ما بعد سايكس ـ بيكو… من بيت المستقبل
أخر الأخبار

ما بعد سايكس ـ بيكو… من 'بيت المستقبل'

ما بعد سايكس ـ بيكو… من 'بيت المستقبل'

 لبنان اليوم -

ما بعد سايكس ـ بيكو… من بيت المستقبل

بقلم :خير الله خير الله

كانت مئوية سايكس – بيكو مناسبة لمؤتمر انعقد في “بيت المستقبل” الذي أسّسه الرئيس أمين الجميل الذي لا يزال يشرف عليه، والذي يديره الزميل والصديق سام منسّى. كان عنوان المؤتمر “مئة عام على اتفاق سايكس ـ بيكو: نظام جديد للشرق الأوسط؟”

كانت هناك مجموعة من الندوات استضافها سراي بكفيا، وهو مبنى تاريخي، يومي الجمعة والسبت في العشرين والحادي والعشرين من أيار ـ مايو الجاري. طرحت في الندوات، التي شارك فيها ممثلون لستة مراكز أبحاث دولية، أفكار كثيرة من أبرزها أن روسيا – القيصرية تستحق الدور الذي فاتها في العام 1916، عندما انسحبت من الاتفاق الذي توصّلت إليه فرنسا وبريطانيا بعدما كانت جزءا لا يتجزّأ منه.

كان السؤال الذي لم يستطع أحد الإجابة عنه هل ستؤدي المفاوضات المستمرّة واللقاءات المتكررة بين جون كيري وزير الخارجية الأميركي، وسرغي لافروف وزير الخارجية الروسي إلى سايكس ـ بيكو جديد بعدما استهلكت أحداث المنطقة، خصوصا التطورات في سوريا، سايكس ـ بيكو البريطاني ـ الفرنسي؟

غير مشارك في الندوات تحدث عن “تشابه” المفاوضات بين مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو وتلك التي تجري حاليا بين كيري ولافروف. وتوقف كثيرون عند الضوء الأخضر الأميركي للتدخل العسكري الروسي في سوريا، إضافة إلى الدور الأميركي في دعم الأكراد، وهو دعم يتمّ تحت مظلة روسية ـ أميركية.

لم تترك الندوات زاوية إلا وتطرقت إليها بعدما رسم أمين الجميّل الإطار العام للمؤتمر من خلال كلمة افتتح بها المؤتمر، وأشار فيها إلى أنّ “الثورات الشعبية والأحداث العسكرية في المنطقة، من حدود إيران إلى حدود مصر، تحدث ثغرات في الكيانات التي نشأت نتيجة اتفاق سايكس ـ بيكو ومؤتمر سان ريمو”.

كان مهمّا إيضاح الجميّل أنّه “في نصّ اتفاق سايكس ـ بيكو المكون من 832 كلمة، لم ترد كلمة شعوب ولا مرّة، ولا عبارة حقّ تقرير المصير. إن دلّ ذلك على شيء، فعلى أنّ الجغرافيا أكثر من الإنسان، كانت معيار هذا الاتفاق الذي صيغ بين لندن وباريس وسان بطرسبورغ. أساسا، أنّ مفاوضات سايكس ـ بيكو بين تشرين الثاني ـ نوفمبر 1915 وأيار ـ مايو 1916 استهدفت بداية تفكيك الدولة العثمانية وإعادة توزيع النفوذيْن الانكليزي والفرنسي في الشرق الأوسط، وبناء كيانات جديدة والتحضير لنشوء دولة إسرائيل. فالانتداب كان الهدف وليس الاستقلال”.

من أهمّ ما ورد في كلمة الرئيس اللبناني السابق أنّ “من مفارقات التاريخ الحديث أن الشعوب العربية التي كانت تناضل لتغيير الكيانات التي استحدثها اتفاق سايكس – بيكو والمؤتمرات اللاحقة بعد الحرب العالمية الأولى أصبح أقصى مناها اليوم، بعد الثورات العربية المشوّهة (2010 – 2016) أن تحافظ على كياناتها وتنقذ حدودها الدولية التي أرساها اتفاق سايكس – بيكو (…) إن سايكس – بيكو القديم نقل المشرق إلى دول معترف بها دوليا. أمّا سايكس – بيكو الجديد فسيحوّل الدول إلى كانتونات”.

من أبرز الذين كانت لديهم مداخلات في المؤتمر سامي الجميّل رئيس “حزب الكتائب” الذي أثار موضوع “الظلم” الذي لحق بالأكراد الذين حرمهم سايكس – بيكو من دولة مستقلّة. صحيح أن مؤتمر سيفر الذي جاء بعد اتفاق سايكس – بيكو أشار إلى دولة كردية مستقلّة، لكن “الروح الوطنية والقومية التركية” التي تجلت بعد انقلاب أتاتورك حالت دون تحقيق هذا الهدف الكردي.

