موسكو ـ الروسية
لقد كان الطب في روسيا على مدى عقود عديدة في طليعة العلوم في العالم، وفي أوقات مختلفة عاش وعمل في البلاد أطباء وباحثون بارزون ساهموا في تأسيس مدارس طبية جيدة في البلاد. ومن بين هذه المدارس على سبيل المثال المدرسة الفيزيولوجية والعصبية التي تختلف بنوعيتها عن المدارس الغربية.
تعليم للجميع
تجذب الجامعات الطبية الروسية في السنوات الأخيرة أعداداً كبيرة من الطلاب الأجانب الذين يأتون لدراسة التخصصات الطبية في مدن موسكو وسانت بطرسبورغ ونوفو سيبيرسك وأستراخان وقازان وغيرها من المدن الروسية الأخرى.
وفي هذا الإطار حدثتنا لاريسا بوبوفيتش مديرة معهد اقتصاد الصحة في مقابلة مع وكالة ريانوفستي قائلة: "من السهل شرح ذلك، فدراسة الطب في روسيا تعتبر حالياً من العلوم الأساسية والموجهة في إطار فهم العملية بشكل متكامل، وليس من خلال دراسة الأعراض والظواهر الفردية".
وبحسب قولها فقد وصل العديد من الجامعات الطبية إلى مستوى جيد، وهي مجهزة بالمعدات التقنية والفنية بما فيه الكفاية، بحيث يسمح للتعليم الطبي أن يتطور بشكل متسارع، مستخدماً بذلك لدى تدريب أطباء المستقبل أحدث أنظمة الاتصالات والمعلومات.
وفي هذا السياق أضافت لاريسا بوبوفيتش قائلة: "تقوم جامعة سيتشينوفا للطب الأولى الحكومية في موسكو بتطبيق أحدث المعدات التكنولوجية، وهذا يتيح للجامعة منح الطلاب مستوى منافس من التعلم المهني. ولابد أن نذكر هنا مستوى التعليم الجيد الذي يحصل عليه الطلاب في كلية علوم الطب الأساسية التابعة لجامعة موسكو الحكومية. هذا في موسكو، ولكن هناك جامعات رائدة في الأقاليم الروسية بما في ذلك في تومسك وسيمفيروبول وسانت بطرسبورغ وغيرها من المدن الروسية، وبالتالي يمكن القول بأنه لدينا ما نقدمه للطلبة الأجانب في بلدنا روسيا".
هناك ميزة هامة أخرى للجامعات الطبية الروسية الموجودة في العاصمة والأقاليم الأخرى، والتي تكمن في أن طلابها يمكن أن يشاركوا في الأبحاث العلمية التي تجريها الجامعة، وفي هذا الصدد حدثتنا إيرينا أبانكينا مديرة معهد التطور العلمي في مقابلة مع وكالة ريا نوفستي قائلة: "حالياً يخطو العديد من جامعاتنا الطبية خطوات ملموسة إلى الأمام، وبالتالي تزداد شعبيتها بين الطلاب الأجانب، حيث تتكيف الجامعات بمناهجها العلمية وفق رغباتهم، كما يتم إنشاء أقسام خاصة للعمل مع الطلاب الأجانب. وبالتالي فإن الجامعة التي تتمتع بإدارة من هذا النوع ومستشفيات تابعة لها، يمكن اعتبارها مكاناً واعداً للدراسة فيها".
وتضيف لاريسا بوبوفيتش أنه لابد من الإشارة هنا بأن التعليم الطبي في روسيا يتمتع أيضاً بمزايا أخرى ليست دائماً واضحة. فعلى سبيل المثال يمكن للطلبة القادمين من إسرائيل والدول الإسلامية الحصول على تدريب يفتقرون له في بلادهم- وهو في مجال التشريح.
لكن وفي الوقت نفسه هناك مشكلة واحدة لدى العديد من الجامعات الروسية والتي تكمن في أن خريجيها لا يمكنهم دائماً تطبيق معارفهم في الحياة العملية، على الرغم من أن ذلك لا ينطبق بشكل كامل أثناء إعداد أطباء المستقبل بقدر ما ينطبق على إعداد، المهندسين على سبيل المثال، وذلك لأن مناهج التعليم الطبي تفترض وجود عدد كبير من الدروس العملية، ولكن بحسب تقدير الخبراء ليس بالقدر الكاف.
وتعتقد مديرة معهد اقتصاد الصحة بهذا الشأن قائلة: "في حال تم رفع مستوى المجال العملي، فإن الجامعات الطبية الروسية سوف تحصل على ميزة تنافسية أمام نظيراتها الأجنبية، ولهذا من المهم جداً أن يكون لدى الجامعات الطبية مستشفيات ومستوصفات تابعة لها يستطيع الطلبة الحصول على تدريب عملي فيها".
مشكلة اللغة
إن التدريب العملي في مجال الطب يفترض وجود تواصل بين طلاب هذا الاختصاص مع مرضى حقيقيين، لذلك يحتاج الطلبة الأجانب بأن يكونوا على دراية باللغة الروسية، وهنا تؤكد إيرينا أبانكينا بأن دراسة اللغة هو عنصر هام في أي جامعة طبية.
