الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

اشترت الفرنسية ناتالي لويسو، وزيرة الشؤون الأوروبية، منزلًا في منطقة سكنية هادئة في أغنى منطقة جنوب باريس، تقع المدينة بين مطار أورلي وهضبة فرنسا، وسط ذلك يتنظر الكثير ردها عن نتيجة الانتخابات الإيطالية الأخيرة، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رد فعل عنيف ضد فشل الاتحاد الأوروبي في مساعدة البلاد على التعامل مع أزمة المهاجرين.

وقالت لويسو "لا يمكنك مواجهة مزاعم الشعبويين بأنهم صوت الشعب دون الاستماع إلى صوت المواطنين أولًا" ، ولكن فتح الباب أخيرًا، وخرجت سيسيلي بلانكيت البالغة من العمر 48 عامًا ، وهي باحث في السرطان، وسألت الوزيرة عن أوروبا، و ابتسمت السيدة لويسو على نحو رقيق، وحاولت تنسيق كلماتها، لتوجز الاستجابة المخططة للسيدة بلانكيت بشكل قاطع للتحدي الذي يواجهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إقناع دولة متشككة وقارة لا يزال الاتحاد الأوروبي يقاتل من أجلها.

ويسيطر رئيس التيار الوسطي البالغ من العمر 40 عامًا في مقدمة السياسة الفرنسية منذ العام الماضي، و في الوقت الحالي ، يعتبر أصغر زعيم فرنسي منذ أن وضع نابليون نصب عينيه على إثارة ثورة مماثلة في أوروبا ، وبينما يزن خياراته قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار المقبل، أطلق الرئيس الذي لا يعرف الكلل جيشًا من المتطوعين، بما في ذلك وزرائه، ليطرق مئات الألوف من الأبواب حول فرنسا و 26 دولة أخرى، يسألهم عما يريدونه من الاتحاد الأوروبي، في حين أن البيانات الواردة من 230 ألف شخص و 80 ألف استبيان لم يتم تفيذها بعد، ولكن في الوقت نفسه لم يخف ماكرون آراءه بشأن أوروبا ، ووسط وجود المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ملكة أوروبا القديمة، التي تواجه ضربة قاضية من شركائها في الائتلاف على نحو متزايد، يصبح الرئيس الفرنسي هو حامي أوروبا، من الهجمات الخارجية، وكان ينظر إلى انتخابه المفاجئ على أنه رد أكيد على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، والذي وصف الاتحاد الأوروبي أخيرًا بأنه "عدو" مصمم للاستفادة من الولايات المتحدة.

ويوجد هناك شكوك عند رؤية إيمانويل ماكرون الديمقراطية الليبرالية الفيدرالية معرضة للتهديد كما لم يحدث من قبل ، بشأن ما إذا كان بمقدورها مقاومة سحب الثغرات القومية من دول الاتحاد الأوروبي مثل النمسا والمجر وبولندا والوقت الحالي في إيطاليا عندما تضرب الهجرة أو الأزمة المالية المقبلة المنطقة.

المنتصر الوحيد في أوروبا

واحتشد 400 شخص في إبينال، في منطقة فوج الشرقية، حول مسرح يشبه حلقة الملاكمة، لكن كان هناك واحد فقط، وهو الرئيس، لقد كان لدى ماكرون سبب وجيه لاختيار هذه المدينة لإطلاق سلسلة واسعة من "مشاورات المواطنين" ومناقشات بشأن ما يريده الفرنسيون وأولئك في الدول الست والعشرين الأخرى من الاتحاد الأوروبي قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في العام القادم ، وتقع إبينال في قلب الدائرة الفرنسية التي تضم حزام الصدأ الشرقي للبلد، وقد ساند 45% من ناخبيها لوبن وجبهتها اليمنية ناين في جولة الإعادة الرئاسية في العام الماضي، بزيادة 11 نقطة عن المعدل الوطني ، ولا شك أن ماكرون هو مادة لشباك التذاكر السياسية، وهو نجم في عيون المؤيدين مثل طوني بلير وبيل كلينتون، ويبرز طالب الفلسفة السابق والمصرفي الاستثماري ذلك، حيث يمزج بين ابتسامته بطريقة صبيانية مع الجانب الأكثر تشددًا.

