بيروت - لبنان اليوم
حتى في عطلة الأعياد، يريد اللبنانيون الالتفاف أو التحايل على الفراغ المفروض سياسياً، ويحاولون العمل على تعبئته. كما كان الحال في الأيام الفائتة التي غابت فيها السياسة وتجمّدت، بفعل سقوط كلّ المبادرات والمساعي. غياب الفعل السياسي الجدّي، يفتح الأبواب أمام نسج سيناريوهات كثيرة، يراد بها رفع المزيد من المتاريس، وخوض المزيد من المعارك، ولو الوهمية. لا تمتلك القوى السياسية سوى لعبة إحراج بعضها البعض، لتعبئة الفراغ وتقطيع الوقت، من خلال اختراع صراعات ونزاعات على ملفات متعددة، بعضها في الجانب السياسي على مثال ترويج صيغة أو طرح أفكار، يراد منها استبدال خيار بقاء سعد الحريري مكلفاً بتشكيل الحكومة بأسماء أخرى، وبعضها الآخر في جوانب شعبية وقضائية، على مثال فتح ملفات الفساد ضد الخصوم وغيرها من قضايا مشابهة.
الترويج لنجيب ميقاتي
في هذا الفراغ القائم، بدأ الحديث عن معلومات تشير إلى إحتمال التوافق على تولي رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، تشكيل الحكومة الجديدة، بما أن الحريري لا يبدو قادراً أو لا مجال للتوافق بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لا يزال يقول في مجالسه إن الحريري أصبح قريباً من الاعتذار. طرح اسم ميقاتي في التداول له أكثر من هدف. أولاً، الضغط على الحريري وابتزازه أكثر. ثانياً، شق صف رؤساء الحكومة السابقين. ولكن بما أن الحريري غير قابل للتفاهم مع عون، فلا يبدو أن ميقاتي أيضاً في وارد التفاهم مع هذا الرئيس، لا سيما أن هناك تجربة مريرة بين الطرفين سابقاً، عندما كان ميقاتي رئيساً للحكومة ولعون حصة من عشرة وزراء.
ينفي ميقاتي بشكل قاطع المعلومات التي تتحدث عن التوافق حوله كرئيس للحكومة. هذا الأمر غير مطروح وفق ما يؤكد. والبلد ذاهب نحو الانفجار والانهيار، ولا أحد قادر على إنقاذه. وهو لن يرمي نفسه في هذه المحرقة. سابقاً، كان ميقاتي يطلق الموقف نفسه أيضاً، مؤكداً أنه لا يمكن لأحد تشكيل حكومة إلا بحال حصل على ضمانة خارجية بالمساعدة المطلقة، كي لا يسلك طريقاً كلها انفجارات وانهيارات.
تجربة العام 2005
لا يبدو أن شيئاً تغيّر في حسابات ميقاتي. ومع ذلك، تصرّ قوى معارضة للحريري على رواية أن ميقاتي هو البديل، ربما لدفع الرئيس المكلف إلى تقديم التنازلات، أو لإحراجه فإخراجه، بالتركيز على أكثر من نقطة ضعف، أهمها أنه مرفوض سعودياً، وأن التلاقي السعودي السوري سيصب في صالح ميقاتي، كما حصل في العام 2005، حين شكل ميقاتي حكومة لإدارة الإنتخابات. إلا أنه من المبكر جداً الحديث عن أي تقارب سياسي سعودي سوري في هذه المرحلة. وحتى لو حصل، فآخر مندرجاته ستكون متعلقة بالملف اللبناني.
تصرّ جهات في محيط رئيس الجمهورية أو المقربين منه على أن ميقاتي جاهز لتولي تشكيل الحكومة. ويقولون إنه يسعى إلى ذلك. الأمر الذي تنفيه مصادر قريبة من ميقاتي ومن رؤساء الحكومة السابقين، الذين يؤكدون أنهم ما زالوا على موقفهم. إسم ميقاتي في الأساس أعيد طرحه قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت في السادس من آب الفائت. فخلال اتصالات فرنسية بمسؤولين لبنانيين لترتيب الزيارة، كان السؤال عن إمكانية تكرار تجربة العام 2005، بتولي ميقاتي رئاسة حكومة انتقالية تحضيراً للانتخابات المبكرة. يومها، كانت المبادرة الفرنسية تنص على الانتخابات المبكرة، والتي رفضها حزب الله في اجتماع قصر الصنوبر مع ماكرون.
مؤشر العبثية
تقول المعلومات إن مدير المخابرات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه كان من أبرز المتحمسين لخيار ميقاتي، في تكرار لتجربته عندما كان سفيراً في لبنان عام 2005. وفي الاتصالات التي أجراها إيمييه سابقاً بمسؤولين لبنانيين، حاول جسّ هذا النبض. إلا أن الخيار رُفض لبنانياً على طاولة قصر الصنوبر. وكان موقف لسليمان فرنجية بأن أي حكومة غير ممكنة إلا إذا ترأسها سعد الحريري. حتى بعض الإجابات التي سمعها إيمييه من مسؤولين لبنانيين حينها، ومن بينهم وليد جنبلاط، كانت أن الحريري هو ممثل السنّة، ولا يمكن الالتفاف على هذا الأمر.
فيما بعد استبدل خيار ميقاتي والحريري معاً بتكليف مصطفى أديب، الرجل القريب من ميقاتي والذي تبناه الحريري أيضاً. سقط خيار مصطفى أديب وأعيد تكليف الحريري، الذي يواجه استعصاءً في عملية تشكيل الحكومة. لذلك يعاد التلويح باسم ميقاتي، والذي جرى التداول به أيضاً خلال زيارة ديفيد هيل الأخيرة إلى لبنان. تم التداول بالإسم على طريقة استعراض الخيارات أو دراسة الاحتمالات. هكذا فقط، ورد اسم ميقاتي على لسان هيل.
بالمحصلة، لا مؤشرات تفيد بإمكانية الاتفاق على تشكيل الحكومة في هذه المرحلة. الانتقال من طرح إلى آخر، وتعدد الأسماء، مؤشر على العبثية التي يعيشها لبنان سياسياً، والتي لا يبدو واضحاً أنها ستنتهي قريباً.
قد يهمك ايضا
نبيه برّي يستقبل الرئيس نجيب ميقاتي لبحث آخر التطورات
الرئيس سعد الحريري يلتقي الرئيس نجيب ميقاتي في إطار الإستشارات النيابية غير الملزمة