الجزائر - سميرة عوام
تُفضِّل العديد من الحوامل في الجزائر وضع مواليدهن في البيت بدل الذهاب إلى المستشفيات، وذلك نظرًا إلى الظروف القاسية التي تتلقاها الحامل من قِبل مصلحة التوليد خاصة في ظل الضغط والازدحام الذي تعيش على وقعه العديد من العيادات، الأمر الذي يساهم في تسجيل الأخطاء الطبية، نظرًا إلى الإهمال والتهميش من قِبل المختصين في طب النساء، وأمام البيروقراطية والتهميش تحوّلت المنازل إلى فضاء خصب للتوليد من قِبل العارفات بتفاصيل الولادة، بعيدًا عن التجاوزات الخطيرة والفضائح الأخرى التي طالما جرّت المستشفيات إلى أروقة العدالة.
وخلال جولة قادتنا إلى مصلحة التوليد في مستشفيات العاصمة بعد أن اخترنا الدخول وسط الزوار، عند حدود الساعة الواحدة لتفادي أي ضغط من قِبل إدارة المستشفى التي تطرد الصحفيين بمجرد التعرف على هويتهم من خلال إظهار بطاقة العمل عند البوابة الرئيسية لمركز الأمن أين يمنعنا الحارس من الدخول إلى المستشفى للتستر على الفضائح المسجلة بهذا المستشفى ، حيث سرنا وسط العائلات التي جاءت لزيارة المرضى من دون أن يكشفنا أحد، لنتسلل بعدها مباشرة إلى رواق طويل بواسطته وصلنا إلى قسم الولادة في الطابق الأول.
وكانت الساعة تؤشر إلى موعد دخول الزوار ، حيث فتحت بوابة المستشفى فتزاحمنا مع أهالي المرضى وكنا نسترق الأخبار والمعلومات من الوافدين على هذا المشفى من الجهات الأربع، كان الجو مشحونًا، عائلات قلقة على حالة بناتها اللواتي وضعن مواليدهن منذ يوم على الأقل، وآخرون وجدناهم يجتمعون أمام مصلحة علقت على بوابتها لافتة كُتب عليها "طب الرضع"، حيث كان طابور طويل للناس المجتمعين كانت وجوههم شاحبة تخوفًا من فقدان الأطفال حديثي الولادة، وحسب أحد الآباء أكّد لنا أن دمه تجمد لأنه يخاف أن يموت رضيعه بسبب الإهمال ونقص التجهيزات، وقد تستمر مدة الانتظار أكثر من ساعة في أحسن الأحوال، بسبب الفوضى التي تعرفها المصلحة، وهناك من العائلات من تخاف نظرًا إلى الازدحام واختلاط أبنائهم حديثي الولادة أو سرقتهم من قِبل عصابات مجهولة متواطئة مع الأطباء، هذا الواقع بالنسبة إلينا كان عاديًا ، لأننا تُهنا في راوق آخر في الجهة اليسرى لمصلحة المواليد الجدد هو قسم الولادة، فيه يظهر الوجه الآخر لمستشفى ابن رشد، سب وشتم من قِبل الممرضات وصراخ للحوامل اللواتي وُضعن على طاولة الولادة ، كان الباب موصدًا بإحكام ومن ورائه كانت تُسمع آهات وآلام النساء تتسلل إلى مسامع أقارب الحوامل والذين كانوا يطالبون بفتح الباب، نظرًا إلى خوفهم وقلقهم على عائلاتهم ، بعد ساعة من الانتظار يفتح الباب كنا خلالها نعتقد أن الممرضات كن مشغولات بعملية التوليد والتنظيف وتطهير منطقة الولادة لكن تفاجأنا بعدها بتزاحم الناس كل منهم يبحث عن زوجته من دون أي دليل في رواق تلطخت أرضيته بالأوساخ وفضلات الأكل، ونظرًا إلى وجود عدد كبير من الغرف المصطفة واحدة تلوى الأخرى يتوه الزائر بمجرد صعوده إلى الرواق في الطابق الثاني من دون أن يجد زوجته أو ابنته لأن كل غرفة تضم حوالي 11 سريرًا وعلى كل سرير ترقد امرأتان ورضيعان حديثا الولادة في ظروف مزرية.
وغيّرنا الوجهة نحو غرفة أخرى، كانت الروائح التي تنبعث منها لا تُطاق، خاصة مع الارتفاع المفاجئ لدرجة الحرارة، والتي فاقت معدلها الفصلي، ممرضات يعملن كإمبراطور في المصلحة يُمرِّرن أوامرهن على المدير والقابلات، لا يُهمهن مصير الرضع أو حتى صحة الأم، والتي تجد الصراخ والندب على حظها كوسيلة للتنفيس عن نفسها، نظرًا إلى الازدحام واقتسامها لسرير واحد مع أخرى، والأمرّ من هذا وجدنا امرأة لها 10دقائق من موعد وضعها لمولودها تنتظر دورها لتنام على السرير، ولشدة الآلام كانت تبكي وتصرخ وتقول "ارحموني"، وبلغ وضعها إلى حد الإغماء، يحدث هذا في وقت تتراكم فيه الأوساخ والقاذورات والتي أصبحت ترسم يوميات الحاملات في مستشفيات الجزائر، والذي يصفه الكثير بجهنم .
