جبران باسيل

لا يصدّق الذين يتعاطون الشأن العام، وبالأخصّ الشأن السياسي، أن الوزير السابق والنائب الحالي جبران باسيل قد أنكفأ عن الساحة في منتصف المعركة، وهي لا تزال حامية، كما لا يصدّقون أن أسهمه السلطوية قد تراجعت، وأن الزمن اليوم لم يعد زمنه، بل زمن حسّان دياب.

من غير المنطقي أن يكون الوزير الأول، منذ بداية العهد الحالي وحتى قبله، غير معني بكل ما يجري على الساحة، وهو الذي كان حتى الأمس القريب شاغل الناس والوسط السياسي، وكان محور اللعبة السياسية، وبالتالي لا تجوز المقارنة بينه وبين الرئيس سعد الحريري المنكفىء حاليًا، وهما كانا شريكين في التسوية الرئاسية التي سقطت إلى غير رجعة وكانا "قابرين الشيخ زينكو معًا".

فالنائب باسيل، وعلى عكس الحريري، لا تزال يده "طايلة" داخل الحكومة وخارجها، إذ أن له مع وزراء رئيس الجمهورية ما يقارب ثلث الوزراء، وهو بذلك قادر على تعطيل أي قرار لا يرى فيه مصلحة له ولتياره، وهو قادر بالطبع على فرض أي قرار، كخّطّة الكهرباء مثلًا والسياسة المالية، على رغم التباعد في وجهات النظر بين وزير المال غازي وزني وبين باسيل وفريق عمله، الذي تدّخل وأدخل الكثير من التعديلات على الصيغة التي إقترحها وزير المال لخطّة "الكابيتال كونترول"، التي عارضها الرئيس نبيه بري.

وكما أن له "سطوة" سياسية فله باع طويلة في غير ما كان، إذ تؤكد المعلومات أن رئيس "التيار الوطني الحر" هو الذي أوجد تخريجة إطلاق سراح "جزار الخيام" العميل عامر الفاخوري، من خلال إسقاط التهم المنسوبة إليه بفعل مرور الزمن العشري، بعدما تلقى تهديدات أميركية مباشرة بإدراج إسمه على لائحة العقوبات مع آخرين من تياره، مما يعني أن فرصه في الإستحقاق الرئاسي تصبح معدومة، أقله بالنسبة إلى الأميركيين، خصوصًا إذا عاد الرئيس ترامب مرة جديدة إلى البيت الأبيض، على رغم أم وباء "كورونا" جمّد كل شيء حتى إشعار آخر.

وكما كانت له يد في إدخال الفاخوري إلى لبنان من خلال حزمة التطمينات، التي أعطاها إياها بالنسبة إلى أمنه الذاتي، وبأن لا أحد سيعترضه، كانت له اليد الطولى في إخراجه من خلال الضغط على رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله، الذي نفذ التعليمات وتنحّى حافظًا ماء وجهه أمام بيئته، وبالأخص أمام "حزب الله"، الذي وجد نفسه محرجًا حيال هذا الأمر، الذي رفض الدخول فيه يوم راجع باسيل الأمين العام السيد حسن نصرالله شخصيًا، بحجة أن الأميركيين جادون في تهديداتهم المتعلقة بوقف المساعدات العسكرية للجيش.

وسواء كان "حزب الله" على علم مسبق بهذه "التخريجة" أو لم يكن لديه علم، وفي الحالتين مصيبة، فإن ما قاله السيد نصرالله بهذا الخصوص لن يعيد الفاخوري إلى سجنه، بل هو الآن في أحضان أبيه الأميركي يخضع للعلاج، وهو قد أصبح طليقًا وحرّا، يسرح ويمرح على هواه، فيما يعتبر من كانوا أسرى معتقل الخيام أن هذا العمل سيبقى وصمة عار على جبين المسؤولين اللبنانيين، الذين سهّلوا فرار الفاخوري، مع ما رافق ذلك وما تبعه لجهة تصفية مساعده أنطوان الحايك، الذي أرداه مسلحون كجهولون في متجره في بلدته المية ومية.

هل يكتفي باسيل بهذا القدر؟

المطلعون على خلفية ما جرى في الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء في السراي الكبير لا يستبعدون أن يكون باسيل وراء عرقلة تعيين نواب حاكم مصرف لبنان لأنه، كما قال أكثر من طرف، يريد كل شيء لنفسه.

قد يهمك ايضا:الموت يطارد المواطنين وباسيل يستولي على المناصب والتعيينات  

"التيّار الوطني الحر" يجتمع إلكترونيًا لمناقشة تطوّرات انتشار وباء "كورونا" في لبنان