بغداد - العراق اليوم
أكد تقرير أعدَّته مفوضية حقوق الانسان أن اشتعال أعشاب وأدغال بالقرب من موقع معمل كبريت المشراق هو السبب في حدوث كارثة كادت ان تنهي حياة العشرات من البشر.
وأشار إلى أن المسؤولين في الموقع تجاهلوا تحذيرات سابقة بضرورة تنظيف المنطقة المحيطة في الموقع من الأعشاب والأدغال تلافيا لاحتراقها، وهو ما لم يحصل، كما لفت إلى أن مسؤولين في الموقع يخزنون ما يقارب مليوني طن من الفلوم بطريقة غير صحيحة الأمر الذي كاد ان يتسبب باحتراقه خصوصا بعدما دخلت النيران مبنى الشركة.
وكشف التقرير الذي سلمه عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي إلى وسائل اعلام عن تفاصيل الحريق الذي بدأ من الأدغال والأعشاب المحيطة بمقر الشركة العامة لكبريت المشراق قرب القيارة جنوبي الموصل ليتفاقم وصولا إلى داخل الشركة.
ويبين التقرير الذي أعدَّه فريق المفوضية في نينوى، أنه في خضم مسلسل حرائق الأراضي الزراعية لمحصولي الحنطة والشعير الذي تعيشه نينوى منذ قرابة الشهرين، امتدت تلك الحرائق لتصل إلى معمل كبريت المشراق والذي يُعد أكبر مناجم استخراج الكبريت في العراق، بل في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة.
ويؤكد التقرير أن هذا كله يُنذر بحدوث كارثة بيئية في ظل غياب الدعم الحكومي لمرافق ومؤسسات محافظة نينوى تجاه التصدي لهكذا أزمة بيئية تهدد حياة الإنسان مع وجود ملايين من أطنان مادة الكبريت، والفوم الكيماوية منتشرة، ومبعثرة في مساحات شاسعة من موقع الشركة العامة لكبريت المشراق.
ونوَّه الفريق، إلى أنه لم يتم اتخاذ أية إجراءات حقيقية، في احتواء المواد المذكورة "الكبريت، والفوم الكيماوي"، وعزلها بطريقة فنية من قبل الجهات المعنية للحيلولة، دون حدوث أزمات، وكوارث جراءها، حيث اندلعت الحرائق بتاريخ 26 حزيران الماضي، في محيط الشركة إحدى تشكيلات وزارة الصناعة والمعادن، والتي تبعد عن مركز مدينة الموصل بنحو 70 كم، وقريبة من الحدود الإدارية لناحية الشورة، جنوبي مركز محافظة نينوى.
وحدد فريق المفوضية العليا لحقوق الإنسان، أن سبب الحريق هو اشتعال أعشاب، وأدغال بالقرب من موقع الشركة، والتي تحتوي على ملايين الأطنان من مادة الكبريت حيث يوجد في المعمل ما يقارب من "2000.000" طن من مادة الفوم المنتجة في المعمل، والتي في حال وصول الحريق إلى تلك المادة فأنه من الممكن أن تؤدي إلى انبعاثات غازية سامة، وخطيرة.
وامتدت النيران إلى داخل أسوار موقع الشركة، واحتراق نفايات الكبريت المنتشرة، وبشكل عشوائي في الموقع، وبلغت المساحة التي نشبت منها الحرائق ما يقرب من 250 دونما "الدونم يساوي ألف متر مربع" من اراضي تحتوي على الأعشاب والأدغال المتيبسة، والقريبة من محيط المعمل.
وولدت الحرائق سحبا كثيفة من الدخان، والغازات السامة المنبعثة من معمل كبريت المشراق، الأمر الذي أجبر أهالي القرى القريبة من موقع الحادث على النزوح بشكل جماعي من قراهم، ومناطقهم، وخاصة من قرى "تلول ناصر"، و"السفينة"، وبعض أهالي ناحية الشورة الواقعة في جنوب الموصل.
كما أن تلك الغازات والدخان المنبعث المصاحب لاحتراق الكبريت، ومخلفاته تعتبر مواد خطرة على المحاصيل الزراعية والأشجار، والبساتين في حال انتشارها، وتوسعها في الأفق، وهو ما حصل في عام 2003عند سقوط النظام السابق إثر الاجتياح الأمريكي للعراق، عندما شهد معمل كبريت المشراق حرائق هائلة استمرت غازاتها، وأدخنتها قرابة الشهر، وقد أتلفت الكثير من الأشجار والبساتين، والمحاصيل الزراعية، وتوسعت رقعتها حتى انتشرت في سماء مدينة الموصل.
