بيروت ـ ن.ن.ا
أطلقت " الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية " التقرير الرسمي عن تطبيق لبنان لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، من منبر "بيت المحامي" برعاية نقيب المحامين في بيروت جورج جريج، وفي حضور وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، النائب غسان مخيبر، مدعي عام ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس وممثلين عن الوزارات والسلك الدبلوماسي والهيئات النقابية والإدارات الرسمية والسفارات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني. وهذا التقرير هو الرابع الذي يقدمه لبنان إلى المنظمة الدولية حيث ستتم مناقشته.
حماده
افتتحت رئيسة لجنة المرأة في نقابة الحامين، أسما داغر حماده، الاحتفال بكلمة جاء فيها: "في زمن كنا نريده زمن التميز، نجد أنفسنا نحمل هاجس التمييز في زمن أردناه أن يكون زمن تثبيت حضور المرأة في القرار والسلطة وصناعة الغد، نجد أنفسنا نسعى لثبيت حضورنا في الخرائط التي تتمزق ليبقى هذا الوطن موئلا ورمزا لوطن ما غالبته المحن ولن تغلبه مهما كبرت من حوله المؤمرات".
اضافت: "ها نحن والوطن ينزف لا زلنا نتمسك بسقف هذا الوطن نؤمن به كيانا وخيارا أبديا وعنوانا للشراكة بين شرائح هذا المجتمع الذي لا يزال يشكل نموذجا للتعايش والتفاعل، والمرأة أساس فيه، جزء أساسي من قيامته وبنائه وهيكله. نحن اليوم في هذا اللقاء نؤكد أن المرأة شريكة كاملة في هذا الوطن الذي ما انتصرت عليه العواصف والتفاعلات. نؤكد أن المرأة اللبنانية تستحق أن يتوج نضالها في وقف كافة أشكال التمييز وتحجيم الدور وهو مطلب حضاري وإنساني وقانوني وتفرضه الشراكة الكاملة في الوطنية والإجتهاد وتحمل المسؤولية".
وتابعت: "إن نقابة المحامين في بيروت وعلى رأسها النقيب الأستاذ جورج جريج تعمل دائما وجاهدة من خلال لجنة المرأة في نقابة المحامين على مد يد التعاون والمشاركة الفعلية مع كافة الهيئات الوطنية والمجلس النسائي والجمعيات الأهلية في المجتمع المدني لدفع كافة أشكال التمييز ضد المرأة ونشر المساواة والعدالة الإجتماعية في المجتمع اللبناني وكيف لا وهي القلعة الصامدة الشامخة للدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والمساواة. إن لجنة المرأة في نقابة المحامين وبرعاية نقيب المحامين، أرادت اليوم في هذا اللقاء المميز وبالتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أن تلقي الضوء على قضية مهمة وأساسية لتحقيق العدالة الإجتماعية وإنه ليس اللقاء الأول مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بل إنه خميرة عمل دؤوب ومتواصل بين اللجنة والهيئة لدرس جميع القوانين التمييزية والتعاون المستمر دائما لرفع شأن المرأة وتحقيق المساواة في التشريع اللبناني. والتي وقع (Cedaw) إن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عليها لبنان ولكن وضع تحفظات على بعض المواد في الإتفاقية التي تعيق تنفيذها بشكل عادل وسليم".
واردفت: "عملت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية واللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة والمجلس النسائي اللبناني وبعض الجمعيات والهيئات في المجتمع المدني جاهدة وما زالت لرفع هذه التحفظات لأنها أكبر دليل على عدم المساواة وانتهاك حقوق المرأة في المجتمع اللبناني. إن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل يشكل الحجر الأساسي للاعلان العالمي لحقوق الإنسان أو قد نصت المادة الثانية منه على: "لكل إنسان الحق بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان ودونما تمييز من أي نوع كان ولا سيما التمييز بسبب الجنس ، وقد اعتبرت هذه المادة في مقدمة الدستور اللبناني جزءا لا يتجزأ من الدستور نفسه والتي تلتزم مواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والجدير بالذكر أن لبنان لم يتحفظ على المواد التي تجعل من أحكام الإتفاقيات الدولية الموقع عليها تعلو على القوانين الداخلية".
