التعليم العالي في البحرين

أقر مجلس التعليم العالي في اجتماعه الأخير أول استراتيجية وطنية للتعليم العالي، بعد أكثر من عام كامل من التخطيط والإعداد والمتابعة مع الشركاء المحليين ومع بيوت الخبرة العالمية، حيث بدأ العمل في وضع هذه الإستراتيجية العام الماضي 2012/2013م، واستغرقت صياغة هذه الاستراتيجية في صورتها النهائية عدة أشهر، إلى أن عرضت مؤخرا على مجلس التعليم العالي الذي أقرها وطلب من الأمانة العامة إعداد جدول زمني لتنفيذها.
الدكتور ماجد بن علي النعيمي وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس التعليم العالي يسلط الضوء على تفاصيل وأهداف ومكونات هذه الإستراتيجية، موضحا أنها مرت بثلاث مراحل: تضمنت المرحلة الأولى منها مراجعة الوثائق والتقارير والبيانات والمعلومات ذات العلاقة، وإجراء التحليلات والمقارنات اللازمة بشأنها، كما تضمنت إجراء مقابلات مكثفة مع كافة الشركاء والجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة المرتبطة بقطاع التعليم العالي في مملكة البحرين، بلغت 26 مقابلة مع أكثر من 67 ممثلاً عن تلك الجهات، وانتهت هذه المرحلة بتنظيم ورشة عمل في أكتوبر الماضي 2013م شملت 37 مشاركاً من ممثلي الجهات الذين تمت مقابلتهم للتباحث بشأن الخطوط العريضة للاستراتيجية.
أما المرحلة الثانية فقد تضمنت تحليلاً لمواطن القوة والضعف والفرص والتحديات فيما يتعلق بالتعليم العالي في مملكة البحرين، ومن ثم صياغة أهم المحاور العامة للاستراتيجية، حيث شمل كل محور على الأولويات الاستراتيجية والتشريعات التنظيمية والمبادرات المقترحة. كما تم في هذه المرحلة عقد عدد من الاجتماعات مع الشركاء الرئيسيين ومتخذي القرار للتحاور معهم وأخذ مرئياتهم بشأن ما توصلت إليه الاستراتيجية، وقد تم تحديث مسودة الاستراتيجية بناءً على نتائج هذه الاجتماعات. كما تم في هذه المرحلة وضع تصور لحوكمة وتمويل التعليم العالي في مملكة البحرين. وبعد أن تمت مراجعة مسودة الإستراتيجية في المرحلة الثانية، أرسلت الأمانة العامة نسخة منها إلى أعضاء المجلس وإلى الجهات التي ساهمت في وضعها منذ البداية لإبداء الرأي بشأنها، وبناءً عليه تمت صياغتها في صورتها النهائية وفقاً للمرئيات والآراء الواردة بشأنها.
-"توفير بيئة تعليم تتمتع بالابتكار"
أما عن مرجعيات الاستراتيجية وأهم ملامحها، فقد أوضح الوزير، أن هذه الاستراتيجية في اتجاهها العام تأتي تنفيذا لبرنامج عمل الحكومة، ولما جاء في رؤية البحرين الاقتصادية 2030م من مبادئ وأهداف ترتبط بعلاقة التعليم بالتنمية، ولاسيما تعزيز الرأس المال البشري، وإعطاء البحرينيين الفرصة للنجاح من خلال الارتقاء بمستواهم التعليمي والمهني، والعمل على بناء اقتصاد معرفي يرتكز على ريادة الأعمال بقيادة القطاع الخاص، وإدارة مستدامة للموارد الاستراتيجية، وارتباطاً كذلك بأهداف التعليم العالي المنصوص عليها في قانون التعليم العالي، وتنفيذا لتوجيهات لجنة تطوير التعليم والتدريب برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء، هذا بالإضافة إلى الأخذ بالتوجهات الدولية الحديثة في مجال التعليم العالي، حيث تتمحور رؤية مجلس التعليم العالي في توفير بيئة تعليم عالٍ ترتقي إلى أعلى المستويات العالمية وتتمتع بالابتكار وريادة الأعمال فتغذي النمو والتقدم في مملكة البحرين والمنطقة، من خلال تخريج الأجيال من أبناء البحرين القادرين على تحقيق النجاح في القرن الحادي والعشرين، وبما يسهم في التحول إلى مركز إقليمي للجودة وريادة الأعمال في التعليم العالي، مما يدفع عجلة الابتكار والتنمية، وتحسين بيئة التعليم العالي في البحرين من خلال التطابق الاستراتيجي مع سوق العمل، وجودة معززة وحوكمة فعالة قادرة على مواكبة التطور في هذا القطاع ومتطلبات التنمية، وذلك من خلال بناء نظام تعليم عالٍ يرتقي إلى المستويات العالمية من خلال تحسين جودة مدخلات قطاع التعليم العالي وعملية التعلّم وتطابق مؤهلات الخريجين مع احتياجات السوق.
