قضت المحكمة العليا في الهند بحسم ملكية موقع مقدس في شمال البلاد يتنازع عليه المسلمون والهندوس منذ عقود، لمصلحة الهندوس الذين يريدون بناء معبد فيه.
وتدور القضية حول ملكية الأرض في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش الهندية التي يقول المسلمون إنها كانت موقع مسجد بابري الذي هدمه متطرفون هندوس، ويحاجج الهندوس بأنها موقع مقدس لديهم قبل الإسلام.
وقد تسبب النزاع المستمر بشأن الموقع في سقوط مئات من الضحايا في الصدامات والشجارات التي نجمت عنه.
ويُعتقد الكثير من الهندوس أن الموقع هو مسقط رأس أحد أكثر الآلهة تبجيلًا لديهم، "الإله راما"، بينما يقول المسلمون إنهم ظلوا على مر الأجيال يؤدون طقوس العبادة وصلواتهم في المسجد الذي كان مبنيا في الموقع منذ مئات السنين.
وكان مسجد بابري الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر هدم على أيدي حشود من المتشددين الهندوس في عام 1992، ما أثار أعمال شغب أسفرت عن مقتل ما يقرب من ألفي شخص.
وقالت المحكمة أن المسلمين سيحصلون على قطعة أرض أخرى لبناء مسجد لهم عليها.
مسجد أم معبد؟
يعتقد الكثير من الهندوس أن مسجد بابري شُيّد على أنقاض معبد هندوسي في هضبة راماكو المقدسة لديهم، هدمه "الغزاة المسلمون" في القرن السادس عشر.
ويقول المسلمون أن الموقع هو مسجد بني في زمن الإمبراطور المغولي المسلم الذي حكم الهند، ظهير الدين محمد بابر، الذي أمر ببنائه في القرن الـ 16.
إلا أن الهندوس يزعمون أن ظهير الدين بابر هدم معبدهم في القرن الـ 16 وبنى مسجده فوقه.
ويرى المسلمون أن هذا صراع حديث على المسجد الذي ظلوا يصلون فيه لقرون، نشأ في عام 1949 عندما تسلل بعض الهندوس وقاموا بوضع تمثال "الإله راما" في المسجد وبدأوا في أداء طقوس عبادتهم له
وكانت مجموعة من الهندوس هاجمت المسجد في ديسمبر/كانون الأول 1949، وازدادت حدة التوتر بينهم وبين المسلمين في أعقاب ذلك، ما أدى إلى قيام الشرطة بوضع الموقع تحت الحراسة وإغلاقه لحين حل النزاع بين الطرفين.
وقد عرض الخلاف بين المجموعتين الدينيتن على المحاكم مرات عديدة للنظر في الإدعاءات المتناقضة عن أصل الموقع.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1992 احتل الآلاف من الهندوس المتشددين الموقع وقاموا بهدم مبنى المسجد.
ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الدعوات لبناء معبد على الفور في موقع المسجد السابق.
وتعد الهندوسية ديانة الأغلبية في الهند ويعتقد أن عمرها أكثر من 4000 عام، أما الأسلام فيمثل ثاني أكبر ديانة فيها وتعود بداية ظهورها هناك إلى القرن السابع الميلادي، وانتشرت بشكل كبير بعد دخول جيوش المسلمين إلى شمال الهند في القرن الثالث عشر الميلادي.
قرار المحكمة
قضت المحكمة بالإجماع، بأن "هيئة المسح الأثري الهندية" أصدرت تقريرًا قدمت فيه دليلًا على أن هناك بقايا مبنى "غير إسلامي" تحت هيكل مسجد بابري المهدوم.
وقالت المحكمة إنه بالنظر إلى جميع الأدلة المقدمة، فقد قررت أن الأرض المتنازع عليها بين المسلمين والهندوس يجب أن تُمنح للهندوس من أجل معبد الإله راما، على أن يتم منح المسلمين قطعة أرض أخرى في مكان آخر لبناء مسجد عليها.
وحضت المحكمة الحكومة الفيدرالية الهندية على إنشاء هيئة خاصة للإشراف على بناء المعبد.
بيد أن المحكمة في الوقت نفسه أشارت إلى أن هدم مسجد بابري كان عملا مخالفا للقانون.
ردود الفعل على الحكم
على الرغم من التحذيرات التي وجهتها السلطات للهندوس بعدم الاحتفال بالحكم، يقول مراسلو بي بي سي في المحكمة إنهم سمعوا هتافات باسم الإله راما تعلو خارج مبنى المحكمة لحظة النطق بالحكم.
وقال محامي أحد الأحزاب الهندوسية للصحفيين بعد فترة وجيزة "إنه حكم متوازن للغاية وهو انتصار لشعب الهند".
بيد أن أحد ممثلي المسلمين في القضية قال إنهم غير مقتنعين بالحكم وسيقررون ما إذا كانوا سيطلبون مراجعة القرار بعد قراءة الحكم بالكامل.
وخارج المحكمة، كان الوضع هادئًا إلى حد كبير، بعد أن استبقت السلطات صدور الحكم باعتقال مئات الأشخاص في أيوديا يوم الجمعة، وسط مخاوف من اندلاع أعمال عنف.
ونُشر الآلاف من عناصر الشرطة في شوارع المدينة، التي أغلقت المتاجر والكليات أبوابها فيها حتى يوم الاثنين.
وتراقب الشرطة منصات التواصل الاجتماعي لتتبع أي محتوى يتضمن تحريضا، كما تقوم بالرد على التغريدات في موقع التواصل الاجتماعي تويتر طالبة من المستخدمين حذف بعضها.
وعلق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على الحكم قائلا على تويتر إنه لا ينبغي اعتباره "فوزًا أو خسارة لأي شخص".
استمرار التوتر في أيوديا
شهدت الهند انقسامات اجتماعية ودينية عميقة منذ تولي حزب "بهاراتيا جاناتا القومي" الهندوسي بقيادة ناريندرا مودي، السلطة لأول مرة في عام 2014.
وتصاعدت الأصوات الداعية لبناء معبد هندوسي في أيوديا بشكل كبير بعد هذا التاريخ، وجاء معظمها من نواب ووزراء وقادة من حزب بهاراتيا جاناتا.
وقد أدت القيود المفروضة على بيع وذبح الأبقار، المقدسة لدى أغلبية الهندوس، إلى وقوع عمليات قتل مروعة لعدد من الأشخاص، معظمهم من المسلمين الذين كانوا ينقلون الماشية.
وأسهمت مبالغة القوميين الهندوس في التعبير عن مظاهر هيمنتهم في مناطق أخرى بالعديد من التوترات الدينية فيها.
وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه الذي يوصف بأنه أحد القياديين المتشددين في الحزب الحاكم، إنه سيرحل "المهاجرين غير الشرعيين"، ويعتقد أنه يقصد مسلمون، من البلاد عبر برنامج حكومي استخدم مؤخرًا في ولاية آسام الشمالية الشرقية.
قد يهمك أيضاَ
انتهاكات جديدة بحق الفلسطينيين المشاركين في احتجاجات مناهضة للاستيطان في الضفة
"ميليشيا الدفاع الشعبي" تهدد بإحراق السودان في حال تسليم البشير إلى محكمة الجنايات الدولية
أرسل تعليقك