وقالت: "لذلك يجب أن نعمل جاهدين مع القضاء اللبناني على تطبيق أحكام هذه الإتفاقية وجميع بنودها لأن القوانين والإتفاقيات الدولية تعلو على القوانين الوضعية ونتمنى على جميع المحامين أن تعتمد هذه الإتفاقيات كأساس قانوني ترتكز عليه. إن نقابة المحامين من خلال لجنة المرأة في النقابة قد عقدت عدة ندوات ومؤتمرات وورشة عمل للمحامين لشرح بنود هذه الإتفاقية وكيفية الإرتكاز عليها كأساس قانوني تعتمدها في قضاياها".
وختمت: "نحن اليوم لا نحتاج قرارات وتوصيات، وإن كنا نقدر قيمتها كجزء من الحراك ولكن نحتاج لموقف حاسم وجازم ونهائي لا يدفعنا كل عام لنقف هنا وعلى منابر أخرى كي نواصل تكرار مطالبنا، نريد التميز لا التمييز. الشراكة لا المساومة على هذه الشراكة".
كرم
والقى أمين سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، المحامي فادي كرم، كلمة جاء فيها: "بالإرتكاز إلى شرعة الأمم المتحدة كما وشرعة حقوق الإنسان وبموجب القرار الصادر عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي عام 1946 تم إنشاء لجنة مركز المرأة التابعة للمجلس الإقتصادي والاجتماعي والتي يدخل ضمن أعمالها: إستنباط كامل المسائل ذات الأولوية بالنسبة للمرأة وهذا الإستنباط يتم بجمع معلومات دورية من الوكالات الدولية أو الإقليمية المتخصصة كما ومن الجمعيات المعترف بها في الأمم المتحدة (Roaster) - وضع السياسات العامة الخاصة بأوضاع النساء في العالم - تحضير معاهدات دولية تعنى بحقوق النساء - تعيين مقرر خاص (Special Rapporteur) لإستطلاع إنتهاك معين لحقوق المرأة وهذا المقرر يمكن أن يكون (Thematic) أو (AD Hoc) - إتخاذ قرارات إدانة ضد بعض الدول التي تنتهك حقوق المرأة - تلقي الشكاوى الفردية والجماعية عن إنتهاكات حقوق المرأة وإتخاذ القرار بهذا الخصوص وهذه الشكاوى الفردية تقبل ضمن شروط محددة منها إستنفاد كامل وسائل المراجعة الوطنية.
وهكذا تمت ولادة معاهدة إلغاء كافة أنواع التمييز ضد المرأة".
اضاف: "بالإرتكاز إلى معاهدة إلغاء كامل أنواع التمييز ضد المرأة تم إنشاء لجنة سيداو: هذه المعاهدة واللجنة تعنى ب: "رفع التمييز ضد المرأة في مجالات حقوق المرأة ذات الأولية كمثال: مكافحة إستغلال النساء. المرأة والمشاركة السياسية. الجنسية. المساواة في التعليم. المساواة في العمل. المساواة في الرعاية الطبية. المساواة أمام القانون. الطلب من الدول إتخاذ تدابير خاصة مؤقتة من شأنها التأسيس لحين إقرار الحق بصورة النهائية. إنضم لبنان وصادق على معاهدة سيداو عام 1996 ولكنه تحفظ على بعض موادها لاسيما منها المادة 9 المتعلقة بالجنسية وبعض بنود المادة (16) المتعلقة بالحقوق الأسرية. إستكملت معاهدة سيداو ببروتوكول إضافي لم يصادق عليه لبنان، مع الأسف، يسمح للأفراد المنتهكة حقوقهم التشكي على الدولة العضو في المعاهدة".
