مَن يدري، وأثار قلق مَن لا يدري ماذا يحصل. "لجنة تقصي الحقائق" لم تبدو راضية عن "الاتفاق" المالي في بعبدا. وبشهادة عضو اللجنة النائب نقولا نحاس، فان اللقاءات التي أجرتها اللجنة مع كل المعنيين أفضت الى إقرار بضرورة مراجعة أرقام الخسائر، "وقد توصلنا الى خفضها من 240 الف مليار الى 80 الفا.. وما زال لبنان يملك الوقت للمعالجة". وتردّد ان لجنة تقصي الحقائق ستصدر تقريرا بخلاصة عملها في خلال أيام، ويرتقب ان يتضمن إشارة الى الخيارات التي لا تزال متاحة أمام إنقاذ لبنان.
ليس بعيدا، غرّد الوزير السابق والمصرفي عادل افيوني قائلا: "أخيرا اتفقوا على الخسائر. لكن الأهم الاتفاق على توزيع الخسائر. الفارق الأكبر بين أزمات الدين التقليدية والوضع اللبناني، هو ان الدائن الأكبر للحكومة والمركزي والخاسر الأكبر من تعثرهما هو فعليا المودع اللبناني. الخطة الحكومية لم تراعِ هذا الامر في توزيع الخسائر، واتبعت وصفات تقليدية".
ما أغفله اجتماع بعبدا المالي ومعه خطة الحكومة، أشارت اليه جمعية المصارف التي "شكّكت" بما تفعله الحكومة، وذلك حين اكدت حرصها على "عدم المساس إطلاقا بودائع الناس والحفاظ على مقومات الاستقرار المالي واستنهاض الوضع الاقتصادي وتحفيز النمو وتوفير فرص عمل للبنانيين".
وهذا ما لم تتطرق اليه حكومة المستشارين لا من قريب او من بعيد.. إذ استعجلت حسم الخسائر وفق مقاربتها الإفلاسية، ولم تصغِ أو تستشر مَن تريد تحميلهم وزر سياسات منظومة الفساد التي ما زالت تتسع لتمعن في اقتسام المناصب والمواقع، بما يخالف والنوايا المعلنة والتعهدات امام المجتمع الدولي برفع شعار مكافحة الفساد. والتعيينات الادارية والمالية "المعلّبة" وفق إطار نظام المحاصصة والطائفية، والتي يتمّ تهريبها متجاوزة آليات التعيين (بحجة عدم نشرها في الجريدة الرسمية بعد) خير شاهد على تفشي "جائحة الفساد" غير المستجد في لبنان. وفي جديد إنجازات التعيينات، ما تردد همسا امس عن استبعاد محمد بعاصيري من نيابة حاكمية مصرف لبنان كما من لجنة الرقابة على المصارف، بحجة انه "وديعة أميركية".. قرار ستكون له مفاعيل حتما، وقريبا!
الحاكم قال كلمته ومشى. فهو ليس صانع معجزات وغير قادر على التصدي لمنظومة حاكمة ومستحكمة اتخذت قرارها بإعلان إفلاس البلد. اما المصارف ففتحت الباب مجددا أمام حوار عميق حول الخطة الحكومية "التي يُخشى أن يقع المواطنون والإقتصاد اللبناني ضحيّةً لمنطلقاتها ومضامينها الخطرة، مع ما تنطوي عليه من اقتطاع عشوائي من مدّخرات الناس ومن فرض ضرائب ورسوم ينوء تحت عبئها الاقتصاد الوطني، ومن خرق مستهجن لكل النظم والقوانين السائدة في لبنان منذ عشرات السنين، وأخيراً من تهديد جدّي لمستقبل لبنان الاقتصادي دون تكليف من الشعب اللبناني وممثلّيه. فلبنان لا يُبنى بالاستئثار بالرأي، بل بالانفتاح والمشورة".
هل تعود الحكومة الى عقالها وتحتسب مخاطر قراراتها؟ أم يتدخل صندوق النقد ليعيد تصويب الموقف اللبناني الذي طالب بان يكون موّحدا لا تدميريا؟ تساؤلات ستكون لها إجابات قريبة، ونصائح بأن يبقي لبنان عينه على سوريا قبل "قانون قيصر" وبعده!".
قد يهمك أيضًا
تقرير يرصد خطة حاكم مصرف لبنان لتثبيت سعر الدولار
لعبة شراء الوقت بدأت تستهوي رئيس الحكومة اللبنانية والحرب بين دياب وسلامة مستعرة
أرسل تعليقك