وكان ماكرون قد ألقى خطابًا شغوفًا أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ محذرًا من "الحرب الأهلية الأوروبية" الوشيكة بين الديمقراطية الليبرالية والاستبداد المتصاعد في شكل زعماء مثل رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان ، ولكن في إبينال، كان هناك خلل في السيناريو، كان الجدل المثير للجدل بشأن نقاط القوة والضعف في أوروبا يتحول بسرعة إلى حب، "هل هناك أي تحفظات على عمل الاتحاد الأوروبي؟" سأل الرئيس بصراحة، وأخيرًا، أضاءت عيناه عندما سأل أحدهم بصراحة ما هي النقطة التي تدور بشأن السيادة الأوروبية عندما "لا يقول أحد أبدًا، أنا أوروبي".

سمح هذا لماكرون أن يطرح أطروحته المركزية بشأن أنه"حامي ومنقذ"، قائلًا "لا يجب عليك الخلط بين الجنسية والسيادة"، موضحًا "السيادة تدور بشأن تقرير مستقبلك، وإنشاء قواعدك الخاصة الموجودة في العالم" ، وقال إن السيادة الوطنية ستبقى دائمًا أمرًا معينًا، ولكن من دون السيادة الأوروبية تنهار إرادتنا" ، وأضاف "أن الهجرة، وتغير المناخ، والشبكات الاجتماعية والتغييرات الشاملة من العولمة لا تعرف الحدود، السيادة الأوروبية هي السبيل الوحيد للوقوف أمام اللاعبين الكبار مثل الصين والولايات المتحدة، التي تختلف خياراتها وتفضيلاتها في مجالات مثل الخصوصية عن تلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي"، ولكن دقت الرسالة على الوتر الحساس للفرنسيين والذين صوتوا لصالح ماكرون لإبقاء الجبهة الوطنية خارج الحكم.

ولا يمكن لأحد أن يتهم السيد ماكرون بالتقليل من شأن ميوله المؤيدة للاتحاد الأوروبي، حيث لوح أنصاره بالأعلام الزرقاء والصفراء في مسيرات انتخابية، وعند تنصيبه، تحت ثريات الإليزية المهيبة والعين الساهرة لزوجته، بريجيت، تعهد "بإعادة تأسيس وإصلاح" الكتلة الأوروبية المكونة من 27 دولة غير المستقرة، و على المدى القصير، كانت استراتيجيته لإصلاح الاتحاد الأوروبي واضحة منذ البداية، أولًا، يجب على فرنسا استعادة مصداقيتها المفقودة في عيون ألمانيا من خلال الالتزام بالوعود التي تأخرت طويلًا في تفعيل الإصلاح الهيكلي، و في المقابل، ستكون ألمانيا أكثر استعدادًا لدعم التكامل الأوثق لمنطقة اليورو المؤلفة من 19 دولة، مع المزيد من التقارب المالي والاستثمار المشترك، وفي النهاية شكل من أشكال الميزانية المشتركة.

وأثبت ماكرون في غضون أشهر، أن المشككين مخطئين، وهو يسرع في إصلاح العمل وتخفيضات الضرائب على الشركات، وفي يونيو /حزيران، وقع أخيرًا على قانون مزدهر ينهي وظائف عمال السكك الحديدية، بعد أن واجه ثلاثة أشهر من الإضراب ، لكن السيدة ميركل ظلت صامتة عندما كشف النقاب عن مجموعة من المقترحات من أجل أوروبا في خطاب تاريخي في جامعة السوربون، وعندما ظهرت السيدة ميركل أخيرًا، بعد أن دارت المعركة بينها وبين حكومتها وبعد ستة أشهر من محادثات الائتلاف التي أجبرت فيها على التعاون مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي وزعيم رئيسها المحافظ هورست سيهوفر، كان ماكرون محتار فيما سيفعل معها، وبحلول ذلك الوقت، لم يحقق الرئيس الفرنسي سوى نجاحًا أوروبيًا واضحًا واحدًا، حيث جعل دول الاتحاد الأوروبي الشرقية والمركزية توافق على تشديد القيود على نشر العمال المهاجرين مؤقتًا إلى دولة عضو أخرى دون الحاجة إلى الالتزام بقواعد العمل المحلية.