اضاف: "أيضا إستكملت هذه المعاهدة لاحقا ببرنامج عمل تطبيقي لمساعدة الدول على بلورة سبل ترسيخ الحقوق المذكورة في معاهدة سيداو، وقد عرف برنامج العمل هذا ب "برنامج عمل بيجين" والذي ينص على ضرورة إجراء رصد تقييمي كل خمس سنوات لقياس مدى التقدم التي تحرزه كل دولة تطبيقا لبرنامج العمل ومعاهدة سيداو. تم ضمن الإتفاقية إنشاء لجنة لرصد التقدم الحاصل لدى الدول في أعمال الحقوق المنصوص عليها، أما آلية عمل هذه اللجنة وطريقة تأليفها فهي التالية: تتألف من (18) خبيرا دوليا تنتخبهم الدول الأطراف من بين مواطنيها بعد الأخذ بعين الإعتبار التوزيع الجغرافي كما وتمثيل مختلف الأشكال الحضارية والنظم القانونية الأساسية علما أن ولاية كل خبير هي (4) سنوات. تتعهد الدول بأن تقدم تقريرا عن التقدم المحرز لديها في سبيل تطبيق معاهدة سيداو كل (4) سنوات. تتلقى اللجنة من المنظمات الدولية أو الإقليمية تقريرا عن التقدم أو التراجع الحاصل في كل دولة. تتلقى اللجنة تقرير ظل يعده المجتمع المدني عن أحوال الحقوق في كل دولة. يقوم أعضاء اللجنة بدراسة التقرير ومساءلة الوفد الوطني بخصوص كامل محتوياته بالإستناد إلى تقرير الظل وتقرير المنظمات المتخصصة وتنتهي بإبلاغ كل دولة توصيات خاصة يتوجب على الدول العمل بموجبها كما تبلغ تقريرها النهائي إلى الجمعية العامة لإعتماده".
عازوري
من جهتها، عرضت ليلى عازوري جمهوري رئيسة اللجنة التي أشرفت على إعداد التقرير وعضو المكتب التنفيذي في الهيئة الوطنية المراحل التي مرت بها التحضيرات للتقرير النهائي. كما عرضت ابرز الانجازات التي تحققت، كما الجهود المبذولة والتحديات التي تواجه تطبيق الاتفاقية في مختلف المجالات".
وقالت: "كان ابرز ما تحقق على الصعيد التشريعي كان التالي: صدور قانون معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص (2011)، إلغاء المادة 562 من قانون العقوبات (2011) والتي كانت تعطي أسبابا تخفيفية لمرتكبي جرائم ما يسمى "جرائم الشرف"، اعتماد المساواة في موضوع التنزيل الإضافي عند احتساب رسوم الانتقال، اعتماد المساواة بين الرجل والمرأة في التنزيل الضرائبي عن الزوج والأولاد في قانون ضريبة الدخل وإفادة الموظفة من التعويض العائلي عن أولادها في حال كان الزوج لا يعمل أو كان غير مستفيد من تعويض عائلي عن أولاده (2013)، قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري (أيار 2014) ورفع إجازة الأمومة في القطاعين العام والخاص إلى 10 أسابيع (أيار 2014)".
جريج
وكانت الكلمة الختامية لنقيب المحامين في بيروت المحامي جورج جريج، جاء فيها: "إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو أو باختصار وثيقة الحقوق الدولية للنساء، مشروع طموح بحاجة الى متابعة يومية لأن فقدان أو ضياع أي حلقة من السلسلة قد يهدد كل الإنجازات المحققة. الغاية هي ازالة كل الفوارق وتكريس المساواة التامة بين الجنسين، خاصة في التشريعات المحلية العائدة لكل دولة عضو في الإتفاقية. وهنا تكمن المشكلة الأولى، أي إجراء التعديلات في القوانين الوضعية، وإلغاء جميع الأحكام التمييزية في قوانين الدول، والقيام بسن أحكام جديدة للحماية من أشكال التمييز ضد المرأة بما يتلاءم والحقوق الأساسية والقوانين الدولية التي تتعامل مع الإنسان بشكل متساو من غير تمييز في الجنس، وهذا ليس بالأمر المتيسر خاصة في الدول المحكومة باعتبارات اجتماعية أساسها الذكورية، أو باعتبارات دينية تجعل الرجل في موقع أكثر تقدما من المرأة. وفي كلا الحالتين، الأمر مؤسف".
اضاف: "لأهمية الموضوع، شددت المواثيق الدولية على المساواة، بدءا بميثاق الأمم المتحدة عام 1945، حين نص في مادته الأولى على احترام حقوق الإنسان وتعزيزها من غير تمييز للجنس. وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ليكرس في المادة الثانية منه منع التمييز بين البشر في مجالات عدة كان الجنس أحدها. وفي العام 1967، صدر نفي آخر للتمييز من خلال إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة. وكانت الذروة في "عقد الأمم المتحدة للمرأة" الذي من خلاله اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على مكافحة أشكال التمييز كافة ضد المرأة أو السيداو عام 1979".
