اقتحام متحف الموصل

جريمة وصفت بأنها "من جرائم العصر الكبرى" أقدم الدواعش عليها لتنال الحجر بعد البشر ، ولتضاف إلى سجل جرائمهم التى تطعن القيم والمبادئ والتى لا تنتهى ، حيث قاموا باقتحام متحف الموصل الحضارى بالعراق وتدمير وتحطيم آثاره وموجوداته بعد أيام من حرق مئات الكتب والمخطوطات في تلك المدينة ، مقتنات المتحف تم تحطيمها بالمطارق والمناشير وأجهزة الحفر الكهربائية لتتحول المجسمات إلى قطع صغيرة.

ورغم أن ضحايا هذه الجريمة ليسوا بشرا ، إلا إن الخسارة فادحة عمت الأوساط الثقافية والعلمية فى العراق وكافة دول العالم المتحضر بالحزن العميق ، الجريمة قوبلت بالتنديد نفسه والاستنكار ذاته لبشاعة عملية تدمير مقتنيات متحف تاريخى يعود عمره إلى القرن التاسع قبل الميلاد .

لقد أتسعت دوائر بطش الدواعش وبغيهم فى الحضارة الانسانية من حرق وذبح وقتل للبشر إلى تدمير لتراث الحضارة العراقية وتخريب متحف الموصل الذى هو فى الاصل ملك لتاريخ البشرية أجمع ، وهو أمر يفوق كل قدرة على وصف البشاعة والتردي والسقوط لهذا التنظيم الإرهابى .

استشعارا للخطر الداهم وربما تكرار هذه المأساة فقد دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو " لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي إثر نشر تنظيم تنظيم الدولة الإسلامية تسجيلا يظهر فيه عناصر من التنظيم وهم يدمرون آثارا في مدينة الموصل بشمال العراق ، وقالت مديرة المنظمة إيرينا بوكوفا إن "هذا الاعتداء هو أكثر بكثير من مأساة ثقافية" ، وأضافت أنها لهذا تواصلت مع رئيس مجلس الأمن الدولي لطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن حول حماية الإرث الثقافي العراقي ، كمكون أساسي من أمن البلاد ، معربة عن "صدمتها العميقة" تجاه الشريط المصور الذى تم بثه ، ومؤكدة " إدانتها لهذا الاعتداء المتعمد على تاريخ العراق وتراثه الذي يعود إلى آلاف السنين".

وظهر في التسجيل أحد عناصر التنظيم وهو يبرر هذه الخطوة بقوله "إن هذه أصنام وأوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تعبد من دون الله" ، وأضاف أن "من يسمون الآشوريين والأكاديين وغيرهم كانوا يتخذون آلهة للمطر وآلهة للزرع وأخرى للحرب يشركون بها بالله ويتقربون إليها بشتى أنواع القرابين".

ومتحف الموصل هو أحد أهم المتاحف في العراق ويعد في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد ، وتأسس غالبا في عام 1952 وكان مقتصرا على قاعة صغيرة إلا أنه تم إنشاء المبنى الجديد لمتحف الموصل في عام 1972 ، حيث ضمت بنايته الجديدة 4 قاعات أحدها للآثار القديمة ، وأخرى للآثار الآشورية ، وثالثة للآثار الحضرية ، والأخيرة للآثار الإسلامية.

كباقي متاحف العراق ومؤسساته الحيوية الأخرى لم يسلم المتحف الحضاري في مدينة الموصل من السرقة المنظمة التي طالت بعض معروضاته النفيسة خلال أحداث ابريل عام 2003 ولم تسترد حتى الآن ، ومنذ ذلك التاريخ أغلقت أبواب المتحف دون أية صيانة تذكر ، إلا أنه بقي مفتوحا منذ ذلك الوقت لزيارات محدودة اقتصرت على الوفود الرسمية وطلبة الآثار والتاريخ فقط.

محاولات عدة لإعادة تأهيل المتحف وافتتاحه أمام الزوار من جديد كان تجرى ، تلبية لدعوات الكثير من العراقيين والهيئات المحلية ، ويعد تمثال الثور الآشورى المجنح من أهم الآثار التى كانت موجودة في المتحف حيث من يعد من أهم معالمه وكذلك تماثيل لآلهة تعود إلى حضارات بلاد الرافدين .