من الواضح، استنادا إلى مداخلات عدّة، أنّ أي اتفاق جديد في شأن المنطقة سيأخذ في الاعتبار حاجة الأكراد إلى دولة مستقلة. كان هناك شبه إجماع بين الذين شاركوا في المؤتمر الذي انعقد بالتنسيق مع “مؤسسة كونراد أديناور” على أن تحولات ستطرأ على المنطقة كلّها. سيترتب على هذه التحولات أخذ العلم بالعنصر الشيعي الذي تجاهله اتفاق سايكس – بيكو قبل قرن. لم يعد هذا التجاهل ممكنا الآن، ولكن يظلّ السؤال هل في استطاعة إيران الاستمرار في مشروعها التوسّعي الذي قام على الاستثمار في الغرائز المذهبية، والذي تلقّى دعما قويا بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، أم سيكون في مقدور الشيعة العرب لعب الدور المطلوب منهم بعيدا عن إيران وسياساتها وتطلعاتها ذات الطابع الاستعماري؟

سمح المؤتمر بإعادة اكتشاف الأستاذ الجامعي جو مايلا، الرئيس السابق للجامعة الكاثوليكية في باريس، والذي يتميّز بواقعيته وتواضعه وفهمه العميق للشرق الأوسط بعيدا عن الادّعاءات الفارغة. وصف مايلا، أبرز الأساتذة الجامعيين اللبنانيين في فرنسا، سايكس – بيكو بأنّه آخر قرار اتخذه البريطانيون والفرنسيون على صعيد اقتسام النفوذ في منطقة من مناطق العالم. شدّد على أن الاتفاق “كان ذا طابع استعماري”، كما “أسس لدول شابة في مجتمعات قديمة”.

سمح المؤتمر أيضا بالتعرّف إلى وجهات نظر قيّمة لكثيرين. من بين هؤلاء الوزير السابق والنائب مروان حماده والباحث حسن منيمنه المقيم في واشنطن وستيفن هايدمان رئيس “كرسي جانيت رايت كيتشام” وجيمس بار وبول سالم ومروان المعشّر وآندرو تابلر والوزير السابق روجيه ديب وعمر العظم ونبيل عمرو ومحمود سويد وجون بيل والدكتور ناصيف حتّي وميسون دملوجي ورند الرحيم والزميل جهاد الزين وآخرون.

لا أجوبة محدّدة عمّا ينتظر الشرق الأوسط حيث لا تزال الدول التي قامت استنادا إلى سايكس – بيكو محافظة على حدودها، باستثناء أن “داعش” أزال الحدود بين مناطق سنّية في سوريا والعراق. المؤسف أنّه لم يوجد من يشير إلى خطورة عدم اعتراف “حزب الله”، كميليشيا مذهبية، بالحدود بين لبنان وسوريا.

لكن ما كان ملفتا في سياق المؤتمر إشارات صدرت عن مشاركين فيه إلى صمود لبنان في وجه كلّ العواصف التي تعرّضت لها المنطقة وعلى الرغم من سوء الحال التي يمرّ بها حاليا. هناك هوية وطنية لبنانية، يتمسّك بها المسيحي والمسلم برزت على السطح بشكل واضح في السنوات القليلة الماضية.

ربّما كان ذلك عائدا إلى أنّ الجبل المسيحي – الدرزي تمتع بنوع من الاستقلال في العهد العثماني، وإلى أن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين بدأت باكرا، حتّى عندما كان المسيحيون أكثرية، أو لأن بناء مؤسسات الدولة بدأ في عهد المتصرّفية حين كان المتصرّف مسيحيّا من خارج لبنان، ولكن من رعايا الدولة العثمانية.

توقف عدد لا بأس به من المشاركين عند تجربة الأردن الذي صار دولة تمتلك مؤسسات حقيقية لديها وجودها ودورها في المنطقة. كان الفضل في ذلك عائدا إلى الهاشميين الذين عرفوا معنى بناء دولة وكيفية التعاطي مع المواطن. استخفّ كثيرون بالأردن في الماضي، لكن تجربته كشفت أن الفشل لم يكن فشل سايكس – بيكو بمقدار ما أنّه كان فشل الأنظمة الدكتاتورية التي قضت على كل المؤسسات الموروثة عن الانتداب أو الاستعمار، وحتّى عن الدولة العثمانية.

هل كان سايكس – بيكو فاشلا منذ البداية… أم أن الفشل الحقيقي هو فشل الذين لم يتمكنوا من البناء عليه، بل تاجروا بقضية فلسطين وقمعوا شعوبهم من أجل البقاء في السلطة، وليس من أجل أيّ شيء آخر غير ذلك؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد سايكس ـ بيكو… من بيت المستقبل ما بعد سايكس ـ بيكو… من بيت المستقبل



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:33 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تُعيد 294 من رعاياها في لبنان برفقة وزير الخارجية
 لبنان اليوم - مصر تُعيد 294 من رعاياها في لبنان برفقة وزير الخارجية

GMT 15:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نيللي كريم تكشف تفاصيل مشاركتها في "أسبوع الرياض للموضة"
 لبنان اليوم - نيللي كريم تكشف تفاصيل مشاركتها في "أسبوع الرياض للموضة"

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مجوهرات راقية مصنوعة من الذهب الأبيض الأخلاقي

GMT 17:18 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أزياء مبهجة تألقي بها في شم النسيم

GMT 08:28 2022 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

موديلات متنوعة لأحذية السهرة لإطلالة أنيقة

GMT 19:59 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تحقق فى خرق أمنى كبير تسبب فى تسريب معلومات مهمة

GMT 19:55 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تزود Gemini بأربع مزايا جديدة باللغة العربية

GMT 14:29 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي علي تجهيزات العروس بالتفصيل

GMT 19:08 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الجزائري مبولحي يخضع لبرنامج تأهيلي في فرنسا

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon