بقلم : زياد خدّاش
(سوزان) وسط رام الله، الفلاحة شبه الضريرة، بياعة البقدونس: «آخر بقدونسة، آخر بقدونسة». بينما كيسها المخفي بإتقان في عبّها، يمتلئ بحِزَم البقدونس.
كنت أدعي أني أصدقها، فأهرع إليها من الرصيف الآخر لاهثاً:
- الحمد لله إني لحقت آخر بقدونسة، شكراً سوزان.
- «والله مخبيتلك إياها، وبستنى فيك».
أحببت انتظارها لي، فتنت بفكرة أن شخصاً ما يخبئ لي أشياء.
أمشي في طريقي، وأغيب عن عينيها في الزحام، ويصلني صوتها وهي تصيح على شخص آخر: «آخر بقدونسة، آخر بقدونسة».
أواصل طريقي أتسكع ضجراً، أو منتظراً صدفة تجمع خطوات بشرية مع خطواتي الوحيدة في المدينة، وتوصلني لشخص ما ينتظرني، فأجد نفسي أمامها مرة أخرى. تمد لي آخر بقدونسة، فآخذها متلهفاً وتكرر لي: «والله مخبيتها إلك».
أبتعد لنصف ساعة، ثم بصحبة خطواتي ذاتها أقف أمامها: «آخر بقدونسة، والله آخر وحدة».
آخذ البقدونسة وأنا أشكر الرب لأنني لم أصل متأخراً.
أحببت اللعبة جداً، هل كشفتها سوزان ببقايا وهج عينيها؟
أعود إلى البيت، أصنع صحن سلطة، كنت ألتهم الصحن مغمضاً عيني، متلذذاً بطعم البقدونس البلدي مختلطاً مع (كذبة) سوزان وهي تصيح من داخل الصحن: «آخر بقدونسة.. آخر بقدونسة، والله مخبيتلك إياها وبستنى فيك».