وزير الصناعة الجزائري السابق عبد السلام بوشوارب

كشف مصدر أمني جزائري موثوق أنه وبأمر من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تقرر بصفة رسمية تجميد كافة الحسابات البنكية وجميع الأصول المالية لوزير الصناعة والمناجم الجزائري السابق عبد السلام بوشوارب، مع إعطاء الضوء الأخضر لمصالح الأمن والمديرية العامة للضرائب ووزارة المال للقيام بجرد جميع ممتلكات وزير الصناعة السابق، مع إمكان أن تشمل العملية عدد من أفراد عائلته وأقاربه، وذلك على خلفية شبهات في إحتمال تورطه في تبديد المال العام واستفادته منه بطرق غير مشروعة آثناء توليه منصبه الوزاري منذ سنة 2014 وحتى تاريخ إنهاء مهامه يوم 24 مايو/أيار الماضي.

وقد اتهم رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون , الوزير السابق في  قطاع الصناعة عبد السلام بوشوارب بتبديد 70 مليار دينار جزائري أي ما يعادل 800 مليون دولار والتي قال عنها إنها تبخرت ولم يعرف مصيرها حتى الآن. حيث قال رئيس الوزراء الجزائري أن "أموال باهظة خصصت للاستثمار تقدر بـ70 مليار دينار جزائري لكن مردودها لم يكن في مستوى التطلعات وبالتالي سنركز جهودنا على الاستثمارات الصغيرة ذات المردودية الكبيرة خصوصًا الموجهة للشباب"، مشيرًا إلى التجربة الجزائرية للصناعة الثقيلة  في سنوات السبعينات التي لم تتجاوز المستوى الوطني عكس الدول التي ارتكزت على الصناعات الصغيرة وأصبحت مصدرة حاليًا.

وتبون الذي أكد في كلمته أمام أعضاء مجلس الأمة الجزائري، اليوم الأربعاء، أنه سيتم استرجاع الأموال المتبخرة بمحاسبة المسؤولين, وسيتم استحداث هيئة خاصة من أجل المراجعة العميقة فيما يصرف المال العام مع محاربة تضخيم الفواتير, وكل الأساليب التي تضعف الاستيراد والتصدير، وكان تحقيق صحافي ضخم شاركت فيه أكثر من مائة صحيفة حول العالم ضمن "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين" ونشر في شهر نيسان/أبريل 2016 قد كشف أن 140 زعيمًا سياسيًا من حول العالم، من بينهم وزير الصناعة والمناجم الجزائري عبد السلام بوشوارب هربوا أموالاً من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية.

وتم تسريب هذه الوثائق جميعها من مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاما، والذي بحسب هيئة الإذاعة البريطانية لم يواجه طيلة هذه العقود الأربعة أي مشكلة مع القضاء. وأوضح "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين"، ومقره واشنطن، على أن الوثائق (وعددها نحو 11.5 مليون) تحتوي على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة عابرة للبحار (offshore) في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، وأضاف الاتحاد أن هذه الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية قبل أن يتولى هو توزيعها على 370 صحافيا من أكثر من 70 بلدا من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر نحو عام كامل.

وأطلق على الوثائق المسربة اسم "أوراق بنما" نسبة إلى شركة المحاماة البنمية التي تم تسريبها منها. وأعلنت الحكومة البنمية الأحد أنها "ستتعاون بشكل وثيق" مع القضاء إذا ما تم فتح تحقيق قضائي استنادا إلى الوثائق المسربة. وجاء في "وثائق بنما" التي وصل عددها إلى 11 مليون وثيقة، أن بوشوارب قام في أبريل/نيسان الماضي بتأسيس شركة "روايال أريفال كورب" ومقرها بنما تعمل في مجال التمثيل التجاري والمفاوضات التجارية والأشغال العمومية إضافة إلى النقل بالبحري وبالسكك الحديد، وتنشط حسب أوراق اعتمادها في كل من الجزائر، تركيا وبريطانيا.

وحسب الوثائق المسربة فإن بوشوارب تمكّن من خلال هذه الشركة من فتح حساب مصرفي بالبنك السويسري "NBAD"، مضيفا أن تسيير شركة "روايال أريفال كورب" يتم من شركة فرعية يملكها وزير الصناعة بلوكسمبورغ ويتعلق الأمر بـ "شركة الدراسات والاستشارات" أو ما يعرف بـ "CEC".ونشرت صحيفة "لوموند" يوم الإثنين، رسالة وصلت إلى مكتب فونسيكا في 6 نيسان/أبريل 2016، أكد خلالها ضابط من ملكية روايال أريفال كورب، أن مالك الشركة هو الوزير بوشوارب منذ أفريل 2014، وحسب بحث فونسيكا فإن الشركة شككت في مصدر أموال الوزير بعد علاقتها بعبد المؤمن خليفة.

