الهجمات الإرهابية على باريس

كشف تقرير لصحيفة بريطانية، أن جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا تضاعفت إلى ضعفين في العامين الماضيين لتصل 878 جريمة مع نهاية 2015، وسجلت مضابط الشرطة البريطانية 146 حالة اعتداء على المسلمين الشهر الماضي، و122 اعتداء في الأسبوعين التاليين لوقوع الهجمات الإرهابية على باريس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وسلط تقرير خاص لصحيفة "الديلي ميل" الضوء على شعور كبير بالخوف في أوساط المجتمع المسلم في المملكة المتحدة، وخاصة النساء اللائي قلن في التقرير إنهن قلقات على سلامتهن الشخصية و"واعيات جداً بضرورة السير في الطرقات ورأسهم إلى أسفل" كناية عن إبداء الخضوع حتى لا يتعرضن للهجمات.

وتشير الأرقام التي حصلت عليه صحيفة "ديلي ميل" عبر قانون حرية الوصول للمعلومات من شرطة لندن "ميتروبليتان" أظهرت وقوع 557 جريمة كراهية ضد المسلمين في عام 2013 و624 جريمة في عام 2014، وأن الرقم قفز إلى 878 في عام 2015. وتشمل قائمة أنواع جرائم الكراهية هذه الاعتداء الجسدي أو إلحاق الضرر بالممتلكات أو الترهيب والمضايقات والشتائم والإهانات، إضافة إلى رسائل البريد التي تحتوي على قدر من الكراهية. يشار إلى أن التعداد السكاني الأخير أظهر أن تعداد المسلمين في لندن العاصمة وحدها وصل 1012823 شخصاً.

ويرى فائز مغول مدير مجموعة قياس الهجمات المعادية للمسلمين للصحيفة، في تقريرها الخاص عن قضية الإسلام فوبيا في بريطانيا، أن ارتفاع عدد الاعتداءات بوتيرة عالية هو نتيجة للقضايا التي تعصف بالمجتمعات الإسلامية في الشرق، وقال "منذ عام 2013 عندما قتل إرهابي الجندي رغبي في مدينة لندن ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين، وهو ما استفاد منها اليمين المتطرف لإثارة الكراهية ضد المسلمين، ثم أتت حادثة "شارلي ايبدو" وهجمات باريس وصعود تنظيم "داعش"، فضلاً عن أزمة اللاجئين السوريين التي أثرت في تصورات الناس على نطاق واسع".

وأضاف فائز "في كل هذه الحوادث، فإن الثابت هو أمر واحد يتمثل في الصورة السلبية عن المسلمين والمجتمعات الإسلامية". وأوضح أن ضحايا العنف ضد المسلمين، يقولون إن لغة الكراهية ضدهم بشكل عام صارت أكثر عدوانية، وأن النساء المسلمات خاصة يشعرن بالخوف والنظرات السلبية أكثر من غيرهن على مستوى الشارع البريطاني.

وكانت حوادث الكراهية ارتفعت بشكل ملحوظ في أعقاب هجمات باريس الدامية يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني، وكانت أكثر الحوادث مأساوية، بحسب الصحيفة، عندما تعرضت امرأة حامل ومسلمة لاعتداء عنصري من رجل كان في حالة سكر عندما نعتها بأنها "إرهابية" وشرع في مهاجمتها وهو يردد ألفاظاً نابية صارخاً فيها بأن تعود من حيث أتت، واستمر في حالة الهيجان هذه لمدة 15 دقيقة داخل الباص، وعندما صرح بأنه سيضربها واقترب منها تدخل أحد الركاب وساعدها وأبعد الرجل عنها.

وشهد الأسبوع نفسه قيام رجل بإلقاء "عبوة" تحتوي على مواد حارقة على مسجد فينسبري بارك، الذي ارتبط بأذهان سكان لندن بالتطرف، عندما كان يخطب فيه منذ عام 1990 المتطرف "أبو حمزة المصري" الذي حكم عليه في وقت سابق من هذا العام بالسجن مدى الحياة من قبل قاض في نيويورك. وارتبط المسجد أيضاً بهجمات "شارلي ايبدو" عندما تحدثت تقارير أن الإرهابي شريف كواشي أحد المسلحين الذين شاركوا في الهجوم، تلقى دروساً في المسجد من قبل جمال بيجال المنتمي لتنظيم "القاعدة".

وفي حادثة أخرى أكثر فظاعة بعد هجمات باريس مباشرة تعرضت امرأة مسلمة كانت ترتدي الحجاب إلى لكمات في رأسها، وأجبرت بالقوة على مغادرة الباص، الذي كانت تستقله جنوبي لندن من قبل اثنين من الركاب الذين كانوا يتفوهون بعبارات معادية للإسلام.

وتقول شابيستا جوهر رئيسة شبكة المرأة المسلمة في المملكة المتحدة، إن النساء اللائي يرتدين الحجاب يتعرضن بشكل واضح للانتهاكات وقالت:"النساء المسلمات بعد هجمات باريس بتن أكثر خوفاً على سلامتهن، وهن الأكثر عرضة للانتهاكات" وأوضحت "يعتقد الناس بما أنهم مسلمات أو مسلمون فإنهن من داعش مع أننا كمواطنين عاديين نلتزم بالقانون، وندين بشكل قاطع الهجمات التي يقوم بها التنظيم والهجمات التي تقع علينا".

