الجولة التالية من الحرب العالمية ضد «كورونا»

الجولة التالية من الحرب العالمية ضد «كورونا»

الجولة التالية من الحرب العالمية ضد «كورونا»

 لبنان اليوم -

الجولة التالية من الحرب العالمية ضد «كورونا»

رجب أبو سرية
بقلم : رجب أبو سرية

بعد أن استفاق العالم قليلاً من صدمة تلقي الضربة الأولى الساحقة لفيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19، والذي كانت حصيلته خلال نصف عامه الأول خمسة ملايين ونصف المليون إصابة، مع نحو ثلاثمائة وخمسين ألف حالة وفاة، وبعد أن تباينت ردود الفعل الأولى تجاه تفشي الفيروس الذي أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية، فوراً كوباء، حيث إن الدول الفقيرة، التي تفتقر للبينة الصحية التحية القوية، تشددت في إجراءات التباعد الاجتماعي، فيما تراخت الدول الكبرى، ما أوقع فيها معظم الضحايا، رغم هذا التباين في حجم الخسائر البشرية، كذلك الخسائر في الاقتصاد، إلا أن صوت التعايش مع "كورونا" بدأ يرتفع منذ وقت، حتى بات معظم الدول في العالم، على وشك الانتقال للمرحلة التالية من التعامل مع الوباء.

قبل كل شيء لا بد من الإشارة، إلى أن مواجهة المرض قد تباينت بين الدول، ارتباطاً، بإمكانياتها الصحية، كما أشرنا أعلاه، كذلك استناداً إلى أيها تمنح الأولوية بين الاقتصاد، وتحقيق أرباح الأثرياء، أم أرواح الناس، وما تحقق من تجربة يشير إلى أكثر من شكل للتعامل مع الوباء، ففي الصين التي واجهته أولاً، كانت الضربة الأولى موجعة، حيث أصيب نحو ثمانين ألف إنسان في بلد تعداده يبلغ ملياراً ونصف المليار تقريباً، وقضى أكثر من ثلاثين ألفاً نحبهم، لكن البلاد التي فرضت حجْراً صارماً على "ووهان" المقاطعة التي شهدته، نجحت في منع تفشي الوباء في كافة أنحاء البلاد، وسرعان مع عادت الحياة الاقتصادية خاصة إلى طبيعتها، فيما تعاملت الولايات المتحدة باستخفاف، وكأنها في كوكب آخر، لذا فإن الوباء حين ظهر فيها ضربها بقوة كاسحة، لدرجة أن تسجل نحو مليون ونصف المليون إصابة، مع مئة ألف حالة وفاة.

ما فرض وجهة النظر التي تقول بضرورة "التعايش" مع الوباء لعدم التوصل إلى مصل أو لقاح معالج له سريعاً، بل إن التقديرات بالتوصل لذلك أجمعت على أنه لن يكون على الأغلب خلال هذا العام، ما يعني عدم قدرة العالم كدول منفردة، أو كمجتمع كلي، على الإبقاء على حالة الطوارئ أو التباعد والحجْر المنزلي، إلى حين اختراع العلاج، رغم استنفار العالم كله في البحث عن ذلك العلاج السحري، بما يعيد إلى الأذهان ظروف وأحوال الحروب العالمية الأولى والثانية اللتين نشبتا في القرن العشرين الماضي، واستمرت الأولى أربع سنوات والثانية ست سنوات، وكأن العالم كله اليوم يواجه حرباً عالمية لكن ليس بين دوله المتقاتلة على السيطرة على العالم، بل هي حرب يواجه فيها العالم عدواً خارجياً هو خفي أكثر منه ظاهراً للعلن.

لكن مع توالي تحذيرات منظمة الصحة العالمية، ومع ملاحظة تراجع قوة الوباء في بعض المناطق، مع استمراره في مناطق أخرى، كذلك مع ظهور موجة تالية له في أميركا اللاتينية، حيث يضرب الآن بقوة في البرازيل وأخواتها من دول أميركا اللاتينية، فإن الدول التي بدأ ينحسر فيها الوباء، بدأت في إتباع سياسة الانتقال التدريجي للحياة الطبيعية، ولعل مثال ألمانيا الدولة القوية والمنظمة والتي ظهرت فيها إصابات كثيرة مع وفيات أقل بالنسبة لحالات الإصابة، بسبب متانة البنية الصحية، يعتبر نموذجاً، حيث كانت ألمانيا أول دول أوروبا التي شهدت أكثر عدد من الإصابات بعد الولايات المتحدة، في إعادة مسابقة دوري كرة القدم، وهي مجال لعجلة الاقتصاد مهمة جداً في أوروبا خاصة، ولكن مع عدم وجود جمهور، أي الاستمرار في عدم الزج بالتكدس البشري في الملاعب ومحطات القطارات والمواصلات العامة، وخلال أسابيع قليلة قادمة، ستحذو حذوها كل من بريطانيا وأسبانيا، اللتين تمتلكان مع ألمانيا أقوى دوريات كرة القدم في العالم .