وأشاد التقرير، بتوجه فريق من الدفاع المدني في نينوى، وعلى وجه السرعة إلى موقع الحريق لمكافحة النيران، ومنع وصول الحرائق إلى مادة الفوم، وبسبب الدخان الكثيف تعرضت إحدى سيارات الفريق لحادث أثناء عملية إطفاء وإخماد الحرائق، والغازات، ما أدى إلى مصرع أحد المنتسبين، وإصابة 3 آخرين بالحادث، إضافة إلى تعرض 2 من المنتسبين لحالات الاختناق، مع تضرر سيارة إطفاء من جراء الحادث.
ساهمت إحدى المنظمات الإنسانية وهي "منظمة كوين"، بتوفير الآليات الحوضية، والشفلات عبر تأجيرها، وإرسالها إلى موقع الحادث بالتنسيق مع مديرية الدفاع المدني للمساعدة في إطفاء الحرائق، كما قامت، مع أهالي المناطق القريبة من محل الحادث، بتقديم دعم غذائي "وجبات طعام" لفرق الإطفاء والإنقاذ، في موقع إخماد الحريق. وذكر التقرير، أن عدد الآليات العاملة في موقع الحادث حينها، قد بلغ 28 آلية حوضية، وإطفاء، وإنقاذ، وقلابات، وشفلات، هي :14 سيارة من الدفاع المدني لنينوى، و4 سيارات من الدفاع المدني لإقليم كردستان من أربيل، ودهوك، و5 سيارات من دفاع مدني صلاح الدين، و3 سيارات من كركوك، و3 من بغداد الكرخ، و3 من الرصافة.
أكد التقرير، تشكيل لجنة تحقيقية في ملابسات حادث احتراق معمل كبريت المشراق، وأن أسباب الحريق مجهولة حتى هذه اللحظة، والتحقيق هو من اختصاص مديرية شرطة نينوى، ومديرية الأدلة الجنائية، ويساعدها عدد من الجهات الحكومية، ومنها مديرية الدفاع المدني في المحافظة. ونقل التقرير عن مدير شعبة العمليات، توضيحه أنه سبق وأن قامت مديرية الدفاع المدني شعبة العمليات والاستجابة بإجراءات تعميم إلى جميع الدوائر، والمولدات في نينوى، وقبل موسم الحصاد، وحلول فصل الصيف للعمل على قطع الأعشاب القريبة من الدوائر، والمولدات، والتي قد تؤدي إلى حدوث الحرائق بعد تعرضها للجفاف لكثرة انتشار الأعشاب والأدغال في المناطق، والأراضي الزراعية بسبب موسم الأمطار الجيد للعام الحالي 2019.
وأفاد الفريق، أنه لم يتم الأخذ بنظر الاعتبار أهمية توجيهات، وإرشادات الدفاع المدني في نينوى لهذا الموضوع من قبل غالبية الجهات الحكومية إلا بعد وقوع المحذور.
وأضاف "كما أن الشركة العامة لكبريت المشراق، لم تتخذ التدابير الاحترازية في منع وقوع هذه الحوادث البيئية على خلفية كارثة حريق عام 2003 حيث كان من المفترض الاستفادة من هذه الأخطاء، والعمل على احتواء، وتخزين تلك المواد الكيماوية بطرق فنية، وبعيدة عن مصادر الخطر". والتقى فريق الرصد، جمال يونس عبد الرحمن، مدير قسم الإدارية والمالية ولدى سؤالهم له عن عدد حالات الوفاة، والإصابة، والاختناق من جراء انبعاث الغازات السامة من جراء الحريق، أجاب أن هناك حالة وفاة واحدة لمنتسب من الدفاع المدني حيث تم نقل الجثة إلى الطب العدلي. وأضاف عبد الرحمن، وحصول 12 حالة اختناق بسبب انبعاث الغازات السامة، تمت إحالتهم إلى مستشفى حمام العليل الميداني، وبعد إجراء الإسعافات الأولية لهم خرجوا جميعهم من المستشفى.
وذكر تقرير فريق الرصد، المشاكل التي تواجهها مديرية الدفاع المدني في نينوى، والمتمثلة بقلة الآليات، والإمكانيات "كوادر بشرية، وعجلات إطفاء، ومعدات إنقاذ، وغيرها من وسائل الدعم".