ووفقاً للمعايير المعتمدة في الجامعات الروسية الحكومية فإنه ومن أجل تدريس الطالب الأجنبي يكفي أن يكون متقناً للغة الروسية على المستوى التحضيري. ولتحقيق هذا الغرض يحتاج الطالب الأجنبي معرفة ما لا يقل عن 2300 كلمة روسية وأن يكون قادراً على التصرف في معظم مواقف الحياة اليومية، وحل جزء كبير من المشاكل التي يمكن أن تواجهه. وهذا المستوى عادة ما يتحقق من قبل خريجي كليات التحضيري بعد أن يخضع الطلبة الأجانب لعام دراسي في مجال اللغة.
يلاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد في سقف شروط الجامعة الطبية الروسية للطلبة الأجانب. فعلى سبيل المثال لابد لأي طالب أجنبي راغب في الحصول على شهادة دبلوم بكالوريوس أو على درجة الماجستير، أن يتقن اللغة الروسية وفق ما يسمى "بالمستوى الثاني"، والذي يفترض معرفة حوالي عشرة آلاف كلمة روسية وأن يكون قادراً على التحدث وكتابة المواضيع العادية اليومية والمهنية.
عادة تقوم الجامعات الطبية بتدريس طلابها اللغة الروسية، وخير مثال على ذلك المنهاج المتبع في جامعة الصداقة بين الشعوب، التي اكتسبت خبرة عظيمة في هذا المجال، وهي تعتبر واحدة من أفضل الجامعات في العالم وفق تصنيف QS الدولي. الجدير بالذكر أن جامعة الصداقة هي أكثر الجامعات التي تضم أكبر عدد من الطلبة الأجانب من جنسيات مختلفة، فمن بين 25 ألف طالب هناك مواطنون أكثر من 140 دولة في العالم.
كما تضم الجامعة كلية اللغة الروسية وتخصصات في العلوم الأساسية، حيث يخضع الطلبة الأجانب الراغبين في دراسة الطب خلال عام لتعلم اللغة الروسية ومواد عامة متعلقة باختصاصهم. وبعد ذلك يواصلون دراستهم في كلية الطب أو جامعات روسية أخرى.
الاعتماد الدولي
اليوم ينبغي الحصول على شهادة دبلوم معترف بها في مختلف البلدان، من أجل العثور على وظيفة ناجحة كطبيب، أو يجب الخضوع لفحص خاص يؤكد المؤهلات المهنية التي يمكن أن يتمتع بها هذا الطبيب أو ذاك. كقاعدة عامة يميل الأطباء الروس إتباع الطريق الثاني لدى الحصول على وظيفة في الدول المتقدمة، ولكن لا يبدو اجتياز الامتحان هذا أمراً سهلاً على الدوام، وذلك لأن دراسة الطب تتطلب تحقيق المزيد من الشروط، وهنا يشير فلاديمير بريلير الخبير في مجال التعليم الدولي وهو المدير التنفيذي للتخطيط الإستراتيجي والأبحاث في معهد برات في نيويورك خلال مقابلة مع وكالة ريا نوفستي، إلى أن خريجي الجامعات الطبية المحلية ينبغي أن يبذلوا جهداً كبيراً لإثبات قدرتهم على ممارسة مهنتهم، وأوضح بهذا الشأن قائلاً: "يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية نظام مزدوج لمراقبة جودة إعداد الأطباء، فهو بالإضافة إلى أنه ينبغي التخرج بنجاح من الجامعة، عليه أن يجتاز أيضاً امتحاناً يشمل على أسئلة حول كافة المواضيع الطبية الخاصة بالخريجين في هذا المجال. كما ينبغي على خريج الجامعة الطبية الخضوع لتدريب مكثف يجريها الأطباء الشباب خلال ممارساتهم العملية في المستشفيات".
في الوقت نفسه هناك في بعض البلدان، على سبيل المثال الهند، جامعات معترف بشهاداتها في الولايات المتحدة. وبحسب قول الخبير فإن هذه الجامعات بذلت جهداً كبيراً لتحقيق هذا الغرض من خلال دعوة الأخصائيين من أمريكا، وهؤلاء بدورهم أشادوا بعمل هذه الجامعات وساهموا في تحسين نوعية التعليم فيها. إلى جانب الهند هناك جامعات طبية رائدة في آسيا منها جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة ماليزيا.
هناك بلدان أخرى بذلت جهوداً حثيثة لتكون شهاداتها العلمية في مجال الطب معترف بها في الولايات المتحدة وكندا. وهنا في هذا الإطار يمكن أن نخصص جامعة القديس جورج في غرينادا أو جامعة روسا في جمهورية الدومينيكان.
ومع ذلك فقد أعرب الخبير عن شكوكه في أن مشكلة اعتراف البلدان الأجنبية بالشهادات بالنسبة لروسيا ليست ذات أهمية حالياً. فبحسب رأيه من المهم بذل الجهود في مجال رفع مستوى وتحسين نوعية الإعداد والتدريب، وذلك قبل كل شيء عن طريق تطبيق الأبحاث العلمية في الجامعات والمستشفيات، على الرغم من أنها عملية مكلفة وبطيئة.
وخلص فلاديمير بريلير قائلاً: "أعتقد أنه في حال أرادت الجامعات الطبية الروسية استقطاب الطلبة الأجانب، فإنه عليها أن تجتاز مرحلة الاعتماد الدولي أو على الأقل أن يتم تقييم جودة ونوعية التدريب والتدريس من قبل خبراء دوليين. وبالتالي في حال كانت هذه الجامعات قادرة على إثبات جودة عالية في التعليم، يمكن بعد ذلك استقطاب الطلبة من أي مكان في العالم".