بيروت - لبنان اليوم
أتخيّل نفسي مكان تلك الأمّ المحروقة على ولدها المحتجز في إيطاليا، والمهدّدة حياته في كل لحظة، وهو يعيش معاناة لا يمكن وصفها، إذ يجد نفسه وحيدًا في عالم غريب عنه وموبوء، وهو متروك لقدره. لا مال معه ليشتري ما يسد به رمقه وما يطرد الجوع الداهم، وهو يجد نفسه محاصرًا بين الإصابة بوباء الـ"كورونا"، الزاحف إليه من الجهات الأربع، وهو لا يملك سلاحًا للدفاع به عن نفسه، تتقاذفه الأفكار السوداوية، وهو يعيش كوابيس الوحدة، إذ لا يوجد بقربه من يستطيع أن يخّفف عنه هذه المعاناة، التي يبدو أنها طويلة ومن دون نهاية قريبة. فالأبواب كلها مقفلة في وجهه كيفما توجه. لا قريب يطيب خاطره. ولا صديق يتشارك معه همّه. كيفما تطلع لا يجد سوى وجوه غريبة وخائفة، مما يزيد خوفه خوفًا.
لو كنت مكان هذه الوالدة المحروقة فماذا عساي أفعل وليس في اليد حيلة. جلّ ما أستطيعه أن أرفع الصوت في وجه سلطة لا ترى سوى بعين واحدة، ولا تفكر سوى من منطلقات محدودة جدًا ومن زوايا ضيقة غير مستندة إلى خطة واضحة المعالم والأهداف.
عبثًا حاول وزير الخارجية إيجاد مخرج، ولو إستثنائي، يمكّن اللبنانيين الموجودين في الخارج، سواء في إيطاليا أو في فرنسا إو في إسبانيا أو في أوكرانيا، أو في الدول الأفريقية التي تفتقد للآمان الصحي، لأنه إصطدم بتمسّك رئيس الحكومة برأيه، وهو الرافض فتح المطار قبل إنتهاء مهلة التعبئة العامة الممدّدة حتى 12 نيسان المقبل، وهو أقفل النقاش في هذا الموضوع مع أي كان.
ويُسأل دولته: لو كان إبنه موجودًا في الغربة ومتروكًا لمصيره، لا حول ولا قوة له، هل كان سيعود عن قراره المتمسك به، وذلك بحجة عدم تكبير حجم المصيبة الواقع فيها لبنان أكثر مما هي عليه، وكان حري به أن يتخذ مثل هذه الإجراءات عندما سمح لأول طائرة آتية من قم وعلى متنها مصابون، أو تلك الطائرة الآتية من إيطاليا، وهل كان سيفتح المطار أمام الطائرة التي تقّل وحيده من عالم الغربة؟
سؤال يوجهه كل أب وكل أمّ لديهما أولاد في الغربة، وهم يقفون أمام هذه المأساة عاجزين عن فعل أي شيء للتخفيف من معاناة فلذات الأكباد، إلى المسؤول الأول في السلطة التنفيذية، وهو المتمسك بقرار إبقاء المطار مغلقًا في وجه أبنائه، الذين يعتقدون أن من واجب الدولة أن تهتمّ بأبنائها في الداخل وفي الخارج، من دون تفرقة أم تمييز، وأن يعطي الأمرلفتح المطار أمام جميع الذين يرغبون بالعودة السريعة إلى وطنهم، على شرط خضوعهم للحجر الإلزامي مدة 14 يومًا، وذلك خوفًا من نقلهم كورنا فايروس من حيث هم آتون.
هل كان من الضروري أن يلجأ الرئيس نبيه بري إلى لغة التهديد والوعيد، وهل كان من داعٍ لأن تقف كل الأحزاب، تقريبًا، ضد تعنت رئيس الحكومة، حتى يقبل بأن يفتح المطار أمام اللبنانيين الراغبين بالعودة، وبالأخص الطلاب في الدول الأوروبية، واللبنانيين الموجودين في الدول الأفريقية. ألم يكن يكفيه أن يستمع إلى صرخة الأمهات الخائفات على أولادهن؟
هذه هي حكومة القرارات الضعيفة، التي ستسقط عند أول هزّة، وهي واقفة "على صوص ونقطة"، ليس بقوتها بل بقوة من أتى بهأ.
قد يهمك ايضا:الدولة أضعف من الدويلات في زمن انتشار وباء "كورونا"
لبنان يعتمد على "خطّة إنقاذ" لانتشاله من أزمته الاقتصادية الطاحنة