-"مواءمة مهارات الخريجين مع متطلبات سوق العمل "
عند تفصيل محاور هذه الإستراتيجية، بيّن الوزير أن الإطار الاستراتيجي للتعليم العالي المقترح ينقسم إلى ستة محاور استراتيجية، حيث تم وضع هذه المحاور بناءً على الوضع الراهن للتعليم العالي في المملكة، ووفقاً لأفضل الممارسات التي يطمح مجلس التعليم العالي إلى تنفيذها على أرض الواقع في قطاع التعليم العالي، وهي:
- الارتقاء بجودة التعليم العالي بتخريج طلاب مهيئين أكاديمياً ومهنياً وشخصياً لتمكينهم من تحقيق إمكاناتهم والمساهمة في المجتمع، الأمر الذي يعد أساسياً لتحسين قابلية التوظيف والتنافسية الاقتصادية في المملكة، بما سيسهم في تعزيز قطاع التعليم العالي في البحرين، واستقطاب المزيد من الطلاب من المنطقة، والاستفادة من البحوث لتحقيق النمو الاقتصادي، وضمان رضا أصحاب العمل عن الخريجين، بما يعزز فرصة البحرينيين في الحصول على أفضل الفرص في سوق العمل.
- العمل على مواءمة التعليم العالي مع أولويات وحاجات سوق العمل المحلي والإقليمي الحالي والمستقبلي، والعمل على جسر الفجوة بين مهارات الخريجين والمهارات المطلوبة من قبل أصحاب الأعمال، من خلال عدة خطوات وإجراءات وتطويرات في البرامج والمقررات الدراسية، ومن خلال زيادة مشاركة أصحاب العمل في التعليم العالي، بما يسهم في توفير المزيد من الفرص أمام الخريجين وتعزيز التنافسية في قطاعات النمو وتنويع اقتصاد البحرين، والانتقال إلى اقتصاد المعرفة والابتكار، وتحسين الترتيب الوطني في المؤشرات العالمية.
- كما تتصدى الاستراتيجية من خلال محورها الثالث إلى تعزيز العلاقة بين التعليم العالي والتعليم الفني والمستمر، وتنويع البرامج وتحديد مستوياتها والمجالات التي تغطيها هذه البرامج، بما يضمن عدم تكرار طرح التخصصات ذاتها في المؤسسات المختلفة، وتحقيق التوازن بين التخصصات الأكاديمية والفنية، الاستجابة إلى معدلات متزايدة من الالتحاق الجامعي، وإلى تعديل علاقة خارطة البرامج تقدمها مؤسسات التعليم العالي وفقاً للاحتياجات الوطنية بالدرجة الأولى، وهذا سوف يتطلب إدارة أفضل للموارد بفاعلية أكبر، ومنع انحراف المؤسسات عن رسالتها الأساسية، وزيادة فرص الانتقال بين المسارات الأكاديمية، والاستجابة إلى التغييرات في الحاجات إلى الرأس المال البشري.
أما عن المحور الرابع من هذه الإستراتيجية، فقد شدد الوزير على أنه يدور حول جعل مملكة البحرين مركزاً إقليمياً للتعليم العالي ذي سمعة مرموقة، فتكون بذلك وجهة التعليم المختارة الأولى لطلاب المنطقة، فالبحرين طالما كانت رائدة في مجال التعليم بشكل عام في المنطقة، لذا فإننا نطمح أن تكون رائدة في مجال التعليم العالي أيضاً، ولا يخفى ما لذلك من أهمية في تحسين جودة التعليم العالي وخفض التكلفة وزيادة حجم المنافع الاقتصادية والاستقطاب الاجتماعي للطلاب، وخلق روح المدينة الجامعة للطلاب المتوقع انضمامهم لمؤسسات التعليم العالي.. ولذلك ركزنا في الفترة الماضية على ضبط عمل مؤسسات التعليم العالي، وخضنا معركة طويلة لإلزام هذه المؤسسات بالقانون والأنظمة واللوائح، بما يعزز جديتها ومصداقيتها وجودة الخدمات التي تقدمها للطلبة، ونمضي اليوم في ظل هذه الاستراتيجية نحو أفق أرحب في تقديم خدمة نوعية ذات جودة قادرة على استقطاب المزيد من الطلبة، مضيفاً أن هذه الاستراتيجية لم تغفل دور التكنولوجيا الحديثة في التعليم.
-"طرح نموذج متكامل لتكنولوجيا التعليم"
أما بالنسبة للمحور الخامس لهذه الاستراتيجية الجديدة، فإنه يركز على توظيف أحدث توجهات تكنولوجيا التعليم في قطاع التعليم العالي، وتأمين بدائل مبتكرة بتكلفة أقل لدفع عجلة المعرفة قدماً، استجابةً للحاجة إلى مهارات أكثر فاعلية تستجيب إلى توجهات القرن الحادي والعشرين، وتقترح الاستراتيجية نموذجاً متكاملاً رفيع المستوى لتكنولوجيا التعليم يستفيد منه كل من الطلاب، والأساتذة، وأولياء الأمور، ومؤسسات التعليم العالي، والإداريون، وأصحاب العمل، وذلك من خلال بوابة موحدة متكاملة تشمل بيانات تحليلية متكاملة حول التعلم وتوفر إرشاد وتغذية راجعة مباشرة. كما إن النموذج الذي تقترحه الاستراتيجية يشمل تطوير قدرات الأساتذة، وتطوير البرامج الدراسية والنشاطات اللاصفية، إلى جانب إعداد الخريجين بشكل يزيد من قابليتهم للتوظيف.
وأخيراً- يخلص الوزير إلى القول- فإن المحور السادس للاستراتيجية يؤكد على ترسيخ ريادة الأعمال في قطاع التعليم العالي في البحرين، بما يسهم في تخريج رواد أعمال يدركون عمليات ريادة الأعمال ويمتلكون المهارات والسلوكيات التي تتطلبها، ولكن ليس بالضرورة تخريج طلاب ينتمون جميعهم إلى فئة رواد الأعمال، فالحقيقة أن مجرد إتقان وظائف الأعمال والمهارات الفنية كالإدارة المالية والاستراتيجية وإدارة الموارد البشرية وإدارة المعلومات والتسويق وإدارة العمليات التشغيلية وإدارة المخاطر تسهم في تخريج طلبة يتمتعون بحس ريادة الأعمال، مستعدين للدخول في سوق العمل لامتلاكهم المهارات والقدرات التي تعزز إمكانياتهم على العمل كمهارات التفكير النقدي والتحليلي ومهارات العمل الجماعي، والقيادة والتفكير المبتكر والمبدع، ومهارات التفاعل والتواصل. حيث أنه من المؤمل أن يسهم ذلك في زيادة الفرص النوعية أمام أبنائنا وأن يكونوا قادرين على أن يكونوا الخيار الأفضل في سوق العمل. مشيراً في ختام حديثه إلى أن الأمانة العامة وعلى ضوء اجتماع مجلس التعليم العالي الأخير سوف تتولى إعداد خطة تنفيذية تفصيلة وجدول زمني، بالاستعانة بعدد من الخبراء، تشمل طريقة التنفيذ وآليتها والتنسيق مع مؤسسات التعليم العالي في المملكة، وخصوصا في موضوع طرح البرامج التي يجب أن تنسجم مع هذه الاستراتيجية في بعدها الوطني، وسف يتم عرض الخطة التنفيذية التفصيلية على الاجتماع القادم للمجلس.