البحر الأحمر- صلاح عبدالرحمن
مع الاحتفال بيوم المرأة المصريّة، وبرغم تنفّسهن لنسمات الحرّيّة، وما يراودهنّ من أحلام بعد ثورتين متتاليتين شهدتهما البلاد، إلا أنّ كثيرًا من المصريّات يأخذهنّ الحنين إلى صورة المرأة في مصر الفرعونيّة ، وكيف تمتّعت بحقوق لم يحصلن عليها اليوم، وهنّ يحتفلن بيوم المرأة المصريّة في العام 2014. وذكرت دراسة حصلت "مصر اليوم" على نسخة منها أعدّتها أربع باحثات مصريّات هن : منال لطفي وشيرين النجار ودعاء مهران والدكتورة خديجة فيصل مهدي "أن المرأة في مصر الفرعونيّة تمتعت بحقوق لم تنلها في العصر الحديث الذي يتشدق فيه كثيرون بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، حيث تمتعت المرأة الفرعونيّة بأهلية قضائية كاملة، وكان لها استقلالها الماليّ عن الرجل، وكان بإمكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة وتدير الممتلكات العامة، بل وأن تمسك بزمام الأمور في البلاد. ولا يعنى ذلك أنها امرأة تجردت من الأنوثة والجاذبية، فقد كانت أيضاً امرأة فاتنة وجذابة، وكان هدف الفتاة أن تختار شريك حياتها بكامل إرادتها وحريتها وأن تصبح زوجة وأماً صالحة، من دون أن يعني ذلك خضوع النظام الأسريّ لسيطرة الأم، بل كان نظام يتقاسم فيه الزوجان المسؤوليات المعتادة في إطار الحياة الزوجية حيث يشتركان في السراء والضراء". وأوضحت الدراسة - التي صدرت عن منظمة مصريّات ضد الإرهاب ومركز إيزيس لبحوث المرأة في الأقصر بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة المصريّة- : أن المرأة المصريّة في عهد الفراعنة شغلت العديد من المهن والحرف والمناصب المرموقة في مجتمعها ، مثل منصب قاضٍ ووزير، مثل "نبت" في الأسرة السادسة، كما كانت الفتاة منذ عهد الدولة القديمة تسلك مجال الطب والجراحة ومهنة المولدة بعد أن تتلقى مبادئ العلوم الطبية، وكذلك مهنة " المرضعة ". وكانت سيدات المجتمع الراقي يشغلن وظيفة إدارة مصانع النسيج الكبرى، كما شغلت المرأة مهنة سيدة أعمال مثال السيدة "نيفر" وكانت صاحبة أرض شاسعة وعقارات مهمة، وكانت هذه السيدة توكل لوكلائها التجاريين في عهد الدولة الحديثة مهمة ترويج المنتجات التي ترغب في بيعها. ويذكر التاريخ للفراعنة أنهم توجوا المرأة المصريّة كملكة، فقد كانت الملكة الأمّ الوصية على العرش تقوم بدور بالغ الأهمية بجانب ابنها، ومن أشهر الملكات اللاتى حظين بمكانة متميزة الملكة "حتب حرس" زوجة الملك "سنفرو" وأم الملك "خوفو" وكانت تتمتع بمكانة جليلة، ونفس هذا التبجيل والاحترام قدمه أحمس محرّر مصر من الهكسوس لأمه الملكة "راع حتب" التي تولت الوصاية على أحمس ابنها وحلت مكانه في العاصمة عند ذهابه للقتال. وأشارت الباحثات منال لطفي وشيرين النجار ودعاء مهران والدكتورة خديجة فيصل مهدي إلى أن الفن المصري القديم عبر عن مكانة المرأة المساوية للرجل من خلال مختلف أشكال التعبير الفنيّ. فتبدو المرأة في اللوحات والتماثيل مساوية لزوجها في الطول كما تصور الأعمال الفنية التي ترجع إلى مصر القديمة مشاركة المرأة للرجل في مختلف أنشطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأسرية. ومن أشهر أسماء النساء التي عرفها المصرى القديم، الإلهة حتحور وهي الأم الأولى للآلهة بصفتها "البقرة السماوية" التي ولدتهم وأرضعتهم جميعاً. أما إيزيس فهي أكثر النساء شهرة في التاريخ الفرعونيّ، بل إنها أحياناً ترمز إلى مصر نفسها، وهي قرينة أوزوريس التي صاحبته وساندته وقامت بعده بنشر عقيدته، وأيضا الملكة "حتشبسوت" التي حكمت مصر لمدة 21 عاما وتسعة أشهر، وكانت شخصية فريدة من نوعها وتميز عصرها بالرخاء والاستقرار. وأشارت منال لطفي رئيسة منظمة مصريّات ضد الإرهاب إلى أن الدراسة رصدت ما وصفته بالتراجع الكبير فيما حققته المرأة المصريّة من مكتسبات وحقوق، وأن المرأة المصريّة تعرضت لإهدار ممنهج لما حققته من مكتسبات وما حصلت عليه من حقوق خلال جهادها من أجل نيل مكانتها في المجتمع طوال العقود ، بل والقرون الماضية. وأكدت أن النساء المصريّات اليوم يتشوقن إلى زمن الفراعنة، ويحلمن بأن ينلن ما نالته المرأة المصريّة القديمة من حقوق قبل خمسة آلاف عام مضت ، وأن الذاكرة تستحضر ونحن نحتفل بيوم المرأة المصريّة سير النساء في الحضارة الفرعونيّة كنموذج فريد لا زال يدهش العالم حتى اليوم . وتقول شيرين النجار مديرة مركز إيزيس لبحوث المرأة أنه قد يدهش العالم الغربي والعالم المعاصر اليوم من أن المرأة في مصر الفرعونيّة كانت تتمتع بحقوق وتحظى بمكانة قد لا تتمتع بها المرأة في البلدان الأوروبية اليوم، إذ يجمع الأثريون وعلماء المصريّات على أن الفراعنة كرموا المرأة ومنحوها حقوقًا تفوق ما تطالب به المرأة المعاصرة في العام 2014 قبل آلاف السنين، وكانت المكانة الخاصة بالمرأة في المجتمع الفرعوني، وخاصة الأم والزوجة أحد أهم مظاهر الحضارة الفرعونيّة التي عرفت كيف تجعل من الأم ومن الزوجة أو الابنة رمزا لأكمل مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة وهي المظاهر التي ربما كانت تفتقدها المرأة الأوروبية في بدايات القرن العشرين، وهكذا كانت المرأة في مصر القديمة كيانًا ذات قيمة في مجتمعها.