ويوضح التقرير، انه في كل كارثة، وهو ما رصده مكتب نينوى سواء في موسم الفيضانات، أو عمليات الإنقاذ، وانتشال الجثث، وحرائق أراضي المحاصيل الزراعية، وحريق معمل الكبريت، يتم إسناد مديرية الدفاع المدني في المحافظة بفرق دفاع مدني من بعض المحافظات لمواجهة الأزمة وهذا ليس بحل ناجح لمواجهة الكوارث في محافظة تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد سكانها، ومساحتها، ومناطقها، وثقلها بين محافظات العراق بصورة عامة.
ووضع فريق المفوضية، خمس نقاط للتحليل، والنتائج في تقريره وهي: ضعف الدعم الحكومي المركزي لمديرية الدفاع المدني ناهيك عن الوعود التي سبق وأطلقها المجتمع الدولي والدول المانحة في تقديم المساعدات والإمكانيات للمناطق المحررة في عملية إعادة الإعمار والبناء للبنى التحتية، والمؤسسات الحكومية التي بحاجة إلى وسائل العمل في تقديم الخدمات للمواطنين.
ثانيا، تابع مجلس المحافظة لجنة الخدمات والإعمار، واللجنة القانونية مجريات حادثة حريق كبريت المشراق من خلال التواجد، والتنسيق مع الجهات المعنية، وتوفير المستلزمات الضرورية لمكافحة الحرائق. ثالثا، تشكيل غرفة عمليات إطفاء حريق كبريت المشراق بتاريخ 26 حزيران، بناء على أمر محافظ نينوى، وبرئاسة عبد القادر الدخيل، مدير مديرية بلديات نينوى، وعضوية ممثل عن مجلس المحافظة، ومدير معمل كبريت المشراق، ومدير ناحية الشورة، ومدراء أقسام من الجيش، والشرطة، وفرق تطوعية، والذي أعلن انتهاء وإطفاء حريق المعمل بتاريخ 28. رابعا، عدم قيام الشركة باتخاذ إجراءات احترازية بتخزين، واحتواء مادة الكبريت، ومخلفاته في أماكن، وقواطع لحفظ هذه المواد الكيماوية بعيدا عن مصادر النيران، والخطر، ولم تتم الاستفادة من نتائج وآثار حريق عام 2003. وأخيرا، تم إخلاء المتوفين، والمصابين إلى المستشفيات عبر تواجد فرق عجلات الإسعاف، والمسعفين في موقع الحادث، ونقلهم إلى اقرب مستشفى قريب من محل الحادث لتلقي العلاج اللازم. كما أوصى فريق المفوضية العليا لحقوق الإنسان في ختام تقريره، بـ6 توصيات، أولها مفاتحة رئاسة الوزراء لغرض تجهيز مديرية الدفاع المدني في نينوى ب
ما يلي: توفير الآليات، والمعدات والمستلزمات الخاصة بمعدات السلامة وإطفاء الحرائق. وثانيا تعيين موظفين للعمل في مديرية الدفاع المدني بصفة إطفائي، والعمل على توفير طائرات خاصة بإطفاء الحرائق، والإنقاذ، وذلك بسبب المساحات الزراعية الواسعة في نينوى والتي يتعذر على الآليات برا الوصول إليها في الوقت المناسب أثناء حدوث الحرائق.
وفي توصيته الثالثة، أكد على مفاتحة وزارة الصناعة والمعادن لغرض توجيه الشركة العامة لكبريت المشراق باتخاذ التدابير الاحترازية لمنع وقوع حوادث حرائق مادة الكبريت مستقبلا.
ورابعا مفاتحة محافظة نينوى للعمل على توفير احتياجات مديرية الدفاع المدني من آليات، ومعدات، ومستلزمات خاصة بإطفاء الحرائق، وخامسا، متابعة نتائج التحقيق بالحادث مع محافظة نينوى ومديرية شرطة نينوى، ومجلس المحافظة / اللجنة القانونية. وشدد الفريق في توصيته السادسة، على ضرورة تقديم كتاب شكر، وتقدير إلى منتسبي مديرية الدفاع المدني الذين شاركوا في إطفاء الحرائق بسبب ما قدموه من جهود جبارة، وبإمكانيات بسيطة.
قد يهمك ايضا