تواصل الصحف البغدادية صدورها المعتاد، رغم الداء؛ الذي يمثله هنا فيروس «كورونا»؛ (كوفيد19)، والأعداء الذين يمكن أن يختزلوا بـ«حظر التجوال» الذي فرضته السلطات الحكومية لمواجهة تداعيات الفيروس الفتّاك.
وإذا كانت قصة الاستمرار في الصدور لصحف أخرى عبر العالم، طبيعية بالنسبة لمهنة ارتبطت منذ بواكيرها بالمتاعب، فالحال مع صحف بغداد والعراق عموما مختلفة تماماً. فحظر التجوال وتقييد حرية التنقل بالنسبة للصحافيين، ربما كان آخر الأعداء، وقد سبقته عوامل أخرى غير مشجعة لعمل الصحافة، خصوصاً المستقلة منها، ومن بينها ضعف التوزيع وقلة المداخيل المالية المتأتية من الإعلانات التجارية، إلى العزوف الشعبي عن شراء المطبوع الورقي والاكتفاء بما تقدمه المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من أخبار غير موثوقة في مجملها. صحيح أن خلية الأزمة الحكومية المكلفة مواجهة مخاطر فيروس «كورونا» المستجد والحد من انتشاره، سمحت للكوادر الصحافية والإعلامية بالتحرك أثناء الحظر
الصحي الذي فرضته على السكان، فإن ذلك لم يكن ليعبّد الطريق أمام ذهاب الصحافيين إلى أماكن عملهم، لأسباب غير قليلة؛ ضمنها التعليمات الصحية التي تشدد على ضرورة التباعد الاجتماعي لإيقاف انتشار الفيروس الفتاك. إلى جانب استحالة توزيع الصحف الورقية اليومية نتيجة الحظر الذي أوقف سوق (بورصة) الصحف وشركاتها الموزعة عن العمل. من هنا، فإن غالبية المحررين ورؤساء الأقسام والمراسلين يمارسون أعمالهم من المنزل ويقومون بالتواصل فيما بينهم عبر شبكة الإنترنت ومنصاتها المختلفة.
صحيفة «الصباح» التابعة لـ«شبكة الإعلام العراقي» الممولة من المال العام، تعدّ من أكبر الصحف المحلية وأكثرها انتشاراً، نظراً لصفتها شبه الرسمية ولعدد العاملين الكبير فيها، مقارنة ببقية الصحف الخاصة؛ إذ يعمل فيها نحو 500 موظف من صحافيين ومراسلين وفنيين وعمال مطبعة... إلخ. إلى جانب أنها مطالبة رسمياً بتغطية النشاطات الحكومية.
من هنا، فإن الاعتبارات الآنفة تدفع «الصباح» إلى الاستمرار في العمل وإن عبر المنصات الرقمية. يقول رئيس تحرير «الصباح» علي الفواز: «ارتأينا العمل لمواكبة التطورات السياسية والصحية الناجمة عن جائحة (كورونا)، ولعلنا حققنا سبقاً في هذا المجال من خلال عملنا عبر دائرة تلفزيونية تجتمع خلالها كل يوم رئاسة التحرير ببقية المحررين ورؤساء الأقسام لإصدار العدد اليومي من الجريدة».
ويضيف الفواز في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «إدارة (الصباح) وجدت أن وصول الموظفين لمقر الصحيفة دونه كثير من العقبات في ظل حظر التجوال. صحيح أننا مسموح لنا بالتحرك أثناء الحظر، لكن الأمر يرتبط بمشكلات أخرى غير ذلك، ومنها ضرورة التباعد الاجتماعي بين المواطنين، بجانب المشكلات المتعلقة بوصول الموظفين من مناطق بعيدة... وغير ذلك».
وبشأن إمكانية وصول الصحيفة الإلكترونية إلى طيف واسع من القراء في ظل المشكلات التقنية التي يعاني منها موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، يؤكد الفواز أن «الصحيفة تحظى بمتابعة واسعة هذه الأيام. المؤشرات لدينا تشير إلى زيادة عدد القراء والمتابعين؛ إذ إننا لم نكتفِ بالموقع الإلكتروني، إنما أسسنا موقعاً آخر رديفاً، ونقوم بتوزيع النسخة بصيغة (pdf) عبر منصات رقمية كثيرة».