أما ما يخص العالم العربي، خاصة فلسطين والدول المحيطة بها، وبالتحديد كل من الأردن ومصر، فإن الخطة السياسية التي اعتمدت على التباعد الاجتماعي والحجْر المنزلي الصارم، كانت أداته لكبح جماح تفشي الوباء، وقد نجحت هذه السياسة إلى حدود بعيدة، ثم كانت مناسبة شهر رمضان ومن ثم عيد الفطر، من أسباب وصول سياسة الحجْر إلى ذروتها، ذلك أن مواطني هذه الدول عادة ما يكون رمضان مناسبة لتجمع المصلين بأعداد هائلة، كذلك تكون أيام العيد مناسبة للتواصل الاجتماعي بشكل غير محدود، لذا فقد كانت أجواء رمضان والعيد مختلفة تماماً عما هو معتاد في السنوات العادية، لكن هذه الدول تستعد لما هو بعد العيد، أي منذ بداية الشهر القادم، ومع مطلع الأسبوع المقبل، سيبدأ في الانتقال للمرحلة التالية.

الحذر سيكون بالطبع سمة هذه المرحلة، التي ستبدأ بفتح بعض مجالات العمل الاقتصادي، لكن بمتابعة ومراقبة، حيث بناء على النتائج التي ستتحقق مع الأيام والأسابيع الأولى سيتم التعامل مع إجراء التخفيف، فإن استمرت حالة السيطرة بمنع تفشي الوباء، ستجري زيادة إجراءات التخفيف، أما في حالة الانتكاسة، فإن انكماشاً سيحدث، كل هذا والجميع يترقب ويتابع ما يجري ليس في بلاده وحسب، ولكن في كل أنحاء العالم.في بلادنا فلسطين، أعلن رئيس الحكومة أنه سيتم فتح المساجد والكنائس وعمل المنشآت التجارية، ابتداء من اليوم مع مراعاة إجراءات الوقاية، وأنه سيتم رفع كافة الحواجز بين المحافظات، لكن مع إتباع إجراءات السلامة التي تتضمن التعقيم التام للأمكنة وارتداء الكمامات للمواطنين، وهناك تفاصل كثيرة بالطبع، لكن استحقاقات عامة، فرضت على الحكومة التحرك المسؤول، وجعلتها تواجه تحديات لا تحسد عليها، منها استحقاق الثانوية العامة، الذي بات على الأبواب، كذلك استحقاق المواجهة السياسية، بعد الثانوية، بعد أن أعلن أكثر من مصدر إسرائيلي أن إعلان الضم الفعلي سيكون في مطلع تموز المقبل.

لقد كان ظهور جائحة "كورونا" في العالم مناسبة لظهور تعاضد دولي من جهة، مع تناحر اقتصادي كوني خاصة بين الصين والولايات المتحدة من جهة ثانية، أما في فلسطين فقد ظهرت أهمية وجود السلطة كدولة تقاتل من أجل الحفاظ على أرواح الفلسطينيين، مقابل احتلال لا يعبأ بتلك الأرواح، وأكد الحاجة القصوى لتحرير دولة فلسطين من الاحتلال بكل مظاهره وأشكاله، وهذا يعني أن دولة تحت الاحتلال وعلى الرغم منه تنجح في مواجهة الحرب ضد "كورونا"، ستنجح أيضاً في مواجهة الضم من قبل إسرائيل، وهي على هذا الطريق ستعرف كيف تجتاز مراهنة العدو على أن كورونا ستكون سبباً في عدم نزول مئات آلاف الفلسطينيين لمواجهة المستوطنين وجنود الاحتلال على الأرض، لكن الحرب ليست مواجهة أيام قليلة فقط، بل هي مواجهة بعيدة المدى والأمد، يكسبها من يستند إلى شعب صبور وعنيد ومثابر ومكافح.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجولة التالية من الحرب العالمية ضد «كورونا» الجولة التالية من الحرب العالمية ضد «كورونا»



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon