التجارة العشوائية للاسماك في الجزائر

تتحول الواجهات البحرية وجوانب الطرق مع حلول فصل الصيف في الولايات الساحلية في الجزائر فضاءً رحبًا لعرض البضائع الشعبية والسلع الرخيصة والمنتجات الغذائية والمأكولات من دون الاكتراث إلى ما يصيبها من غبار أو دخان سيارات أو أشعة شمس...
كسرة رخسيس ومطلوع ( أنواع من الخبز الجزائري المشهور) وفواكه موسمية وخُضر سمك وبط بري يذبح أمامك ويشوى على مجمرة.. وكل شيء معروض بأسعار زهيدة..هذا ما يراه زائر بونة في هذه الأيام
على الواجهة البحرية لبعض المناطق الجزائرية الساحلية وصولاً إلى طريق المنارة القابعة فوق هضبة لرأس الحمراء المحاذي للجارة تونس..ترى الباعة القادمين من المناطق الجبلية والقرى المجاورة لمدينتي سرايدي وشطايبي يتزاحمون على بيع سلعهم المتراصة بعضها فوق بعض، ذاك طفل يدعى سمير منهمك في ترتيب بضاعته، يختار لها المكان الأفضل، أما مصطفى ذاك الشاب الذي اعتاد زوار بونة على رؤية وجهه البسّام فكان يبيع السمك المشوي على الفحم ويقدمه بطريقة تفتح شهية الوافدين إلى شواطئ المناطق الساحلية للتمتع بزرقة البحر..يقدم مصطفى السمك المشوي مصحوبًا بالمتبلات وببعض المنكهات والمطيبات كإكليل الجبل والزعتر البري والتوابل مقابل دريهمات..امتهن هذا الشاب عمله منذ 10 سنوات لكن الغلة تكاد لا تكفي إلا لفصل الصيف، فيشتري بما حصّل من مال بعض الألبسة الصيفية الخفيفة أو قد يصرفها في الاستمتاع ببعض النشاطات البحرية الأخرى عله ينسى ما يكابده من قلة ذات اليد
على المقلب الآخر...أكياس معبأة بالفواكه.. الدلاع ( البطيخ) والكيوي وغيرها كثير.. يبيعها طفل صغير، بعدما قطفها ذووه من حقلهم الذي يزرعون فيه أيضًا الذرة والكثير الكثير من الفواكه والخضار الأخرى..يقول هذا الطفل إن الزبائن يفضلون شراء سلعنا المعروضة لأنها الأرخص ثمنًا مقارنة بأسعار السوق المحلية ولأنها طازجة.
وإلى جانب هذا الطفل، يعرض خالد- الطالب الجامعي- بضاعته بتفنن: خضار طازجة،بيض، دجاج أبيض وآخر أحمر، ويقول " أنا طالب جامعي لكنني أستغل فصل الصيف لأبيع الخضار لأجني بعض المال الذي أحتاجه خلال دراستي،آتي بالبضاعة من ولاية الطارفة المعروفة بجودة مزروعاتها
الأسلوب المعتمد والطريقة المتبعة في عرض البضائع كان يلفت نظر السائحين والمبتاعين والمتجولين، يقول الباعة إنهم لم يسمعوا بتعليمات وزير التجارة مصطفى بن بادة المتعلقة بمحاربة التجارة العشوائية وغير المنظمة ، لكنهم في المقابل يطالبون الدولة بضرورة تأمين أسواق مناسبة لهم لترويج بضائعهم
نتمشى قليلاً على الأرصفة، أسماك مشوية على الجمر، لحوم حمراء تعرض طوال اليوم تحت أشعة الشمس الحارقة
المتجول على طول الطريق المؤدي إلى البولفار ،عند شواطئ الجزائر سيتمتع بمنظر البحر. والواجهات المزركشة بمختلف أنواع الألوان والأشكال التي توحي للزائر أنه في مدينة مفتوحة على الاستثمار و السياحة بمختلف طقوسها
لكن انتشار الطاولات والأكشاك الخاصة ببيع السمك و ثمار البحر بشكل عشوائي تحت أشعة الشمس من دون الاكتراث لما يمكن أن يصيب هذه البضائع من غبار وتلوث من دخان السيارات يثير استياء البعض.
فهذا مراد يعتمد في شواء الأسماك على شواية خاصة مصنوعة من أشجار " الزان" ويقول إنها صحية، و ويضع عليها الاسماك والتونة والسردين من دون المبالاة بالحد الأدنى من الشروط الصحية المطلوبة، فعلى الرغم من علمه بفساد هذه الأسماك و تلفها تحت الارتفاع المفاجئ للحرارة بعد ذوبان الثلج عنها بعد ساعات من جلبه إياها من المسمكة فإنه يكتفي برشها بماء البحر حتى لا تفقد لمعانها ولإيهام الزوار بأنها طازجة قد اصطيدت منذ ساعات فقط ، ثم يتبل الأسماك بالمعدنوس والكمون للقضاء على الرائحة المنبعثة منها
على بضعة أمتار تجد بائعًا آخر يعرض اللحوم الحمراء و الدجاج تحت أشعة الشمس
والغريب في الأمر أن المستهلكين يتوافدون عليه لشراء الدجاج لأن سعره لا يفوق 500 إلى 700 دينار جزائري وهي أسعار منخفضة مقارنة بسوق مارشي فرنسيس والحطاب . فكل هذه العوامل تعتبر مؤشرًا إلى المستوى المعيشي المتدهور للزبون، أما عن مصدر هذه الدواجن فيقول أحد الباعة إنها تجلب من الأسواق الموازية
قد تجد على طاولات بيع الدجاج أن أغلبه ينفق بسبب ارتفاع الحرارة، وأما الأسماك المجمدة التي تباع على قارعة الطريق فلا شيء يدل على أنها مجمدة سوى اسمها بعد ذوبانها وانحلالها بفعل الحر والغبار والهواء الساخن الذي يلفح وجوه الزبائن بمجرد وصولهم إلى طاولة البيع
كما تعرض أقفاص كبيرة مملوءة بعدد هائل من طيور السمان غير البرية و البط المائي ،ألوان هذه الطيور تثير انتباه المارين على الطريق البحري، حيث تباع بعد ذبحها بطرق غير معقمة و شيها على الجمر على الطريقة التونسية كما يطلق عليها الباعة
التين المجفف وزيت الزيتون.. وصفات علاجية للمرضى والمصطافين تحت دخان السيارات:
ينجح الباعة كثيرًا في إقناع الزوار في وصفاتهم العلاجية لا سيما الغرباء الذين لا يفرقون بين زيت الزيتون الأصلي والزيوت المغشوشة، فأغلب التجار يبيعون التين المجفف وزيت الزيتون الذي يتغير لونه بمجرد وضعه ساعتين تحت الشمس، الأمر الذي يفضح سياسة التلاعب التي ينتهجها أصحاب الطاولات لفرض منتوجاتهم على الزبون عن طريق الحيلة
و الخداع، وللباعة أسلوب مقنع في ترويج بضائعهم عن طريقة تبيان القيمة الغذائية لزيت الزيتون متناسين خطورته بعد أن أكسدته الشمس وبات يهدد بالإصابة بأمراض سرطانية
وحسب إحصائات مصالح الأمن فقد تم تنصيب 9 آلاف شرطي على طول الطريق المحاذية للواجهة البحرية للمدن الساحلية للحرص على تعزيز الأمن، و بلغ عدد التجار العشوائيين نحو 20 ألف تاجر يسيطرون على هذه المساحات المفتوحة على التجارة الموسمية ويعرضون سلعهم من دون مراقبة
وأمام انتشار هذه الظاهرة أكدت وزارة التجارة على ضرورة وضع خطة عاجلة لمحاربة هذه التجارة الفوضوية على مستوى الطرق التي توسعت بعد أن كانت تقتصر على بعض المحال مشددة على أن أجهزة الرقابة ستعمد في رمضان إلى قمع الغش واتلاف المواد الفاسدة وتهديم الأكشاك و الطاولات بمساعدة مصالح الدرك الوطني تفاديًا لأي انزلاق خطر،لأن عرض الخضر و الفواكه و الأسماك والطيور تحت أشعة الشمس هو خطر كبير على صحة المصطافين، الامر الذي سيؤثر سلبًا على سمعة السياحة في مدينة عنابة التي يراهن أهلها على جذب أكثر من 20 مليون سائح هذه السنة.