بيروت-لبنان اليوم
يُمكن وصف ما شهده الشهر الماضي من تحركات شعبية جارفة في لبنان والعراق وتشيلي والإكوادور بأنه "تشرين الغضب الشعبي"، ويختزل البعض ما يجري بالقول إنّها معركة لقمة العيش في وجه جشع الأغنياء، إلاّ أنّ الأسباب التي "أيقظت" هذه الشعوب مختلفة على الرغم من قاسم الهم المعيشي المشترك، أو على الأقل هذا ما يؤكده الأكاديمي الأميركي البارز المتخصص في مجال اللامساواة الاقتصادية برانكو ميلانوفيتش.
وحدّد ميلانوفيتش في تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ"، سببيْن للاحتجاجات: الفروقات الحادة بين الأغنياء والفقراء أولاً، والغضب من الطبقة السياسية الحاكمة، ثانياً. وفي حين رأى ميلانوفيتش، الاقتصادي السابق في البنك الدولي، أنّ الهوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء في أميركا اللاتينية تساعد على فهم سبب الاحتجاجات التي اندلعت في تشيلي الشهر الماضي (اندلعت الاحتجاجات على خلفية زيادة على رسوم مترو سانتياغو. وعلى الرغم من تعليقها والإعلان عن تدابير اجتماعية، اتسعت رقعتها، حيث أُعلن عن إضراب عام في 23 تشرين الفائت)، أكّد أنّ الوضع في الشرق الأوسط مختلف.
وتعليقاً على نجاح المحتجين في إجبار القادة في لبنان والجزائر على الاستقالة وإسقاطهم النظام في السودان ودفعهم بحكومة العراق إلى حافة الانهيار، قال ميلانوفيتش: "لا أعتقد أنّه يمكننا تغليفها (الاحتجاجات) بغلاف اللامساواة (الاقتصادية) نفسها"، متحدثاً عن إحساس المحتجين في هذه البلدان بأنّهم "مقصون" من "عملية صناعة القرار الهادفة، من أي نوع كانت". وقال ميلانوفيتش: "ثمة تعب ما"، مضيفاً: "يشعر الناس بأنّ أحداً لا يهتم لأمرهم، فممثلوهم السياسيون منشغلون بإثراء أنفسهم أو عولميون للغاية".
بالعودة إلى "الاضطرابات في بلدان أميركية اللاتينية مثل تشيلي والإكوادور"، لفتت الوكالة إلى أنّها استهدفت الحكومات الصديقة للأسواق على خلفية تدابير اتخذتها لرفع كلفة معيشة الشعوب الأقل قدرة على تحمل تكاليفها. أمّا في الأرجنتين، فقالت الوكالة إنّ أبناءها طردوا رئيساً فرض تدابير تقشفية وصوتوا في المقابل لشعبوي يساري وعد باقتصاد أكثر مساواة.
وحدّدت الوكالة نوعين من اللامساواة، قائلةً: "تتصف الهوة بين الأغنياء والفقراء بين البلدان بأنّها أكثر حدة في الشرق الأوسط"، ومثال على ذلك الدول النفطية واليمن، مستدركةً بأنّ اللامساواة بين دول الشرق الأوسط أقل عموماً بالمقارنة مع أميركا اللاتينية: فغالباً ما توزع الحكومات الغنية بالطاقة حصة من عائداتها على مواطنيها.
ويكمن الفرق بين شعوب الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية على المستوى السياسي. ففي حين يستطيع المواطنون في أميركا اللاتينية التصويت لصالح تغيير السياسة، تثير الأنظمة في الشرق الأوسط غضب الشعوب عبر تقديم الديمقراطية فارغة من مضمونها، بحسب الوكالة. ويقول ميلانوفيتش: "يدعونك للانتخابات، إلاّ أنّهم لا يهمتون لمن أدليت بصوتك بشكل أساسي".
في ما يتعلق بلبنان والعراق، أشارت الوكالة إلى أنّ البلديْن يجسدان نوعاً آخر من أنظمة الشرق الأوسط، وهي أنظمة ولدت نتيجة الحرب بشكل أساسي. وقالت الوكالة: "حُلّت النزاعات بين المجموعات الدينية أو الإثنية عبر منح كل منها حصة في الحكومة، أو نخبة في كل من هذه المجموعات على الأقل"، مبيّنةً أنّ المحتجين يتهمون هؤلاء اليوم بإثراء أنفسهم وزبائنهم.
وأكّد ميلانوفيتش أنّ أنظمة كهذه تشجع على الفساد، لأنّها قائمة على تحالفات دائمة بشكل أو بآخر، محذرا من أنّ تفكيكها من دون المخاطرة بالانزلاق مجدداً إلى النزاعات غير ممكن.
قد يهمك أيضاَ جورج حايك يتساءل عن سبب خوف المسؤولين من وصول حكومة تكنوقراط