دمشق ـ أ ف ب
تسعى دار الاوبرا في دمشق الى نفض غبار الحرب عنها والى اعادة الجمهور الى مقاعدها المخملية بعيدا عن أعمال العنف التي تجتاح البلاد منذ حوالي اربع سنوات والتي سرقت منها تألقها وجمدت أنشطتها، وكانت للدار حصة فيها.
وتقول دارين القادمة من منطقة معضمية الشام في محيط العاصمة والتي شهدت معارك عنيفة وهجوما بالاسلحة الكيميائية "عندما تبدا الحفلة وتصدر اول نوتة من اللحن، أنتقل باحساسي الى عالم مختلف، عالم يسوده السلام وأنسى صوت الحرب".
وتضيف الشابة في بهو الاوبرا الذي علقت على جدرانه لوحات لاشهر الفنانين التشكيليين السوريين، "نحن متعطشون للفن ونحتاج الى ان نخرج من الحالة السلبية التي نعيشها الى عوالم اخرى ايجابية تعطينا دفعا معنويا نواصل به الحياة".
في كانون الاول/ديسمبر الماضي، نظمت ادارة دار الاوبرا على مدى خمسة ايام "مهرجان الموسيقى العربية" الذي شاركت فيه عشر فرق، واستقطبت معظم الليالي اكثر من الف متفرج، ما يعادل تقريبا عدد حضور الحفلات قبل الازمة التي بدأت في منتصف آذار/مارس 2011.
وعلى الرغم من ان دار الاوبرا لم تعلن تعليق نشاطاتها خلال السنوات الاربع الماضية، الا ان عدد العروض تراجع كثيرا، واقتصر على حفلات متفرقة قدمتها فرق سورية بمعدل مرتين او ثلاث شهريا، بينما توقفت تماما العروض المسرحية والموسيقية العربية والغربية التي كانت تقام بانتظام كل اسبوع، وبعضها لايام عدة ضمن الاسبوع الواحد.
وكانت تلك العروض تقدم بالتعاون مع المراكز الثقافية الاجنبية التي اغلقت ابوابها في سوريا نتيجة النزاع الدامي.
كما اعتادت الدار، منذ افتتاحها في ايار/مايو 2004، استضافة مهرجان دمشق السينمائي الدولي الذي علقت دورته التاسعة عشرة التي كانت مقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. ولم تنظم دورة اخرى منذ ذلك الوقت.
ويقول المدير العام ل"دار الاسد للثقافة والفنون" جوان قره جولي لوكالة فرانس برس "من استشهد مات كي نبقى على قيد الحياة ولكي تبقى المسارح مفتوحة لم يستشهدوا كي تغلق المسارح".
ويؤكد قره جولي الذي تسلم منصبه منذ شهر ونصف الشهر، انه سيتم تفعيل نشاط الدار و"تنظيم الكثير من المهرجانات الموسيقية والعروض السينمائية" خلال العام الحالي. كما ستنظم الدار معارض جديدة لم تشهدها من قبل، كمعارض الفنون التشكيلية والكتاب.
ويضيف المدير بحماس كبير ان الغاية هي "ان يجد الزائر عرضا او نشاطا في اي يوم ياتي به الى الدار".
ويشير الى ان الهدف هو "تعزيز ثقافة المصالحة"، لافتا الى ان "الثقافة والفن يجمعان الناس على اختلافهم السياسي واي اختلاف اخر".
ومن الحفلات التي اقيمت اخيرا، عرض لفرقة "لونا للغناء الجماعي" المؤلفة من خمس جوقات غنائية واوركسترا بقيادة حسام الدين بريمو التي قدمت اغاني تراثية منها "بالفلا جمال ساري" من الحان رفيق شكري، و"بالامس كانت" لسهيل عرفة و"يا ساحر العينين" لعبد الفتاح سكر، واغنيتين باللغة الارامية، وسط تصفيق حار من الجمهور الذي اكتظت به الصالة.
كما كان عرض ل"الاوركسترا السورية للموسيقى العربية"، وآخر ل"فرقة تشيللي باند" المؤلفة من موسيقيين سوريين يعزفون الموسيقى اللاتينية. كما تم تقديم اغان وطنية من خلال مهرجان "باقون".
ونظمت الدار للمرة الاولى منذ تاسيسها "مهرجان الادب والشعر للشباب" الذي شارك فيه شعراء هواة دون الثلاثين.
وفي بادرة دعم، دعت الدار عددا من الفرق الموسيقية التي تشكلت في عام 2014 من موسيقيين سوريين من مختلف الاعمار، كفرقة "شغف" و"طرب ذهب" و"لونغة" و"نينوى" ، الى المشاركة في "مهرجان الموسيقى العربية".
وتقدم هذه الفرق الموسيقى العربية المستمدة من التراث او القدود الحلبية والطرب، بالاضافة الى اغان لكبار مطربي العالم العربي مثل ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الاطرش واسمهان.
في صالة الاوبرا، اكبر قاعات الدار الثلاث، والتي تستوعب نحو 1200 شخص ويكسو جدرانها ومقاعدها المخمل الاحمر وتحوي مسرحا متحركا، يقول براق تناري، الحلبي المنشأ ورئيس فرقة "طرب ذهب"، "قمنا بتاسيس الفرقة حفاظا على هذا الموروث من الاندثار في ظل الازمة".
ويضيف الموسيقي المتحدر من اسرة موسيقية في حلب قبيل تقديم حفلته، ان تشكيل الفرقة في هذه الظروف يدل "على اننا ما زلنا موجودين وقادرين على ايصال رسالة الفن".
وتواجه الدار، بالاضافة الى ظروف الحرب، تحديات كبيرة متمثلة بانخفاض عدد العاملين فيها من اداريين وفنيين الى اقل من النصف، وعدد الموسيقيين بنسبة 42 في المئة، لاسباب عدة منها الهجرة او الالتحاق بالجيش لاداء الخدمة العسكرية.
وتعرضت الدار الواقعة في ساحة الامويين الحيوية، خلال العامين الماضيين، لسقوط قذائف هاون مصدرها مواقع لمقاتلي المعارضة أوقعت قتلى وجرحى. وفي ساحة الامويين في وسط العاصمة مراكز استراتيجية مثل مقر هيئة أركان القوات المسلحة ومبنى الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون.
ولتشجيع الزوار، تبيع دار الاوبرا تذاكر العروض باسعار زهيدة، 300 ليرة سورية (دولار ونصف) لبطاقات الدرجة الاولى، ومئتا ليرة للدرجة الثانية، مع حسومات للطلاب.
ويعبر عيد الدكنجي الذي يعمل مهندسا للمعلوماتية في مصرف، عن سعادته بعودة العروض. ويقول "مضى وقت طويل لم تنظم خلاله عروض بعد ان كانت كثيرة قبل الازمة"، مشيرا الى ان حضور الحفلات يشعره "بان الحياة عادت الى ما كانت عليه" قبل الازمة.