وتابع: "في ضوء التطورات التي سجلت على هذا الصعيد حتى يومنا الحاضر، أود أن اسجل الملاحظات التالية:
- إن الإتفاقية لم تكتف فقط بطلب تمكين المرأة مع ما يعني هذا المفهوم من الإعتراف بمكانتها الأسرية والمجتمعية، بل إن مفهوم women empowerment الوارد في الإتفاقية يعني تقوية المرأة وربما منحها حق المقاومة لوقف الهيمنة الذكورية ازاءها.
- ان لبنان بخلاف الدول العربية لم يتحفظ الا على مواد قليلة من الإتفاقية أبرزها المادة 9 المتعلقة بالجنسية، في حين وافق على المادة 2 الأساسية المتصلة بحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية. هذا موقف متقدم يمكن البناء عليه. لكن تبقى المشكلة في لبنان قائمة بسبب غياب الوحدة في التشريع، حيث أن هذا الحق معطى في قضايا الأحوال الشخصية مثلا للطوائف بفعل التركيبة اللبنانية. ولا ننسى أن في لبنان 15 قانونا للأحوال الشخصية، من هنا صعوبة إزالة كل الفوارق لجهة الحقوق الزوجية والأرثية ما لم يصر إلى وضع قانون مدني موحد للأحوال الشخصية. ان نقابة المحامين تناضل في هذا الإتجاه، بل نحن دعاة الدولة المدنية.
- ان الصعوبة الشائكة الأخرى تكمن في المساواة في قانون الجنسية الصادر عام 1925. يكفي القول أن المرأة الأجنبية المتزوجة من لبناني تصبح لبنانية بمرور سنة على زواجها، وتصبح صاحبة حق ممكن ولا أقول أكيد، في منح الجنسية اللبنانية لأولادها القاصرين من زواج سابق لها من أجنبي، ولو أننا بانتظار القرار الحاسم لمحكمة التمييز بعدما فسخت محكمة الإستئناف حكم البداية، في حين أن المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي لا تمنح الجنسية لأولادها حتى في حال وفاة الزوج. هذا التباس كبير".
وتابع: "أما سائر الفوارق معالجتها بارادة جادة خاصة بعد الإنجازات النوعية ولو غير الكافية التي سجلت في كل ما يتعلق بالأهلية القانونية للمرأة على كل المستويات لجهة الحق في العمل وفرص التوظيف وتساوي الأجور والتنزيل الضريبي والأمن الوظيفي وديمومة العمل وإجازة الأمومة ورعاية الأطفال والوقاية الصحية وسلامة العمل، واستلاف القروض المصرفية واجراء الرهون العقارية وممارسة العمليات التجارية دون إجازة من زوجها وباسمها الشخصي بعد تعديل قانون التجارة. والإنجاز الأهم تمثل في إلغاء المادة 562 من قانون العقوبات بعد اثني عشر عاما شكلت المرحلة الإنتقالية من نظام العذر المحل إلى العذر المخفف . وحل يوم 17 آب 2011 حين أقر مجلس النواب القانون 162 الذي جعل قانون العقوبات نظيفا مما سمي جرائم الشرف. وأقرت أيضا المساواة في التنزيل الإضافي لدى احتساب رسوم الإنتقال المتوجبة على الوريث سواء أكان وارثا متزوجا أم وارثة متزوجة. (قانون 179/2011)".
واردف: "كما وإقرار المرسوم 10110 /2013 الذي جعل الموظفة تستفيد من التعويض العائلي عن أولادها في حال كان الزوج لا يعمل، أو لا يستفيد من تعويض عائلي عن أولاده. واسمحوا لي في هذه العجالة أن أهنىء باسمكم مفتي الجمهورية اللبنانية سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان منوها ببصماته الإستباقية قبل أن ينتخب مفتيا حيث اعتمدت الطائفة السنية الكريمة سنا موحدة للحضانة هي اثنتا عشرة سنة دون تمييز بين الصبي والبنت".
وختم: "لا شك يبقى الكثير الكثير، لكن ما أنجز ليس بالقليل، هو النضال والوحدة والمثابرة، هو طرد اليأس من النفوس، ونزع الخوف من الرؤوس، ومن يملك هذه القدرات النسوية لا خوف عليه، بل ربما الخوف منه، ربما يأتي زمن يصبح الرجل صاحب حاجة الى المساواة بالمرأة. عندها نصبح بحاجة الى سيدام لا الى سيداو".