قبل أن تقر مؤسسة الدراسات والاستشارة، ومقرها لوكسمبورغ، في الرد التوضيحي حول تورط وزير الصناعة والمناجم الجزائري السابق عبد السلام بوشوارب، بأن تأسيس شركة"روايال أريفل كورب" لفائدة بوشوارب كان بهدف "تسيير محفظة قيم عقارية بقيمة 700 ألف يورو ممتلكة حاليًا بشكل شخصي". وسبق أن حامت شبهات الفساد حول وزير الصناعة الجزائري السابق، فجرتها رئيسة حزب العمال الجزائري اليسارية لويزة حنون بعد أن اتهمته بالتورط في المال الفاسد وخدمة "الأوليغارشية"، وهي الاتهامات التي نفاها بوشوارب، مؤكدا أن الحديث عن خيانته وبيعه للبلاد وخدمة الأوليغارشية عبارة عن "تشويه وتغليط للرأي العام وتشويش في وقت تحتاج الجزائر لكل طاقاتها السياسية لمواجهة الأزمة القادمة".

ووصف رجال أعمال ورؤساء مؤسسات جزائرية ما ألحقه وزير الصناعة والمناجم السابق عبد السلام بوشوارب، بالدمار الشامل الذي يتطلب سنوات طويلة لإصلاحه. واتهموه بتدمير الديناميكية الاقتصادية التي بدأت تتحرك نسبيًا، حيث أعاد ضبط عقارب وزارة الصناعة، على منوال الزبائنية والمحاباة والمحسوبية، وركز كل المصالح في يده من خلال تجميع كل المديريات الخاصة بالاستثمار أو بالأموال التجارية للدولة أو تلك الخاصة بالمناجم أو المديرية العامة للشركات العمومية، فضلا عن التلاعب الذي حصل في إعداد النصوص التطبيقية لقانون الاستثمار وتحضير دفتر شروط تركيب السيارات، والذي تم إعداده لصالح وكلاء معينين على الرغم من تحذيرات المختصين الذي حذروا من العواقب الخطيرة للاحتكار الذي عاد في شكله العنيف، مستفيدا من "تواطؤ" غريب من رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال الذي ظل يلوح بنموذج اقتصادي لا يعرف أي جزائري كيف تم إعداده ومن الذي أعده ولا في أي ظروف وماهي الأهداف التي أعد من أجلها.

كما استحوذ وزير الصناعة والمناجم الجزائري السابق عبد السلام بوشوارب على مجموعة من سيارات الوزارة قبل إبعاده من الحكومة في 24 مايو/أيار الماضي. وقالت مصادر من وزارة الصناعة والمناجم، إن بوشوارب تمكن من الاستحواذ بطريقة غير شرعية على 4 سيارات فخمة من حظيرة الوزارة قبل مغادرته لمنصبه، منها سيارتان من علامة "أودي" تم شراءها من طرف رؤساء مجمعات صناعية تابعة للوزارة، وسيارتان من علامة "رونو".

وأن وزير الصناعة والمناجم الجزائري الجديد محجوب بدة، تفاجأ لعدم وجود سيارة في الوزارة لاستخدامها، ولما سأل عن مصير سيارات الوزارة أبلغ رسميًا بأن سلفه استحوذ عليها. ومعروف أن الوزراء في الجزائر عن نهاية مهامهم في الحكومة يحق لهم الاستفادة من سيارة واحدة وسائق لمدة 6 أشهر فقط، وليس الاستحواذ على 4 سيارات منها واحدة يبلغ سعرها 1.4 مليون دينار جزائري والثانية بسعر 900 مليون سنتيم جزائري.

و يُعاب على بوشوارب حصوله على الجنسية الفرنسية إلى جانب الجنسية الجزائرية ورغم صدور قانون في الدستور الجزائري الجديد الذي صدر في شباط/فبراير 2016  يمنع كبار المسؤولين الجزائريين المدنيين والعسكريين الجمع بين جنسيتهم الجزائرية الأصلية وجنسية أجنبية أخرى ومصادقة البرلمان الجزائري عليه، إلا أن بوشوارب رفض الامتثال للدستور وفضل الاحتفاظ بجنسيته الفرنسية

كما وظفت شركة "رونو" للسيارات الفرنسية ابنة وزير الصناعة الجزائري بوشوارب بطرق ملتوية، رغم أنها لا تحوز أي شهادات علمية عليا وأن ذلك تم مقابل امتيازات غير مشروعة للشركة الفرنسية في الجزائر. و بحسب مراقبين للشأن الجزائري فإن خطوة الرئيس الجزائري بتجميد كافة الحسابات البنكية وجميع الأصول المالية لوزير الصناعة الجزائري السابق عبد السلام بوشوارب ومنعه من السفر خارج الجزائر تأتي -ربما-تمهيدًا لملاحقته قضائيًا بخاصة وأن له ملفات ثقيلة في الفساد.