الرئيسين ميشال عون و إيمانويل ماكرون

لم يتأخّر إنزالُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرتَه حيال لبنان عن الرفّ في إطلاق ما يشبه الدينامية الجديدة داخلياً ولو غير مكتملة المرتكزات بعد وتحديداً في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية ، في تطورٍ تعدّدتْ القراءات بين سطوره ومآلاته التي تصبّ حُكْماً في «صندوق أزمات» المنطقة ومفاتيحها وأقفالها.

وعاشت بيروت أمس في أجواء معطياتٍ عن أن «الخط الساخن» الذي عاود ماكرون فتْحه مع لبنان عبر الاتصال الذي أجراه بالرئيس ميشال عون والتواصُل غير المعلن الذي قيل إنه حصل مع الرئيس المكلف سعد الحريري، يترافق مع محاولة فرنسا، مستفيدةً من عدم ممانعة واشنطن أن تجدد باريس مسعاها لبنانياً، توفير أفقٍ عربي وخليجي لهذا المسعى انطلاقاً من تسليمٍ بأن الرافعة الخليجية محورية في أي مسار إنقاذٍ لـ «بلاد الأرز».

ورغم هذه المناخات، فإن القراءة في الحِراك المستعاد لباريس راوحت بين حدّين: الأول، في سياق المزيد من تمرير «الوقت المستقطع» إقليمياً ريثما يُنْهي الرئيس الأميركي جو بايدن تحديد سقف خياراته في ما خص قضايا المنطقة وعلى رأسها ملف إيران.

والثاني، يعكس اقتناعاً فرنسياً بأن بالإمكان الاستفادة مما فُسِّر على أنه قوة دفْعٍ أميركية للمبادرة الماكرونية لإحداث خرق في الواقع اللبناني على قاعدة «مواصفاتٍ مخفَّفة» للحكومة الجديدة تجمع بين عنوان الوزراء الاختصاصيين والحاجة إلى توافق سياسي حول التشكيلة، ومراعاة معطياتٍ تفرضها توازنات البرلمان وموازين القوى على الأرض.

وقالت أوساط واسعة الاطلاع لـ«الراي»، إنه لا يمكن رؤية الدخان الأبيض إيذاناً بولادة الحكومة العتيدة قبل تبلور مسألتين هما: * مآل المنازلة الأميركية – الإيرانية، خصوصاً أن الإدارة الجديدة غير مستعجلة لوضع الملف الإيراني على الطاولة حتى لو انقضت المهلة التي حددتها طهران للشروع في تجاوز الـ 20 في المئة من التخصيب.

* عدم اكتمال الطاقم الديبلوماسي في وزارة الخارجية الأميركية الذي يُعنى بالأوضاع في الشرق الأوسط.

ورغم الدينامية المتجددة للرئيس الفرنسي تجاه لبنان ومأزق تشكيل الحكومة فيه، فإن دوائر سياسية مهتمة كشفت لـ «الراي» عن أن «المسؤولين اللبنانيين على اقتناع بأن سيد الإليزيه لم يحظ بتفويض بايدن لمبادرته لكنه يسعى لتعزيز مكانته في المنطقة في الوقت الضائع الأميركي، سواء بدعوته لضم أطراف إقليمية للمفاوضة حول الملف النووي الإيراني أو من خلال إصراره على قيادة الحل في لبنان».

وقللت مصادر بارزة في قوى «8 آذار» – التحالف الذي يقوده «حزب الله» – عبر «الراي»، من إمكان كسر المأزق الحكومي قبل انضاج «كلمة السر» الأميركية، خصوصاً أن الحريري، برأي هذه المصادر، لن يجازف بالانخراط في أي تسوية حكومية من النوع الذي يضمن مشاركة «حزب الله»، ولو عن بُعْد، قبل تبلور خيارات واشنطن، التي يمكن ان تشكل غطاءً لتفاهم دولي – إقليمي حول الوضع في لبنان.

وكشفت عن أن الاتصال الذي جرى بين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أراد من خلاله نصرالله التدخل للحض على ضرورة تسهيل عملية تشكيل الحكومة بمعزل عن الموقف الأميركي لأن «المسألة ستطول»، وتالياً فإنه نصح بالحاجة إلى الحد من التوتر السياسي والمناكفات التي أوحت أخيراً وكأن رئيس الجمهورية وفريقه يضغطان لإحراج الحريري وإخراجه.

وفُهم من هذه المصادر ان «حزب الله»، الذي لم يُقِمْ وزناً للتعقيدات الداخلية كمسألة «الثلث المعطل» وحجم الحكومة (18 أو 20 وزيراً) يعتقد أنه بمجرد نضوج الموقف الخارجي يمكن تشكيل الحكومة بين عون والحريري في 24 ساعة، في مقابل اعتبار أوساط على خصومة مع الحزب أنه «يختبئ» وراء مطالب فريق رئيس الجمهورية لإطالة أمد مسار التأليف بما يخدم عملية «شدّ الحبل» للإدارة الأميركية الجديدة على طول قوس النفوذ الإيراني.

وإذ كان رئيس البرلمان نبيه بري يكسر صمته أمس، محاولاً «لبْننة» الأزمة بإعلانه «أن العائق بالملف الحكومي ليس من الخارج بل من (عندياتنا)»، وموضحاً أن كتلته أقدمت تحت سقف حكومة الاختصاصيين غير المنتمين لأحزاب أو تيارات على تسمية أسماء على قاعدة «لا ضدك» و«لا معك»، ولكن هذا الاقتراح «تعطل للأسف عند مقاربة الثلث المعطل»، برز ردّ ضمني من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية على «إصرار أوساط سياسية وإعلامية على الترويج بأن الرئيس عون يطالب بالثلث المعطل»، مذكراً «حيال التمادي بترويج هذه الادعاءات، بأن الرئيس عون الذي لم يطالب مطلقاً بالثلث المعطل، حريص في المقابل على ممارسة حقه بتسمية وزراء من ذوي الاختصاص والكفاءة حفاظاً على الشراكة الوطنية ومصلحة لبنان العليا».

وفي حين عَكَس كلام عون استمرار «التمتْرس» خلف الشروط والشروط المضادة حكومياً، ترتفع المخاوف من «استيقاظ» الشارع، سواء عبر تحركات نقابية مرتقبة اليوم ضدّ بنود في مشروع موازنة 2021 أو من خلال الفتيل الذي لم ينطفئ بعد في طرابلس التي شهدت الأحد تجدُّد المواجهات بين محتجين على الواقع المعيشي في ظل الإقفال التام كورونياً وبين القوى الأمنية، فيما لفت إعلان قيادة الجيش توقيف 18 شخصاً من اللبنانيين والسوريين في عرسال ينضوون ضمن خلايا ترتبط بـ«داعش»، وقد «اعترفوا بالتخطيط للقيام بأعمال إرهابية».

قد يهمك ايضا :  

ماكرون يصرح سأزور لبنان مجددا والمبادرة الفرنسية لا تزال مطروحة

  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤكد الوقوف إلى جانب لبنان