بيروت - لبنان اليوم
كلام رئيس الجمهورية اللبنانية في مستهل جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس عن الجمهورية الثالثة لم يكن زلة لسان، على رغم سحبه من التداول وشطبه من محضر الجلسة، بل جاء نتيجة طبيعية لمسار طويل من الإخفاقات، التي رافقت مسيرة الجمهورية الثانية، وقد لمسها الرئيس ميشال عون عن كسب بعد تجربة ثلاث سنوات في الحكم، وبعد سلسلة من خيبات الأمل، وبعد مرحلة المراوحة السياسية، التي كان من بين نتائجها إنعكاسات خطيرة على المستويين الإقتصادي والمالي، اللذين يسيران بالتوازي مع الخط السياسي، الذي أتُبع منذ اللحظة الأولى لقيام الجمهورية الثانية، والتي أدى سوء الإدارة فيها، على كل المستويات، إلى ما يعانيه اللبنانيون اليوم، وهي نتيجة تراكمات لسياسات خاطئة قامت على أسس غير متينة، ساهمت في زعزعتها حقبة الوصاية السورية، وعزّزها إنخراط جميع المسؤولين تقريبًا في منظومة الفساد، التي أدّت طبيعيًا إلى النتيجة التي وصلت إليه حال البلد، وما يستتبعها من توالد الأزمات بعضها من بعض، لأن ما هو مبني على الباطل لا يمكن التأسيس عليه لمستقبل يدوم ويدوم.
في أغلب الظّن أن رئيس الجمهورية تقصدّ الحديث عن الجمهورية الثالثة، وهو أراد أن يطلقها كبالون إختبار لمعرفة ردود الفعل عليها في مرحلة لاحقة، خصوصًا أن التجارب المريرة التي كانت نتاجًا طبيعيًا لنهج الجمهورية الثانية لا تشجّع كثيرًا على الإستمرار في إنتهاج ما لم يؤدِ إلاّ إلى الكوارث، التي بلغت ذروتها مع حكومة "اللون الواحد"، التي لا تعرف كيف تخرج من خيوط العنكبوت الواقعة فيها، وسط تخبط عشوائي ظاهر وواضح، وقد تجّلى عند أول إستحقاق على مستوى المديونية العامة، التي تتطلب قرارًا جرئيًا، لأنه يشكّل مفصلًا مهمًّا في علاقات لبنان مع الخارج ومع الداخل، لأن القرار المتخذ سيترتب عليه نتائج كارثية بالنسبة إلى التصنيف الإئتماني، الذي سيكون عليه إستنادًا إلى القرار المتخذ.
فهل تقوم الجمهورية الثالثة على أنقاض إتفاق الطائف، الذي نقل لبنان من حال الحرب إلى حال سلمية غير مستقرّة بفعل مشروعية السلاح غير الشرعي، ووقوع لبنان في أفخاخ جرّه إلى مستنقعات حروب المنطقة، وهل تقوم بالتالي على اساس مؤتمر تأسيسي طالب به "حزب الله" في فترة من الفترات، ولا يزال يلوّح به بين الحين والآخر، كورقة ضغط لإحداث تغيير ما في البنية اللبنانية الممسوكة بخيط رفيع والقائمة على توازنات تخضع دائمًا لهزّات موسمية تأخذ أشكالًا مختلفة، ولكنها لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد التركيبة القائمة منذ العام 1943، على رغم ما أدخله إتفاق الطائف من تعديلات عليها عندما إنتُزعت بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية وأنيطت بمجلس الوزراء مجتمعًا، على رغم أن الأداء لاحقًا لم يكن على المستوى، الذي أراده إتفاق الطائف.
ليس خطأ في شيء أن يصار في مرحلة من المراحل وعندما يتحرّر اللبنانيون من الوصايات الخارجية والداخلية إعادة هيكلة النظام اللبناني، الذي قد يكون الحل الأنسب بدولة مدنية بكل تفاصيلها وجزئياتها. أما غير ذلك فيبقى في دائرة التفتيش عن الشمس في رابعة النهار، أو كم يحاول القبض على ظله.
قد يهمك ايضا:جلستان للحكومة اللبنانية والمجلس هذ الأسبوع
رئيس الجمهورية ترأس جلسة مجلس الوزراء والتقى قبلها بري ودياب