وفي أكثر الحالات التي شكلت صدمة للمجتمع البريطاني، قامت مجموعة من الشباب الجامحين والهائجين بسكب "الكحول" على جسد امرأة مسلمة تدعى "حراء" عندما كانت في القطار وسط هتاف الشباب "نحن عنصريون ونحن نحب أن نكون عنصريين" ثم طلبوا منها أن ترفع ملابسها ليروا إن كانت تحمل قنبلة معها.

وفي حادث آخر، وقع في باص في حي برنت في لندن، كشفت لقطات فيديو قام بتصويرها ونشرها أحد الركاب، تظهر قيام جوزيف سايمون (36 عاماً)، وهو يتلفظ بألفاظ وشتائم نابية ضد حنان اليعقوبي (34 عاماً)، التي كانت برفقة صديقتيها، حيث نعتها جوزيف مراراً وتكراراً بأنها
" داعش" ودعاها للعودة إلى بلدها، وضحك بشكل هستيري، وهو يقول لها بألفاظ خادشة للحياء أن تخرج القنبلة التي تحت ملابسها، ويقول لها أيضاً "أنت أتيت إلى إنكلترا وليس لديك.. والآن عليك العودة إلى بلادك، حيث تقصفون الناس كل يوم، لماذا أتيتم إلى هنا نحن هنا أحرار".

وحصلت السيدة يعقوبي الشهر الماضي على حكم بالسجن لمدة 16 أسبوعاً لمن اعتدى عليها والسجن لمدة 18 شهراً مع وقف التنفيذ بعد اعترافه بجرمه.

ووجد الباحثون الذين تحدثت إليهم صحيفة "ديلي ميل" أن كثيراً من النساء المسلمات قمن بالتوقف عن ارتداء الحجاب لتفادي التحرشات في الوقت الذي يقوم فيه الرجال بحلق لحاهم لإخفاء المعالم التي تدل على دينهم.

وكان عمران أوان الذي يدرس علم الجريمة في جامعة بيرنجهام والدكتور ايرين زيمبي من جامعة نوتنغهام نشرا دراسة وافية عن تأثيرات جرائم الكراهية ضد المسلمين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد مقابلات معمقة مع الضحايا. وتعتبر الدراسة الأولى من نوعها، وأكدوا أن الكثير من المسلمين ترددوا في الإبلاغ عن حالات الإساءة التي يتعرضون لها، وأنهم في الأغلب كانوا لا يحصلون إلا على قليل جداً من المساعدة من المتفرجين على الحوادث التي تقع عليهم.

ولمعالجة مشكلة ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين، أمر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قوات الشرطة في إنكلترا وويلز تتبع جرائم الكراهية التي تستهدف على وجه التحديد المسلمين، ونشرها في إحصاءاتها، ضمن إحصائيات الجرائم اعتباراً من العام المقبل.

وقال رئيس الوزراء، إن هذا من شأنه أن يساعد على قياس حجم المشكلة، وتمكين الشرطة من تخصيص موارد إضافية في المناطق المعرضة للخطر، بما في ذلك المدارس أو المساجد المعينة، بينما دعا فائز الغول مدير وحدة قياس جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا إلى العمل لمكافحة استشراء الظاهرة بدءاً من المدارس، وقال لصحيفة ديلي ميل: "العمل في المدارس هو مفتاح الحل، كما يقع عبء كبير على المجتمع المدني لمعالجة (التحيز والتعصب) ونحتاج لأن تنشط شركات النقل العام للإبلاغ عن الحوادث التي تقع في مركباتها".

وقالت شرطة العاصمة لندن "متروبليتان"، إنها وفرت دوريات إضافية لهذا الغرض، ولديها 900 ضابط يعملون في البحث والتحقيق عن جرائم الكراهية، وقالت إنها على استعداد لنشر التقارير المتعلقة بهذا النوع من الجرائم ولكنها "تعي تماماً" أن جرائم الكراهية ضد المسلمين لا تزال تأتي "تحت ذكرت أو قيل" في إشارة إلى أن المعتدى عليهم كثيراً ما لا يلجؤون إلى لشرطة للإبلاغ عن الجرائم، ويقوم آخرون بالإبلاغ بطرق مختلفة وقالت شرطة لندن "يجب ألا يعاني الشخص من أثر هذه الجرائم بصمت".

ونوهت الشرطة فضلاً عن زيادة مستويات الهجمات المعادية للمسلمين إلى أن لندن سجلت أيضاً ارتفاعاً في جرائم الكراهية العنصرية بشكل عام في السنوات الثلاث الماضية، وقالت "في عام 2013، كانت هناك 9015 جريمة و في عام 2014 كان هناك 11124 وبحلول نهاية أكتوبر من عام 2015 كانت هناك بالفعل 10927. وكانت أغلبية الجرائم عبارة عن تحرش، وضرر جنائي واعتداء مشترك".