الضجيج العربي كبير كثيف، لكنه لا يتخطى كونه ضجيجًا داخل غرف مصفحة، مغلقة، تخاطب نفسها، ومستعدة لخفض صوتها أيضًا.
يتناول الضجيج، وبحماس شديد، تدخلات النظام الإيراني في المنطقة، وما يصنعه من أزمات في العراق واليمن والبحرين والخليج ولبنان وسورية وفلسطين وشمال إفريقيا.
فتنة هنا وهناك، وتمويل ودعم "إرهاب"، وقتل الاستقرار هنا وهناك. دعمه لحماس وتعطيله لمشروع الدولة الفلسطينية، إدارته للصراع في العراق، وتمويله للمتصارعين وموقفه غير الشفاف من "داعش"، فضلاً عن تعطيله للعملية السياسية في لبنان، وصناعته لأزمة اليمن، وتهديده لاستقرار الخليج العربي، بدءًا بمساسه باستقرار البحرين..
مواقفه المتناقضة من حال ثورات الشعوب العربية، فبعضها مشروع، والأخر غير مشروع، من وجهة نظره، وتلك الثورة امتداد له وهذه الثورة "شيطانية"، يجب مقارعة أهلها. ومشروعه النووي عند البعض "خطر محدق" بالمنطقة ويجب مواجهته..كيف مواجهته..مواجهته بصرخة مدوية في غرفة محكمة الإغلاق. والأخر يرى في مشروع إيران النووي مشروعًا كبيرًا للقضاء على إسرائيل، وهذه سذاجة ما بعدها سذاجة، فالدول النووية تتريث كثيرًا قبل ارتكاب حماقات نووية، فالسلاح النووي اليوم سلاح مفاوضات ومساومات، أكثر مما هو سلاح حرب، وهو ليس أكثر من ذلك بالنسبة لإيران، التي تحتاج إلى حماية قدراتها النووية، عوضًا عن المغامرة بها، وبالتالي فإن هذا السلاح موجه للمنطقة تحديدًا، لفرض دور إيراني ريادي مهيمن، يديم للنظام الإيراني سلطته، ويجعله رقمًا عالميًا على الجميع الإقرار به، والسير معه، حتى لو كلف ذلك الأمر موت نصف سكان العالم، أو هلاك نصف الشعب الإيراني من الجوع أو في غياهب السجون وعلى مقاصل الإعدام، بسبب آرائهم ودعواهم لاحترام حقوق الإنسان والدفاع عنها.
لم يستطع الضجيج العربي ترويض النظام الإيراني أو إخضاعه لجزئية من رؤيته أو صيانة حاله أو ضمان حقوقه ومصالحه أو إلزامه بالقيم والأعراف الدولية في حين ترك الغرب المساوم المنطقة كلها لإرادة النظام الإيراني.
وعوضًا عن مواجهة نظام طهران بات الركوع والتنازل رؤيتنا هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المنطقة فأصبحت الرغبة في الحوار فريضة وأصبحت الصداقة معه من المستحبات الواجبة التي تقع محل الفرض الواجب كما هو الواجب المشروط بالاستطاعة (من استطاع إليه سبيلا).
وأصبح البعض من العرب يخشى عدم رضى إيران رافضًا من يواجهها، خشية أن يقال لهم لقد واجهونا من على أراضيكم، وآخرين من العرب يرفضون إيران لكنهم لا يجرؤون على البوح بذلك.
والبلية المضحكة هنا هي أن من كان يصرح ويتهم إيران بالإرهاب يشاركها اليوم في محاربته، ويعطي لجهودها ومساعيها شرعية ويسقط عن نفسه شرعية ما كان وما صدر عنه بحقها.
السؤال الذي يطرح بوضوح ويجب أن يتصدر قائمة كل الأسئلة هو؟ ماذا جنى العرب من تنازلاتهم ومشاريع صداقتهم مع نظام طهران؟ لم يجنوا شيء.. هل أوقفوا انتهاكات حقوق الإنسان والإعدامات المتزايدة يومًا بعد يوم في إيران؟ لم يحدث ذلك.. هل أوقفوا ما يتعرض إليه أبناء المناطق العربية في إيران؟.. انسى الموضوع.. هل أوقفوا التدخل في البحرين واعترفت إيران بسيادة كاملة غير منقوصة لمملكة البحرين العربية؟ ولن تفعل رسميًا.. هل أعادت إيران الجزر العربية الإماراتية؟ حلم وبعيد المنال.. هل سلمت حقول نفط العراق من النهب الإيراني؟ لا بل أصبحت هناك حقول مشتركة.. هل سلم العراق دولة وعروبة من عبث نظام طهران؟ وهل سلمت دماء العراقيين الزكية من يد نظام طهران؟.. هل سلم اللبنانيون والسوريون من عبث طهران؟ لا يسلموا..وهل قامت دولة فلسطين على يد نظام طهران صاحب الشعار الرنان بهذا الاتجاه؟ أم شق الصف الفلسطيني؟ وتأجل مشروع الدولة الفلسطينية؟ نعم شق وتأجل.
هل تخلى نظام طهران عن الحوثيين؟ وطلب منهم التعقل والتراجع؟ أم صرح علانية بأنه يدير الموقف في لبنان واليمن والعراق وسورية؟ وماذا يقصد بهذه التصريحات عندما يكون جزءًا من الأزمة ولا يكون جزءًا من الحل؟ هل تعامل نظام طهران بانتماء وصدق وشفافية مع قضايا المنطقة؟..هل حقًا هو نظام إسلامي شيعي؟ وهل يستطيع أن يثبت ذلك؟ لن يستطيع إثبات إسلاميته ولا تشيعه فالإنسان لم يسلم من لسانه ويده ونواياه، والمسلم لم يسلم منه ورعيته أبناء شعبه شيعة وجميع الطوائف لم يسلموا من بطشه وكذلك لم يسلم شيعة العراق منه، وكثير من الشيعة العرب كانوا عرضة لظلمه وظلم العرب في الوقت ذاته.
هذه التساؤلات الكثيرة التي لم يكن جوابها كما مطلوب، فما الذي يسعى إليه العرب؟ كيف يديرون مواقفهم وأزماتهم وكيف هي الطريقة المثلى لبناء رؤاهم وتوجهاتهم؟ وهل لديهم أزمة بالفعل؟ أم لديهم أزمات؟ وهل لديهم الرغبة والإرادة اللازمتين لحل أزماتهم؟.. هل ستنتهي أزماتهم بمسايرة إيران في المنطقة بأسرها؟ وهل ستنهي بروتوكولات الصداقة الأردنية الإيرانية بين البرلمانين أزمات العرب والمنطقة؟ وهل ستكون مشاركتهم لإيران في محاربة الإرهاب نهاية للتطرف والإرهاب؟.
في الحقيقة من يدقق في الأزمة الإيرانية العربية سيجدها أزمة عربية بامتياز وسخاء عربيين، فبعضنا يرى أننا كعرب جزء من بناء أزماتنا ومشاركون ضيوف عند وجوب الحلول.