الرباط ـ أ ش أ
قد لا يطرأ على ذهنك التفكير في أسماء رموز الفن القديم عند اختيار اسم لابنك أو ابنتك، لكن على العكس من ذلك فإن إطلاق اسم فنان مصري على المولود كان بالنسبة لكثير من المغاربة هو السائد خصوصا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
فلاشك أن عرفان المغاربة لإنجازات شخصيات مصرية يدفعهم إلى تكريمهم وتمجيد ذكراهم بإطلاق أسمائهم على المواليد أو حبا في أن يبقى الاسم قريبا منه دائما ليتذكره وصاحبه كلما نادى على ابنه أو ابنته، لأنها ذكرى جميلة تركت أثرا وبصمة في حياتهم.
فكثيرا ما تجد شبابا أو شابات مغاربة يحملون اسم عبد الناصر أو جمال أو عبد الحليم أو شادية، في معظم مدن المغرب، والقاسم المشترك بينها هو عشق المغاربة لشخصيات مصرية سياسية أو فنية خلدت في ذاكرتهم ووجدانهم وشخصياتهم.
"أمي كانت تحب الفنانة الجميلة شادية، لصوتها العذب وجمال وجهها، ولهذا أسمتني على اسمها، عسى أن أصبح في رقتها وجمالها عندما أكبر" هكذا تقول إحدى الفتيات المغربيات.
فيما يقول شاب آخر "أبي أسماني عبد الحليم، تيمنا بعبد الحليم حافظ .. أيامها، وأنا أحب الفنان عادل إمام، وعندما أتزوج ويرزقني الله بطفل سأسميه على اسمه أيضا".
لقد ساهم دخول التلفزيون إلى البيوت في انتشار هذه العواطف ليتجاوز الحب بعد ذلك مستوى الحالات الفردية، ويصبح شكلا جماعيا يعبر عن انحياز واضح إلى شخصيات مصرية سياسية أو فنية بحكم سيطرة الإعلام المصري على الساحة العربية وقتها سواء في الإذاعة أو التلفزيون.. مما كان له أثر كبير في اختيار الأسماء، فمواليد سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات حملوا أسماء مشاهير الفن والغناء في تلك الفترة، سواء من مصر أو بلاد الشام فكانت أسماء المواليد عبدالحليم وفريد وشادية وفيروز وصباح.
"هذا هو السائد.. فإلى اليوم إذا بحثت في صندوق الاسطوانات الخاص بأي مغربي، فلابد أن تجد إلى جانب أسماء مغنيين مغاربة اسطوانات لأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، والشيخ إمام بأشعار أحمد فؤاد نجم" هكذا يقول ناجي سعيد، وهو سائق مغربي.
بل إنك إذا مشيت في الأسواق القديمة في أي مدينة مغربية فإنك قد تسمع من شارع لآخر أغنية من أغنيات الزمن الجميل أو حتى إذا ركبت سيارة أجرة فغالبا ما تجد عبد الحليم حافظ مسيطرا، والسائق يدندن متفاعلا مع أغنيته وكأن ألبومه الصيفي الجديد قد وصل إلى الأسواق للتو.
قصص طويلة قد يحكيها لك مغاربة، ترتبط بالموسيقى المصرية، وتحديداً أم كلثوم وعبد الحليم، حكايات عن الحب، والزواج، والغربة والوطنية، فالجيل الماضي مازال يتذكر حفلة أم كلثوم الوحيدة في المغرب عام 1968 التي يعتبرها الكثيرون من أهم حفلات "الست" والتي تجلت فيها، خاصة في أغنية الأطلال.
حتى أن المصور المغربي الشهير محمد مرادجي "وهو المصور الخاص للملوك الثلاثة بالمغرب، الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، وأيضا الملك محمد السادس" مازال يحتفظ بمنديل أم كلثوم، الذي لا يقدر بثمن، بعد أن حصل عليه منها شخصيا عندما غنت في المغرب اعترافا منها له بموهبته في التصوير وباعتباره من أوائل المصورين الفوتوغرافيين العرب.
أما اختيار اسم نادي الوداد الرياضي المغربي، وهو واحد من أعرق الأندية العربية والأفريقية، وأحد الأقطاب الكروية الكبيرة في المغرب، فجاء أيضا على اسم فيلم مصري لأم كلثوم، حيث يقال أن مشكلة اختيار الاسم كانت عائقاً كبيراً عند تأسيس نادي "الوداد"، وتم عقد عدة اجتماعات مطولة طرح فيها رفاق الرئيس المؤسس للنادي محمد بنجلون عددا كبيرا من الأسماء التي لم تتفق ورؤية هؤلاء المناضلين وأفكارهم، إلا أنهم وجدوا ضالتهم دون خلاف في إحدى ليالي الدار البيضاء عام 1937، عندما اجتمعوا لاختيار الاسم، وتأخر أحد الأعضاء وهو "محمد ماسيس" عن حضور الاجتماع، وعندما وصل إلى القاعة سأله الحضور عن سبب تأخره، فرد قائلا انه كان يشاهد فيلم "وداد" لأم كلثوم في السينما، وبالمصادفة تزامن كلامه مع انطلاق زغاريد من عرس في أحد المنازل القريبة من مكان الاجتماع، فتفاءل المجتمعون بالاسم، وأيده "بنجلون" وقرروا حسم الاختيار، ليصبح اسم فيلم لأم كلثوم هو الاسم الرسمي لناد رياضي مغربي عريق.. وقد كان تفاؤل المؤسسين في محله، حيث أضحى فيما بعد، نادي الوداد الرياضي من أكبر الأندية المغربية وأقواها.