لندن - لبنان اليوم
إتفاق بكين سيجعل السعوديين أقوى في اليمن، وتدريجاً سيتراجع نفوذهم من العراق إلى سوريا فلبنان. وعلى العكس، الاتفاق سيجعل الإيرانيين أقوى في لبنان، وتدريجاً سيتراجع نفوذهم من سوريا إلى العراق فاليمن. ومن هنا، تبدأ قراءة تداعيات الاتفاق إقليمياً.سُئل خبير في الشؤون الفرنسية عن موقف إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون من الاتفاق السعودي- الإيراني، وعن مصير مبادرته تجاه لبنان بعد هذا الاتفاق، فقال: حتى اليوم، كان الفرنسيون يعتقدون أنّهم قادرون على الاضطلاع بدور الوسيط في الصراع العنيف بين إيران والأميركيين، وأنّهم بنهجهم الدولي الذي يمتاز بتوازنه، يوفّرون الحماية لأصدقائهم في الخليج، ولاسيما المملكة العربية السعودية، في مواجهة الاهتزازات السياسية والأمنية.
ولكن، بعد الاتفاق، باتت بكين هي الشريك الأقرب إلى الطرفين في الشرق الأوسط، لا باريس. وحتى في لبنان، سيتمّ الاستغناء عملياً عن المبادرة الفرنسية ما دام الطرفان قد تفاهما على معالجة الأزمات مباشرة.لا يعني ذلك أنّ فرنسا «تعتاش» في لبنان على الأزمات، وأنّها تجد مصلحة في استمرارها. وعلى العكس، هي الطرف الدولي الوحيد الذي لا يدَّخر جهداً لحلحلة الأزمات، من حرب أوكرانيا إلى الملف الإيراني إلى لبنان. لكن ما يقلقها هو أن يتنكَّر المتصارعون لدورها ويتخلّوا عنها في اللحظة الحاسمة، انصياعاً لمصالح الأقوياء.
على الأرجح، سيستثمر الأميركيون خوف فرنسا من الوساطة الصينية لاجتذابها إلى جانبهم في المواجهة. فواشنطن مصدومة بالاتفاق. وقد أعلنت أنّ الحليف السعودي «أخبرنا أنّه يفاوض الإيرانيين، لكننا فوجئنا بالاتفاق». وما تجنَّب الأميركيون قوله هو أنّ السعودية لم تبلغهم بأنّ المفاوضات تدور في بكين، لا في بغداد، وبهندسة صينية كاملة.
لذلك، يترقّب المراقبون جيداً ردّ فعل واشنطن وباريس على الاتفاق. فالأميركيون يمتلكون أوراقاً لا حصر لعددها ولا حدود لقوتها على مستوى الشرق الأوسط ككل، وفي استطاعتهم ممارسة الفيتو والتعطيل. ومن هذه الأوراق أن يمنحوا الضوء الأخضر لبنيامين نتنياهو للقيام بالتصعيد ضد إيران، بعدما كانوا حتى اليوم يحذّرونه من مغبة القيام بعمل طائش، ومن دون التنسيق معهم.
وفي ضوء هذه المعطيات، يجدر التفكير في المسار الذي سينتهجه الوضع في لبنان خلال الفترة المقبلة، وفي ما إذا كان الاتفاق السعودي- الإيراني سينجح فعلاً في تسهيل التسوية في لبنان، بدءاً من رئاسة الجمهورية والحكومة وصولاً إلى إحداث خرق في جدار الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة. وثمة أسئلة تُطرح في هذا المجال:
1- إذا قرّر السعوديون تنسيق الخطى مع واشنطن وباريس في لبنان، فهل ستقبل إيران بذلك؟ وإذا قرّروا عدم التنسيق، فهل سيسمح الأميركيون والفرنسيون بإنجاح هذه الخطى؟
2 – إذا قام السعوديون والإيرانيون بترجمة اتفاقهم في لبنان، بتشجيع صيني، فهل سيواصل الأميركيون توفير التغطية الدولية للبنان وحكومته واقتصاده وجيشه ولما بقي من قطاعه المصرفي، أم سيُمعنون في معاقبته، ويقطعون الحبل به في منتصف البئر؟
3 – هل سيبقى متاحاً للبنانيين أن يبرموا الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسائر المؤسسات الدولية التي «يمون» عليها الأميركيون؟
4 – هل يتوقع لبنان أن تقوم شركة «توتال»- وهي فرنسية وللأميركيين رصيد فيها- ببدء التنقيب والاستخراج من البلوك 9، بدءاً من أواخر أيلول المقبل؟
إذاً، مسار الاتفاق السعودي- الإيراني في الشرق الأوسط، ولبنان خصوصاً، ليس سالكاً وآمناً تماماً. وقد تجد إيران أنّها في صدد استفزاز واشنطن في المنطقة، بدعم من الصين وروسيا، فيما يحاذر السعوديون استفزاز الحليف الأميركي على رغم كل شيء، وهاجسهم هو إخراج المملكة والخليج من مأزق التطاحن بين الشرق والغرب، خصوصاً أنّ ملف أوكرانيا مرشح للاتساع، وأنّ حكومة نتنياهو تضغط للتفجير.
وفي هذا السياق، تندرج أيضاً مساعي السعوديين للتطبيع مع دمشق. فالقمة العربية المفترض عقدها في الرياض، قبل 30 آذار الجاري، قد تشهد مشاركة الرئيس بشار الأسد. والاتفاق السعودي- الإيراني نجح في إزالة العقبة الأساسية التي تعترض عودة الأسد إلى الجامعة العربية، وهي الابتعاد عن إيران. فالسعوديون والإيرانيون وفّروا على الأسد عناء فك الارتباط بين الطرفين في سوريا، كما في اليمن والعراق، ولبنان ايضاً.
وفقاً للاتفاق، سيضمن السعوديون خاصرتهم الخليجية بالتأكيد. لكنهم ربما يتركون للولايات المتحدة أن تتدبر أمر المواجهة مع إيران في لبنان، أي على شاطئ المتوسط. كما يتركون لإسرائيل أن تحلّ مشكلة التماس مع إيران على حدودها الشمالية. فهل تقع مواجهة بين إيران وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل في لبنان، أم يخترع الجميع مقايضة معينة تمنع الانفجار؟في اعتقاد البعض، أنّ اتفاق بكين سيعيد لبنان إلى معادلة السعودية- إيران (س-أ) أو السعودية- سوريا (س- س)، مع أرجحية قوية لإيران.
ولكن للتذكير، كل المعادلات التي تحكّمت بلبنان منذ اتفاق الطائف كانت تحظى دائماً بتغطية الولايات المتحدة وفرنسا. ولا بدّ من هذه التغطية اليوم، إذا كانت معادلة السعودية- إيران وسوريا راجعة، وإلّا فإنّ المواجهة ستصبح أمراً محتوماً على الرقعة اللبنانية. وفي هذه الحال، سيكون اتفاق بكين فتيل تفجير جديد لا مفتاحاً للتهدئة والتسوية.
قد يهمك ايضاً