بيروت - لبنان اليوم
ألقى السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه عندما قال: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. إننا أحوج ما نكون إلى الأخذ بهذه الوصية الإلهية في ظل الكم الهائل الذي يردنا من البيت الإعلامي، وما يتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن التصريحات والخطابات، بأن ندقق ونتثبت ونتبين، ونتأكد أن ما يقال صحيح ودقيق قبل أن نحكم على أحد، أو نصدر قرارا فيه، أو نتخذ موقفا منه، حتى نحافظ على صفاء عقولنا وقلوبنا، فلا يتلاعب بنا الآخرون، ونكون عادلين لا نظلم أحدا، ولا نضطر إلى أن نعتذر في الدنيا أو عندما نقف بين يدي الله أمام من أسأنا إليهم أو ظلمناهم، ولا يقف هذا التبين والتدقيق عند الذين نلتقي معهم في الدين أو المذهب أو السياسة، فنحن معنيون بأن نتثبت حتى مما يردنا عن الذين نختلف معهم، حيث يقول الله سبحانه في ذلك: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} {وإذا قلتم فاعدلوا}. وبذلك نصبح أكثر وعيا ودقة، وأقل أخطاء، وأكثر احتراما بين الناس وفي المجتمع، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات".
وقال، "البداية من لبنان، الذي يستمر فيه الحراك الشعبي الذي غطى مساحات واسعة من هذا البلد، وهو تعبير صادق عن وجع اللبنانيين وعدم قدرتهم على تحمل ضرائب جديدة استسهلت الدولة فرضها عليهم من دون أن تأخذ بعين الاعتبار معاناتهم اليومية لتلبية أبسط احتياجاتهم من الماء والكهرباء والطبابة والتعلم والدواء والسكن، في ظل عدم توفر فرص العمل، وإن توفرت، فهي لا تكفي لتأمين عيش كريم لهم".
وأضاف، "هذا الحراك صرخة مدوية في وجه القوى السياسية التي أدمنت الفساد والهدر والصفقات والسمسرات والاستهتار بمقدرات الدولة والمال العام، والذي لم يعد خافيا على الناس، حيث تتناقله بشكل يومي نشرات الأخبار، ويتم تداوله على مواقع التواصل، والذي أوصل البلد إلى حافة الانهيار.
وتابع، "لقد جاء الحراك الشعبي ليقول لكل هذه القوى السياسية التي ساهمت بالفساد أو سكتت عليه: كفى، نريد وطنا تحترم فيه كرامة الناس وكفاءاتهم وإمكاناتهم، ويعمل من يحكمونهم لخدمتهم، لا لحسابهم الخاص ولتضخيم ثرواتهم أو لحساب جماعتهم، ممن يسبحون ويمجدون بحمدهم، أو لحساب مواقعهم السياسية، وإن وسعوا الدائرة فلحساب طوائفهم. ولعل أهم ما يميز هذا الحراك وسر قوته أنه جاء خارج الاصطفافات التي عهدناها في لبنان؛ الاصطفافات الطائفية والمذهبية والسياسية، حيث شهدنا ونشهد فيه وحدة وطنية حقيقية كنا دائما نؤكدها وندعو إليها ونعمل لها، بعدما مزقت قوى المحاصصة والفساد الناس وجعلتهم طوائف ومذاهب متنازعة وأضعفتهم وشتتت قواهم".
وقال، "واستطاع الحراك بفعل وحدته وصوابية مطالبه وابتعاده عن أي ارتهان لأي من القوى السياسية، أن يحدث هزة في الواقع السياسي كانت السبب في دفع الحكومة إلى التنازل عن الضرائب التي كانت تريد فرضها على الناس، وأن يسقط الكثير من الجدران التي كانت تقف حائلا دون أي إصلاح. وكان من نتيجته الورقة الإصلاحية، التي، وإن لم تكن بمستوى الطموحات ومطالب الناس، لكنها إن نفذت أو كانت قابلة للتنفيذ، فهي تفتح الباب للاصلاح".
