بقلم : رامي مهداوي
مر 155 عاما فقط منذ إلغاء العبودية في الولايات المتحدة الأميركية، لكن صورة العبد ظلت باقية وبنسب متفاوتة، والدليل البسيط على ذلك الكم الهائل من الإنتاج التلفزيوني والسينمائي وأيضاً الإنتاج الثقافي مازال يحاول الخروج بحلول ولو كانت تجميلية في تحسين صورة الأبيض.ما نُشاهده من امتداد الاحتجاجات في شوارع المدن عبر الولايات المتحدة؛ في أعقاب مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض إلى ما هو أبعد مدينة منيابوليس، له دلالات أكبر بكثير حسب وجهة نظري من الحدث نفسه، هذا هو غضب المواطنين ويمارسون سلطتهم للدفاع عن حقوقهم. احتجاجات "لا أستطيع أن أتنفس" - كانت الكلمات التي قالها فلويد لضابط الشرطة الذي خنقه بركبته – استهدفت ليس فقط وحشية الشرطة وظلمها وإنما العنصرية المُمأسسة على مستوى الولاية والمستوى الفيدرالي، وخاصة وكالات إنفاذ القانون.
المتابع للشأن الأميركي سيكتشف بسهولة أن العنصرية ازدادت منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض فنجد خطابه العنصري على سلفه باراك أوباما، ويدعوه إلى العودة إلى كينيا مسقط رأس والده ويلقي الشك على صحة شهادة ميلاده. وأيضاً عنصريته اتجاه المسلمين ونساء الكونغرس الملونين وهذا أدى إلى تفاقم التمييز العنصري في بلد يدعي أنه سيد الديمقراطية!!؟ تشير تقارير مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن حالات العنف بدوافع عنصرية على أساس العرق أو الدين قد زادت بنسبة 12 في المائة منذ أن أصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة في العام 2017. ما رأيته من خلال مشاهدتي لما يحدث هو أن روح مالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ ما زالت تحلق فوق المتظاهرين.
بعيداً عن العاطفة، لنقرأ ماذا تقول لغة الأرقام وفقا للإحصاءات الرسمية، فنجد أن أوضاع الأميركيين من أصل أفريقي لا تتوافق مع الدعاية الأميركية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. على سبيل المثال، يشكل السود الأميركيون 12.7 في المائة من مجموع السكان في الولايات المتحدة، ولكن لم يكن هناك سوى رئيس أسود واحد للولايات المتحدة من أصل 45. أيضاً نجد أن 1 في المائة فقط من أعضاء مجلس الشيوخ هم من السود. كذلك فقط 9.5 في المائة من أعضاء مجلس النواب هم من السود. ومن الناحية الاقتصادية؛ 20.8 في المائة من الأميركيين السود يعيشون تحت خط الفقر مقارنة بـ 8.1 في المائة من المواطنين البيض.
بناءً على هذه الإحصائيات والأرقام يمكن القول، إن أميركا على شفا ثورة ضد العنصرية، وترامب يكشف وجه الولايات المتحدة العنصري والقبيح غير المقبول في القرن الحادي والعشرين. لكن علينا ألا ننسى ان الولايات المتحدة دولة مبنية على الإبادة الجماعية للسكان الأصليين والرق، والعنصرية عميقة في النفس الأميركية البيضاء وتعكس الحالة المؤسفة للمجتمع الأميركي ومستوى التمييز العنصري الذي لا يزال يواجهه السود كل يوم.
آن الأوان أن يستيقظ المجتمع الأميركي من سباته، وأن يُحاسب ترامب الذي قام بتدمير الحلم الأميركي، فهو لم يُشوه صورة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي فقط؛ وإنما قام بتفتيت مكونات الحلم الأميركي الذي يستند الى المواطنين المهاجرين من كل أنحاء العالم، على كافة مكونات هذا الحلم أن يجعلوا ترامب لا يستطيع التنفس سياسياً ومحاسبته على كافة الانتهاكات التي قام بها ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان على الصعيدين العالمي والأميركي.