بقلم : عادل الأسطة
أول كتبي «فصول في توقيع الاتفاقية» (عكا ١٩٧٩) صدر عن دار الأسوار ليعقوب حجازي الذي التقيت به وتعرفت إليه في ١٩٧٨، وكان يطبع كتبه، ومثله محمد غنايم محمود عباسي، في نابلس.عرض يعقوب المجموعة على القاص زكي درويش فأبدى رأيا إيجابيا. وأعتقد أن السبب في طباعتها يعود إلى وقوفي إلى جانب دار النشر وتوزيعي منشوراتها في نابلس.لم يطلب يعقوب مساهمة ولم يدفع حقوق نشر، وأعطاني ١٠٠ نسخة.من ١٩٧٩ حتى ١٩٨٦ لم أصدر أي كتاب، وفي ١٩٨٦ نشرت مجموعة قصصية مشتركة عنوانها «الفارعة والشمس والبحر» مع سامي الكيلاني على نفقتنا، ونشرت لي منشورات اليسار لعبد الحكيم سمارة ، كتاب «دراسات نقدية»، وظل الأمر كذلك حتى ١٩٩٢ حين نشرت رسالة الدكتوراه بالعربية عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في القدس، وصدر الكتاب بالألمانية في ١٩٩٣ عن دار نشر (Klaus Schwarz) مدعوما من مؤسسة الـ (DAAD) الألمانية على نفقتها.
في علاقتي بدور النشر ساد اتفاق ضمني يتمثل في أن أحصل على مائة نسخة.ونادراً ما أسهمت في تمويل كتاب، ولم أطبع على نفقتي إلا ما كانت دور النشر ترفض نشره لأسباب سياسية أو تحسبا من جهة أدبية ما لها سطوة قد يسيء النشر إليها، وما طبعته أنا لم يكن يتجاوز المائة نسخة، غالبا ما أهديها إلى الأصدقاء والكتاب.طبعت لي وزارة الثقافة الفلسطينية ثلاثة كتب وطبعت لي دور نشر عربية ثلاثة كتب أخرى وأعادت بعض مؤسسات ثقافية نشر كتب رأت فيها ما يخدم الثقافة الفلسطينية؛ أعادت مكتبة مدبولي طباعة كتابي «مظفر النواب» ودفعت لي مكافأة قدرها ٥٠٠ جنيه مصري، وأعادت مؤسسة فلسطين للثقافة في دمشق طباعة كتاب «أدب المقاومة ..» لتوزعه مجانا ولتبيع الباقي بسعر التكلفة، فالكتاب راقَ لها طرحه وعدته يخدم توجهها السياسي والوطني، وأما «دار شروق» فوقعت معها عقدا أحصل بموجبه على نسبة من الأرباح، أخذت نسخا مقابلها، وطبعت لي دار الآداب في بيروت كتاب «أسئلة الرواية العربية» وأرسلت لي عشر نسخ فقط.
الآن ما عاد النشر يستهويني وصارت دار «الرقمية» تنشر لي، فقد أصدرت ثلاثة كتب تبرعت لها مرة واحدة بمكافأة دفعت لي عن نشر دراستي «الشحاذ اليهودي والشحاذ الفلسطيني» في مجلة «قضايا إسرائيلية».
مؤخراً اتصلت بي دارا نشر لأنشر فيهما؛ السكرية للدكتور محمد سلامة، و»الغاوون» ولا أعرف صاحبها، وإن كان اسمها لي معروفا.محمد سلامة دكتور مصري يقيم في تركيا، اقترح علي أن أشارك في مؤتمر لأيام الثقافة العربية - التركية في اسطنبول، وطلب كتابا ينشره، ومرت المناسبة ولم تعقد الأيام ولم نتحاور حول النشر، ولا أظنه نشر لي، وعرفت أنه يشترط على الكاتب شراء مائة نسخة من كتابه يضاف إليها أجرة البريد، وعرفت ممن طبعوا في السكرية أنهم دفعوا ١٠٠٠ دولار.
الدار الثانية التي اتصلت بي هي دار الغاوون.
كتبت لي الدار رسالة تقترح فيها علي أن أنشر فيها، ولما سألتها عن شروط النشر أرسلتها إلي، ووعدتها بأن أقرأ الشروط وأرد عليها، فلم ترق لي.
بعد فترة سألتني الدار عن رأيي فأخبرتها أنني الآن لا أفكر في النشر، فلا كتب جاهزة عندي، والصحيح أن فكرة المساهمة في نشر كتابي لم ترق لي، فلدي من الكتب المنشورة العديد وثمة دور نشر تطبع لي وما عادت شهوة النشر تستبد بي.
لم ترق إجابتي لدار النشر، فاقتطعت جزءا من رسالتي إليها وعقبت عليه بعبارة «كاتب بلا مبدأ» وبلكتني - أي حظرتني، وانتهى الحوار بيننا، فدار النشر صاحبة مبدأ وأنا بلا مبدأ.
في أثناء حواري مع العديد من الكتاب الشباب عرفت أنهم يطبعون كتبهم الأولى في دور نشر تأخذ منهم ثمن ألف نسخة وأكثر وتعطيهم مائتي نسخة على أمل أن ترد لهم بعض ما دفعوا من المبيعات ولا ترد، فغالبا ما لا تنفد الكتب وغالبا ما تظل أصلا في المخازن أو أن الناشرين يطبعون ٥٠٠ نسخة فقط.
دور النشر كثيرة وأصحابها يريدون أن يعيشوا ولا بد من كاتب يدفع ونحن لسنا في أوروبا ليصل كتابنا إلى القراء ويتصدر قائمة الأكثر مبيعا (Best seller) .
وكان الله في العون؛ عون الكاتب وعون دور النشر، وزمن المبادئ ودور النشر الحكومية ولى، وولت معهما فكرة دور النشر العامة المدعومة من الحزب والدولة، تماما كما ولت فكرة أن الكتاب كالخبز، وولى معها سطر محمود درويش الذي ورد على لسان الأب، في قصيدة «رسالة من المنفى» ١٩٦٤:
«أجوع حتى أشتري لهم كتاب».
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
حزيران الذي لا ينتهي
أستاذ متقاعد ومهنة جديدة