واردف فضل الله، "لقد أكد هذا الحراك قدرة الشعب، إن هو تحرك، على تحصيل حقوقه والوصول إلى مطالبه، وهو ما ينبغي أن يكون دافعا له، ليكون ما حصل ليس هبة، بل خيارا له لمتابعة تنفيذ الوعود الإصلاحية والوصول إلى مطالبه. ونحن أمام ما يجري، نجد أنفسنا، وانطلاقا من إيماننا وقيمنا ومبادئنا وكل التاريخ الذي نحمله وتربينا عليه، معنيين بهذا الحراك، ننحاز إليه كما ننحاز إلى أي صوت يدعو إلى حفظ كرامة الإنسان ويقف في وجه الظلم والفساد ونهب المال العام. ومن هنا، فإننا وقفنا مع هذا الحراك، ودعونا الدولة إلى أن تصغي جيدا إلى هؤلاء الناس، إلى وجعهم وألمهم ومعاناتهم، وأن تبادر إلى خطوات جدية سريعة تشعر هؤلاء الناس بأن الدولة جادة في تلبية احتياجاتهم ومتطلبات عيشهم الكريم، وفي محاربة كل ما تعانيه من فساد، وأنها ستحاسب الفاسدين، ولن تمنحهم بعد اليوم أي غطاء. ومن هنا، فإننا رأينا إيجابية في الرزمة الإصلاحية التي صدرت عن الحكومة بفرض ضرائب على أرباح المصارف، واستعادة حقوق الدولة في الأملاك البحرية وقروض الإسكان، وخفض رواتب المسؤولين، وفيما ورد في خطاب رئيس الجمهورية بدعوته إلى الحوار، وإعلانه الإسراع في العمل على رفع الحصانة عن كل المسؤولين السابقين والحاليين من الرؤساء والوزراء والنواب، والمباشرة بالمحاسبة، واسترداد الأموال المنهوبة، وأن يكون ذلك من خلال عدم التدخل في أحكام القضاء".
وتابع، "إننا في الوقت الذي وقفنا مع هذا الحراك، كنا ولا نزال نخاف من الشارع ومن السارقين له، وأن يؤخذ لحسابات داخلية ويوظف في إطار الصراع الداخلي أو لأجندات خارجية. ومن هنا، نتوجه إلى الجميع ليكونوا واعين، وأن لا يسمحوا باستغلال حركتهم ومسيرتهم، أو أن يجرهم البعض لحساباته، وأن لا يسمحوا للفاشلين بأن يخربوا حركتهم، ولا للسبابين والشتامين بأن يشوهوا حراكهم، أو يدخلوهم في عملية تصفية حسابات سياسية أو حزبية، أو يوجهوا اتهامات غير مسؤولة إلى شخصيات حمت لبنان وكانت صمامات أمان في هذا البلد. نريد لكم أن تقدروا ظروف البلد بدقة في هذه المرحلة، وأن تكون الأهداف التي تطرحونها أهدافا واقعية بعيدا عن الشعارات الفضفاضة، وأن تستمروا في مواقعكم الاعتراضية لتراكموا الإنجاز تلو الإنجاز في معركة الإصلاح".
وفي الختام دعا إلى "الحذر ممن يريدون إشغالكم بمعارك هامشية لتقسيم هذا الحراك وإفقاده قوته، أو تحويلكم إلى أداة لضرب مواقع القوة في هذا البلد، فالتكامل هو الذي ينبغي أن يحكم علاقة الذين يواجهون الفساد بالذين يقاومون العدو، فكل منهما ينبغي أن يكون عونا للآخر وقوة له. إن البلد أحوج ما يكون في هذه المرحلة إلى تعزيز عناصر القوة فيه، لا إلى زيادة الشرخ بين مكوناته، لمواجهة الواقع الصعب الذي يعانيه البلد، فأزمات البلد كبيرة وحادة، ولا تعالج إلا بتعاون كل أبنائه، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع للوصول إلى حل سريع، حتى لا يسقط الهيكل على رؤوس الجميع".
قد يهمك ايضا
"الديموقراطي" يؤكد أن ما حققته الشعب في أيام عجزت الطبقة السياسية عن تحقيقه لعقود