وإذا كان موظفو صحيفة «الصباح» لا يعانون من قصة مرتباتهم الشهرية لأنهم يتقاضونها من ميزانية الحكومة بوصفها مؤسسة تابعة للدولة، فإن أعداداً غير قليلة من الصحافيين العاملين في المؤسسات الخاصة يشتكون من تأخر مرتباتهم لأيام بعد حلول موعد الدفع، غير أن رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «المدى» علي حسين يؤكد أن الرواتب تصل بانتظام لجميع الموظفين العاملين في «مؤسسة المدى» التي يملكها السياسي والصحافي المخضرم فخري كريم.
ويتحدث علي حسين، لـ«الشرق الأوسط» عن تجربة الإصدار الإلكتروني قائلاً: «منذ أن أعلن الحظر المنزلي قررنا التواصل مع القرّاء عبر تحويل موقع الصحيفة إلى موقع إخباري نقدم من خلاله خدمة الأخبار والتقارير العاجلة عما يجري، خصوصاً فيما يتعلق بوباء (كورونا) وعلى مدى 24 ساعة يومياً». ويضيف: «بعد قرار تمديد الحظر قررنا أن نصدر الصحيفة بشكل كامل وبنسخة إلكترونية، إضافة إلى الاستمرار في نشر الأخبار العاجلة والتقارير. هدفنا من الاستمرار التواصل مع قراء (المدى) داخل العراق وخارجه. نحن نقدم اليوم خدمة صحافية كاملة بكل أقسام الصحيفة، الثقافية والرياضية والمنوعات والآراء والتقارير والترجمات والأعمدة اليومية الثابتة».
ويرى حسين أن «تجربة (المدى) تختلف عن الصحف العراقية الأخرى التي تصدر حالياً بشكل إلكتروني؛ لأننا أضفنا خدمة الفيديو والأخبار العاجلة والصور التي نلتقطها بشكل متواصل للحياة في العراق في ظل الحظر، كما أننا نتابع ما تقوم به الجهات الصحية وننشر التقارير فور صدورها من مصادرها».
بدوره، يقول رئيس تحرير صحيفة «العالم» الأهلية مصطفى عبادة: «يمكنني القول إن العمل لم يختلف كثيراً عن بقية الأيام، عدا ما يتعلق بوقت العمل المفتوح. في بداية كل يوم تقريباً، يتم الاتفاق على أولويات العمل، وموضوعات التقارير، عبر مجموعة (جروب) عمل المحررين في منصة (واتساب)».
ويضيف عبادة لـ«الشرق الأوسط» أن «الأولوية الخبرية تركز هذه الأيام على الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس (كورونا) المستجدّ وتداعياتها اليومية، وقد اضطررنا لتخصيص صفحة كاملة، لتغطية آخر تطورات الجائحة، والنصائح الطبية، وتدابير الوقاية العامة». ويواصل عبادة: «نتجه للعمل على الموضوعات السياسية، ومستجداتها اليومية، خصوصاً تلك المتعلقة بأزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ثم نتناول بعد ذلك بقية الصفحات».
وعن أسباب تمسك الصحيفة بالصدور رغم الظروف المعقدة وحظر التجوال؛ يقول عبادة: «نريد أن نقول إن إصدار الصحف غير مرهون بالورق الأسمر، النافذة الإلكترونية تكون نافعة لاستمرار العمل والتواصل مع القراء. الأزمات المتلاحقة لا تسمح بانكفاء العمل الصحافي، إنما له الدور الفاعل فيها».
ومع ذلك يحلم ويتطلع عبادة برفقة زملائه إلى العودة في القريب العاجل إلى الإصدار الورقي، فالإلكتروني «لن يكون بديلاً عن العمل الصحافي بنسخ الورق ولا يمكن تجاوزه، فهو يحمل دليلاً مادياً وموثوقية أعلى في تصدير المعلومة، خلافاً للعمل الإلكتروني الذي يسهل اختراقه».
ومثلما سبق أن ذكر رئيسا تحرير «الصباح» و«المدى» حول زيادة عدد القراء خلال فترة الإصدار الإلكتروني، يؤكد عبادة أن «صحيفة (العالم)، لديها عدد كبير من المتابعين على الموقع الإلكتروني، وهذا ما يؤكده مؤشر المتابعة في نظام الموقع».
قد يهمك ايضًا
ملياردير مصري يعلق على "الترفيه في السعودية"
أرسل تعليقك