التيار الوطني الحر

فيما كان يُتوقَّع أن يدير رئيس مجلس النواب نبيه برّي "محرّكاته" لتقريب وجهات النظر على خطّ الملفّ الحكوميّ، المترنّح حتى إشعارٍ آخر، يبدو أنّه نجح في مهمّةٍ أخرى غير محسوبة، تمثّلت في تحقيق "تقاربٍ" كان كثيرون يعتقدون أنّه من "سابع المستحيلات"، بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية".

فما عجز عنه الوسطاء طيلة أشهرٍ طويلةٍ، نجح برّي في تحقيقه سريعًا، من خلال دعوةٍ "يتيمة" للجان المشتركة للانعقاد، لاستكمال البحث في قوانين الانتخاب، استنادًا إلى اقتراحٍ مقدَّمٍ من كتلته النيابية يقوم على اعتماد لبنان دائرة انتخابيّة مع النسبيّة، مع رفعٍ للهجة "التحدّي"، استباقًا لأيّ "تطييرٍ للنصاب"، بالدعوة لاجتماعٍ منفصلٍ للّجان بحضور ثلث أعضائها فقط.

وفي حين أثار البعض إشكاليّة "التوقيت المريب" للطرح، الذي يأتي في وقتٍ تعيش فيه البلاد ما يكفي من الأزمات والويلات لجعل قانون الانتخاب "هامشيًا"، فإنّ البعض الآخر رأى فيه "وصفة مثاليّة" لتسجيل "تقاطعٍ" بين الكتلتيْن المسيحيّتيْن الأساسيّتيْن، انطلاقًا من "الحساسيّات" الطائفية والديموغرافية التي يخلقها القانون محور النقاش.

حين يتّحد "التيار" و"القوات"... هل من "تنسيق"؟!

صدام "انتخابي" مع بري.. ماذا قصد جعجع بـ"المؤامرة"؟

"الموقف واحد"!

انطلاقًا ممّا سبق، يرى المعترضون على دعوة رئيس مجلس النواب لجلسة مخصَّصة لبحث قانون الانتخاب أنّها غير مناسبة لعدّة اعتبارات، أولًا من حيث الشكل، لجهة توقيتها غير الملائم، في ظلّ التخبّط السياسيّ والاقتصاديّ والماليّ المتفاقم، ولكن أيضًا من حيث المضمون، لجهة إسهامها في "خلق" مشكلةٍ جديدةٍ في البلد، وكأنّ مشاكله الحاليّة لا تكفي.

ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك، بالإشارة إلى أنّه كان ينبغي على بري ومجلس النواب منح الأولويّة اليوم لاستحقاقاتٍ أكثر أهميّة، من التدقيق الجنائي الذي "طار"، من دون أن يتمّ "تحصينه" بالتشريعات والقوانين الملائمة، إلى الإصلاحات الموعودة منذ ما قبل "انتفاضة" السابع عشر من تشرين، والتي لم يرَ اللبنانيون أيّ ترجمة "برلمانية" لها، على رغم كلّ الوعود التي قُطِعت في هذا السياق.

وإذا كان هذا الطرح يصطدم بآخر يقول إنّ القانون الانتخابي يبقى أساس المشكلة، أو "أصل البلاء" كما يحلو للبعض القول، وبالتالي فإنّ المطلوب فتح "ورشة نقاشه" حتى لا يُترَك للحظة الأخيرة، فـ "يطير تحت الضغط"، ثمّة من يعتبر أنّ المشكلة الأساسيّة تبقى في طرحه اليوم، رغم الإدراك بأنّ الخلاف حوله لا يزال على حاله، بعدما ذهب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مثلًا لحدّ اعتباره "مؤامرة" حين طُرِح قبل أسابيع.

"التنسيق" وارد!

 

هذه النظرة إلى قانون الانتخاب، ولا سيما الاقتراح المقدَّم من كتلة بري، ليست محصورة بجعجع، إذ يتلاقى "التيار الوطني الحر" معه في هذه الرؤية كما أصبح واضحًا، انطلاقًا من "الهواجس الطائفية" المعروفة، والمستندة إلى "الديموغرافيا" بشكلٍ أساسيّ، ولو أنّ معظم الخبراء الانتخابيّين يتفقون على أنّ اعتماد الدائرة الواحدة، والموسَّعة، يبقى "الأمثل" لعدالة التمثيل.

إلا أنّ المفارقة تكمن في أنّ "التقاطع" حول قانون الانتخاب، وإن استحوذ على صدارة الاهتمام، ليس وحده ما "وحّد" الفريقيْن المسيحيّيْن المتخاصميْن في الآونة الأخيرة، فقد تلاقيا في ملفّاتٍ أخرى، من بينها مثلًا التدقيق الجنائيّ، حيث ظهر "تسابقٌ" بين الطرفيْن على "قوْننة" إلغاء السرية المصرفية، بما يلغي "القيود" التي كبّلت العقد المُبرم مع شركة "الفاريز & مارسال"، قبل أن تنسحب منه الأخيرة، في وقتٍ لفت هجوم "القوات" على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذي تقدّمت فيه بأشواط على "التيار" نفسه.

لا يعني ذلك أنّ العلاقة بين "التيار" و"القوات" ستعود إلى زمن "تفاهم معراب"، الذي طويت صفحته نهائيًا كما يؤكد الجانبان المعنيّان، لكنّه يدلّ على أنّ "التنسيق" بينهما أكثر من وارد، ولو من البوابة البرلمانية، انطلاقًا من "النقاط المشتركة"، علمًا أنّ هناك من يشير إلى أنّ هذا التنسيق حاصلٌ أصلًا، وأنّ تقديم "القوات" لاقتراح قانون إلغاء السرية المصرفية كان من "ثماره"، خصوصًا بعد السجال بين "رفاق الصف الواحد" داخل "التيار"، وتحديدًا بين الوزيرة ماري كلود نجم والنائب إبراهيم كنعان.

أعطي الخلاف حول قانون الانتخاب بُعدًا طائفيًا ومذهبيًا، عبر تصوير "المعركة" بين "ثنائي شيعي" و"ثنائي مسيحي"، مستعيدًا بذلك أيام "تفاهم معراب" الذي أكل عليه الدهر وشرب. قد لا تكون الاستنتاجات "المتسرّعة" حول العلاقة والتنسيق وغيرها في مكانها، بيد أنّ الأكيد أنّ الحسابات الطائفيّة والمذهبيّة لا تزال تعلو ولا يُعلى عليها، في بلدٍ يدّعي معظم مسؤوليه "توقهم" نحو "مدنيّة" الدولة...

قد يهمك ايضاً :

عقوبات مالية أميركية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل