بيروت ـ كمال الأخوي
أرجأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة التشريعية التي كانت مقررة غدا إلى الثلاثاء المقبل بجدول الأعمال نفسه، نظرا للوضع الأمني المضطرب كما قال، علما ان الدعوات كانت توالت إلى الاضراب العام غدا وإقفال مداخل البرلمان كافة لمنع النواب من الوصول إلى ساحة النجمة وذلك رفضا للجلسة التشريعية التي دُعي إليها لدرس وإقرار مشاريع واقتراحات قوانين مدرجة على جدول الاعمال من بينها قانون العفو العام وانشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية.
فلماذا الإعتراض الشعبي والقضائي على إنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية؟.
إن اقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، تقدم به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حين كان لا يزال رئيساً لتكتل التغيير والإصلاح في 30-4-2013، وتمنى حينذاك على رئيس المجلس النيابي نبيه بري إدراجه على جدول اعمال أول جلسة تشريعية سندا لاحكام المادة 110 من النظام الداخلي لمجلس النواب واعتبار ما وردة في الاسباب الموجبة بمثابة المذكرة التي تبرر إعطاء صفة الاستعجال المكرر.
وبحسب الاقتراح، ترتبط المحكمة بمجلس النواب، وتشمل صلاحياتها الجرائم الواقعة على الأموال العمومية في حال ارتكابها او المشاركة في ارتكابها او التغاضي عن ارتكابها من قبل الرؤساء والوزراء والنواب ومجالس الادارة والمجالس البلدية والموظفين والمستخدمين من الفئات الثلاث العليا في الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات سواء اكانوا في الخدمة الفعلية او من السابقين:
* الجرائم الناشئة عن مخالفة احكام المواد من 81 لغاية 89 من الدستور اللبناني.
* الجرائم التي تنال مكانة الدولة المالية.
* الجرائم الناشئة عن مخالفة احكام قوانين الضرائب والرسم على انواعها.
* جرائم اختلاس الاموال العمومية.
* الجرائم الناشئة عن مخالفة احكام قانون المحاسبة العمومية وأحكام الانظمة المالية المتعلقة بعقد النفقات وبالصفقات العمومية.
* الجرائم الناشئة عن سوء تنفيذ الاشغال العامة.
* جرائم إساءة استعمال السلطة.
* الجرائم المتعلقة بالإثراء غير المشروع.
* جرائم الرشوة وصرف النفوذ في معرض ممارسة السلطة العامة أو الوظيفة العامة.
* جرائم تقليد العملة اللبنانية والاسناد العامة والطوابع واوراق التمغة وتزييفها وترويجها.
* جرائم التزوير في المستندات والسجلات والقيود المتعلقة بالاموال العمومية وحساباتها.
وتتألف هيئة المحكمة من رئيس وستة اعضاء تنتخبهم الهيئة العامة لمجلس النواب بالاقتراع السري فور نشر هذا القانون، وكذلك في اول جلسة تعقدها مع بدء كل ولاية، وذلك على الوجه التالي: الرئيس من بين القضاة العاملين الذين بلغوا الدرجة الخامسة عشرة على الاقل. ثلاثة اعضاء من بين القضاة العاملين الذين بلغوا الدرجة الثانية عشرة على الاقل. عضو من بين الاساتذة الجامعيين من ذوي الاختصاص في القانون المالي. عضو من بين الاساتذة الجامعيين من ذوي الاختصاص في ادارة الاعمال. عضو من الخبراء في علم المالية العامة المشهود لهم بالعلم والخبرة. كما ينتخب مجلس النواب، بالطريقة ذاتها، قاضياً من الدرجة ذاتها رديفاً للرئيس، وعضواً رديفاً لكل من الاعضاء الآخرين يتمتع بالمواصفات ذاتها التي يتمتع بها الاصيل؛ على ان يحال الاشخاص الخاضعون لسلطة المحكمة إلى التحقيق بناءً على اخبار يتقدم به عشرة نواب على الاقل إلى النيابة العامة المالية، او بناءً على تقرير من التفتيش المركزي او على قرار من ديوان المحاسبة.
