بقلم - رجب أبو سرية
ربما كان من سوء حظ إسرائيل، وليس من سوء حظ، أو جهل أو قلة خبرة بيني غانتس، أنه لم ينجح في وضع حد لحكم بنيامين نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد مضى من السنين، والذي هو في طريقه ليسجل رقما قياسيا، ببقائه عقدا ونصف العقد كرئيس للحكومة، حيث لم يسبقه أحد إلى ذلك في إسرائيل، لا ديفيد بن غوريون، ولا حتى مناحيم بيغن، ذلك أن استمرار نتنياهو المتهم في قضايا الفساد، والذي كرّس التطرف كسياسة رسمية لحكوماته المتعاقبة، هو أفضل وصفة لتعميق الشرخ الداخلي، كذلك لمزيد من العزلة الخارجية، ولا يغرنك ما يدعيه الرجل من فتوحات على صعيد التطبيع مع بعض الأنظمة العربية.
ماذا يعني أن يبقى نتنياهو رئيسا للوزراء في إسرائيل؟ هذا هو السؤال المهم، بعد الاتفاق الذي جرى الأسبوع الماضي بينه وبين غانتس، على تشكيل الحكومة من حزبيهما، مع مشاركة بعض الأحزاب الأخرى، هنا طبعا مهم الإشارة إلى أن غانتس يشارك في الحكومة، برئاسة نتنياهو أولا، وليس معه سوى حزب العمل، من حلفائه المفترضين، أما نتنياهو فمؤكد مشاركة الحريديم، وليس مؤكدا مشاركة حزب «يمينا»، وإن كان مرجحا، المهم، أن رئاسة نتنياهو أولا للحكومة تعني استمرار الخطوط العامة الأساسية لحكوماته السابقة المستمرة منذ العام 2009، والأهم من ذلك مواجهة تهم الفساد الموجهة ضده، وهو بهذه الصفة، بحيث إن تشكيل الحكومة بهذا الشكل يعتبر ضربة موجهة للقضاء الإسرائيلي، وإذا ما أضيف إلى ذلك أن وجود نتنياهو كل هذا الوقت كرئيس للحكومة، كان من شأنه تقليص الديمقراطية داخل حزب «الليكود» وداخل الساحة السياسية لإسرائيل، فإن هذا يعني ضررا فادحا قد تعرضت له «الدولة»، لصالح الشخص الذي يتحول هكذا إلى ما يشبه رئيس الدولة في واحدة من دول العالم الثالث.
حتى اليمين الإسرائيلي، أو بعضه قد ضاق ذرعا، بتعزيز حالة التدين من خلال مكانة الحريديم في حكومات نتنياهو المتعاقبة، وهذا كان أصلا أساس الأزمة التي نشأت مع نهاية العام 2018، حين استقال أفيغدور ليبرمان، اليميني الليبرالي من منصبه كوزير للدفاع، وخرج من الائتلاف الحكومي، داعيا إلى فض الشراكة مع اليمين ومع الحريديم، لمنع تدهور الدولة باتجاه أن تتحول إلى دولة دينية، وكان هذا سببا في ذهاب إسرائيل إلى ثلاث جولات انتخابية خلال عام واحد، دون أن تنجح في حسم المسألة، لصالح أحد الطرفين، وخلال هذه الجولات الانتخابية، يمكن لكل من يرغب في التعرف على حقيقة الوضع الداخلي الإسرائيلي، أن يقرأ تفاصيلها بعمق حتى يعرف بأن إسرائيل، إنما تعيش مثل المريض في العناية المركزة، وذلك باعتمادها الكلي، خاصة في مواجهة العالم في الأمم المتحدة، على أميركا/ ترامب، والذي هو بدوره، يواجه حاليا، بعد ثلاثة أعوام من وجوده في البيت الأبيض تحديا جديا، فيما يخص فوزه بالولاية الثانية.