ثمة من يعتبر أن اقتراح انشاء المحكمة الخاصةبالجرائم المالية، تعتريه مجموعة شوائب. فربط المحكمة بمجلس النواب، يطرح، بحسب مصادر قضائية لـ" لبنان24"، علامات استفهام كثيرة، لأن من شأن هذا الاقتراح في حال اقراره أن يحكم قبضة السلطة التشريعية على السلطة القضائية بما يخالف المادة عشرين من الدستور وما كرّسه قرار المجلس الدستوري 12-9-2019 بأن القضاء سلطة دستورية مستقلة، مع إشارة المصادر القضائية إلى أن كل التجارب السابقة أثبتت ان المحاكم الخاصة المنتخبة من قبل مجلس النواب أو المعيّنة من قبل مجلس الوزراءكانت ولا تزال في حالة نوم سريري فهي لم تقم بدورها المرجو لأن اعضاءها كانوا يحتكمون إلى ان عينهم وقراراتهم لطالما كانت انتقائية واستنسابية.
وليس بعيدا، فان تقييد الإخبار بتوقيع عشرة نواب على الأقل أو بناءً على تقرير من التفتيش المركزي أو على قرار من ديوان المحاسبة، يمنع المتضرر من الإدعاء مباشرة أمام المحكمة، الامر الذي من شأنه، بحسب المصادر القضائية، ان يوسع مدى الإفلات من العقاب بشأن الجرائم التي تختص بمحاكمتها، ويبدد فعالية المحكمة ويضيّق نطاق مَن يستطيع اللجوء اليها. من هنا ترى المصادر القضائية أن محاربة ومكافحة الفساد لا تتطلب سوى العمل على تحقيق استقلالية القضاء وإعادة الثقة به وتعزيز دوره عبر إقرار قانون استقلال السلطة القضائية، بعيدا عن المحاكم الخاصة.
أما الخبير القانوني الدولي في الشؤون الاقتصادية المحامي علي زبيب، فيرى في حديث لـ"لبنان24" أنه ظل الوضع الإقتصادي المقبل على الإنهيار التام، وفي طل الإهتراء في المالية العامة، لا بد من التمعن في هذا الاقتراح الذي سوف يكبد الخزينة العامة المزيد من الأعباء من المنحى الإداري والإنشائي. فمن حيث المبدأ، لا بد من الإشارة إلى أن المؤسسات القضائية الموجودة (من حيث الشكل على الأقل) تعتبر كافية ووافية لملاحقة الجرائم المالية وأي جرائم متفرعة عنها. وإذا كانت المشكلة الأساسية تكمن في التطبيق، فالاجدر تفعيل المجالس القضائية الموجودة كالتفتيش المركزي وديوان المحاسبة، الهيئة العليا للتأديب، هيئة إدارة للمناقصات،هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، خاصة وأن هذه المجالس والهيئات تكلف الدولة من دون ان تقوم بدورها الحقيقي، يقول زبيب. فجريمة الياقات البيضاء هي من أسوأ أنواع الجرائم التي ترتبط بالجريمة المنظمة، وهي محمية في السياسة وفي القضاء الذي ابتُلي بالتدخل السياسي.
ما تقدم، يستوجب بحسب زبيب، وضع خطة عمل واضحة تكون بداية مشوار الإصلاح القضائي عبر إعادة الاعتبار للهيئات والمجالس من خلال إعادة تفعيلها وهيكليتها عبر تعيين أعضائها من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والخارجين عن أي سياق سياسي، مع إشارته إلى إمكانية تفادي القيام بتأسيس مجلس أو هيئة جديدة قد تشهد نفس نتيجة سابقاتها، عندما يُفعل ما هو موجود بمنهجية شفافة وجديدة وقابلة للنقد والتعديل والمراجعة والمراقبة.
وعلى خط آخر، فإن الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين يشير إلى أن اقتراح قانون إنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية يتميز بجملة خصائص وأبرزها الطابع التخصصي والأصول الموجزة والسرعة المفترضة في البت بالملفات. اما انتخاب الأعضاء من مجلس النواب فكان هدفه تحاشي ترك الأمر للسلطة التنفيذية ولكن لا شيء يمنع ابتكار آليات أخرى لاختيار اعضائها من أجل توفير ضمان أكبر لفصل السلطات.
اما في ما خص فاعلية القانون في حال إقراره، فهو سيشكل، بحسب يمين، أحد الأذرع التشريعية من ضمن منظومة مكافحة الفساد ويفترض أن يقترن بإقرار قوانين رفع السرية المصرفية والحصانات عن المسؤولين واسترداد الأموال المنهوبة واقتراح قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
قد يهمك ايضا:
محتجون يدعون إلى التجمع عند مداخل ساحة النجمة في العاصمة بيروت
الحكومة تحاول طمأنة اللبنانين بشأن الأموال اللازمة لاستيراد السلع