إن بقاء نتنياهو كرئيس للحكومة الإسرائيلية، يقدم صورة قبيحة لإسرائيل، التي تبدو كدولة حمقاء في اختياره، وأضلاع هذه الصورة مكونة من التالي: أولا يظهر كزعيم دولة من دول العالم الثالث المستبدة، بجلوسه كل هذا الوقت على مقعد الحكم، حيث قام بقمع كل من رفع رأسه لمنافسته على زعامة «الليكود»، وفعل كل ما يمكنه فعله من كذب واحتيال، حتى يمنع سقوطه في الانتخابات، ومارس كل حيلة ممكنة، بل واضطر إلى تضخيم الحكومة حتى وصلت إلى 36 وزيرا، من أجل اصطياد غانتس وحزبه «الحصانة لإسرائيل». وبذلك ظهرت الديمقراطية الإسرائيلية كنكتة، خاصة مع خيانة قادة الأحزاب لناخبيهم وشعاراتهم الانتخابية.
ثانيا ـــ نتنياهو رئيس للوزراء مع تشكيل لجنة قضائية وفق هواه، يعني تحصينه في مواجهة القضاء، ومعروف بأن حياد القضاء شرط أساسي لدولة المؤسسات الديمقراطية.
ثالثا ـــ استمرار نتنياهو في الاعتماد على الحريديم والمستوطنين، يعني بأن إسرائيل، قد تحولت إلى دولة متشددة، بل ومتطرفة، وهذا عنصر طارد ومحبط للدولة المدنية، ووصفة انتحار للدولة بالمعنى البعيد، لأنه يقطع الطريق على التعايش الداخلي ويعزز من نزعة العنصرية.
رابعا ــــ الاعتماد على دونالد ترامب، فيما يخص السياسة الخارجية، خاصة تجاه ملف الصراع مع الجانب الفلسطيني، وترامب رئيس إشكالي، يحارب طواحين الهواء، وليس هناك محبون كثر له، لا داخل أميركا ولا خارجها.
إن إسقاط نتنياهو كان مصلحة لمستقبل إسرائيل، وكان يمكنه أن يخلصها مما علقت فيه، من تشدد وتطرف، الذي لا يدخل فيروس التآكل الداخلي وحسب، بل ويضع الدولة كلها داخل شرنقة محكمة من العزلة، وفيما يخص الجانب الفلسطيني، فإن قطع الطريق على التوصل إلى حل معه، اليوم، يعني تأجيل المسألة وتعقيدها، وترحيلها إلى المستقبل، والمستقبل غير معروفة ملامحه أو أنها غير مرئية من قبل المتطرفين، أما العقلاء، فيقولون، إن عالم الغد لن يكون هو عالم اليوم، وإسرائيل مع توجهاتها إلى ضم الضفة الغربية، تواجه كل العالم باستثناء أميركا/ ترامب، فماذا حين يخرج ترامب من البيت الأبيض؟
إن أفضل سلاح اليوم، تواجه به الأنظمة المستبدة لإسقاطها هو عزلها وحصارها، ولعمري ليست هناك دولة في العالم تعاني من عزلة خارجية، ومن شقاق داخلي كما هو حال إسرائيل، التي تحتج خارجيتها على مسلسل «النهاية» المصري بعد أكثر من 40 سنة على اتفاق كامب ديفيد، والتي وقفت مرعوبة من تحقيق القائمة العربية لخمسة عشر مقعدا في الكنيست، والتي ارتعدت فرائصها في مواجهة انتفاضة أطفال الحجارة العام 87، والتي لا تكف عن إبداء القلق من إيران، وربما تركيا، وصولا إلى اندونيسيا وماليزيا.
إسرائيل الحمقاء التي تستمر في السير على طريق التشدد والتطرف والتنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على ارض 67، تقوم عمليا بشق طريق نهايتها بيدها، لأنه بدل ذلك عليها أن تتعايش وتتأقلم مع المحيط العربي والإسلامي والعالمي، والمدخل الإجباري لهذا أن تتعايش مع الجار الفلسطيني، الذي في حال أغلقت عليه باب الدولة المستقلة، سيعرف كيف يقلق راحتها، بكفاح طويل ومرير، أما إسرائيل الحمقاء، فإنها لا تكتفي بقمع طموحات الشعب الفلسطيني، بل تلجأ أيضا إلى تجويعه بمصادرة أمواله، وهذه وصفة للانفجار الكبير، فلم يقم نظام قام بقمع وتجويع الشعب معا، إلا واجه ثورة عارمة، إن لم يكن غدا، فبعد غد.