واستطعنا أن نستجمع قوتنا ونواصل رحلتنا عبر هذه الدهاليز والروائح الكريهة حتى ننقل للوزارة المختصة وضع الصحة الجزائرية في هذه المستشفيات، والتي تُعتبر الوجهة الحقيقية للمرضى، إلا أن ذلك لم يشفع لها أن تكون في المستوى الذي يسمع عنه زائر ، أو مسؤول في أي محافظة ، لأن فيه تتحول مهنة الممرضة إلى مدير، هي القوة الضاربة في عمق مصلح الولادة ، حيث يُخفن كثيرا الحوامل، خاصة التي تكون ستضع مولودها الأول بالذهاب لهذه المصلحة ، حتى لا تتعرض للسب والشتم والضرب المبرح، وحسب نفيسة وجدناها ترضع مولودها ، قالت لنا ، إنها تنتظر زوجها بفارغ الصبر لتحويلها إلى منزلها، رغم أنه لم تمر نصف ساعة من وضعها لمولودها، لتضيف "أن إحدى الممرضات تركتها تلد على الأرض، وكانت تتلوى من شدة الآلام لكن ذلك حال دون مساعدتها، علية 26 سنة، آتية من مدينة سوق أهراس كانت عينها منتفخة بعد سقوطها من شدة الآلام من سريرها قبل دقائق من الولادة، تؤكد لنا أن الممرضة تركتها تبكي وتصرخ رغم سقوطها من أعلى سريرها و ذهبت دون أي رحمة ، وهي الصورة التي لم تفارق مخيلتها لتضيف لنا هنا توجد الإهانة، والممرضة هي شامبيط (مدير) هذه المصلحة.
وخالتي الطاوس التي تُقبّل (تقوم بتوليدهن) النساء في منازلهن، والتي أنجبت على يدها الكثير من النساء ، أكّدت لنا أن المستشفيات تحولت إلى هاجس يؤرق الحامل قبل وبعد الولادة ، وعليه عادت النساء إلى عادات جداتنا خاصة مع تجهيز غرفة للولادة و مكان لاستقبال المولود في البيت لضمان صحة الأم والرضيع، وهي الطريقة التي أصبحت تروق الكثيرات من نساء هذا الجيل.
وتُعتبر الكثير من النساء اللواتي خضعن لتجربة الولادة في مصلحة الولادة في المستشفيات أن هذه الأخيرة لا تشجع على إعادة العودة إليها، وذلك بسبب الإهمال وسوء المعاملة من قِبل القائمين عليه، وفي بعض الأحيان بسبب العنف الذي يتعرض له من قِبل الممرضات، وقد أجمع كل من التقيناهن أن الولادة في المنزل وأمام العائلة هي الأفضل، خصوصًا إذا كانت الحامل مستعدة لها و لكل مضاعفاتها ومخططة لها جيدًا مع زوجها، لأنه على حد تعبير الكثيرات فإنه إن تم التكفل بالحامل من طرف مساعدة جيدة، وحسب ليندة أكدت لنا أن ولادتها في المستشفى خلفت لها أضرارًا نفسانية وجسدية ، أما عند وضعها الثاني لمولودها في المنزل فكانت أكثر أريحية لها، رغم آلام المخاض، مع بداية أعراض الولادة لكن تضيف "كنت مع أمي وعمتي التي قامت بتوليدي بالطريقة التقليدية رفقة القابلة التي اتفقت معها مسبقًا".
أما لامية فتنتظر مولودها الثالث، وهي تحضر لولادتها في المنزل ، وهي تعرف جيدًا أن الولادة بالطريقة التقليدية لها أضرار لكن ذلك لم يمنعها من اختيار بيتها ، بدل الذهاب إلى المستشفى ،لأن فيه معاملات قاسية وإهمال من قِبل القابلات والممرضات.
من جهتها، أعلنت حليمة "ما شجعني على الودلاة في المنزل هو معرفتي بتجارب الكثير من النساء اللواتي وضعن مواليدهن في بيوتهن، وكانت ولادتهن سهلة ومن دون أي مخاطر صحية".
وحذّرت العديد من المختصات في أمراض النساء والتوليد في مستشفى مصطفى باشا في العاصمة من مخاطر الولادة في المنزل، لأنها غير آمنة للأم والرضيع.
وأكّدَت طبيبة أخرى أن فترة الشفاء تكون أسرع في المستشفى، لأن القابلة تتدخل عند ظهور أي تعقيدات صحية جانبية تصعب على القابلة التقليدية (المرأة التي تقوم بتوليد النساء) حلها، على غرار صعوبة التنفس وفشل الإنعاش التي تتسبب حسبها في تزايد عدد الوفيات في صفوف الرضع، واعترفت بعض القابلات بسوء المعاملة في مصلحة التوليد من قِبل القابلات (المرأة التي تقوم بتوليد النساء)، وهذا على حد تعبيرهن تعامل غير إنساني، وعلى مدير المستشفى تعزيز الرقابة على مثل التجاوزات الخطيرة التي باتت تهدد حياة الحامل.
ورغم توافر الظروف والإمكانات الخاصة بالتكفل بالحامل في العيادات الخاصة في عنابة، وتوفر فريق طبي قوي ينشط في متابعة حالة النساء الحوامل، إلا أنه في المقابل يتم دفع تكاليف باهظة خاصة للعمليات القيصرية، والتي تؤرق الأزواج بالدرجة الأولى، حيث فيه تجبر العائلات على الموافقة على تقرير الطبيب وخضوع زوجاتهن للعمليات القيصرية بدل تسجيل مضاعفات صحية، وفي هذا الشأن عبر العديد من النساء عن امتعاضهن الشديد إزاء غلاء وتكاليف الولادة والتي تستغلها العيادات الخاصة لاستنزاف جيوب الفقراء ،أمام تدهور الإطار العام للمستشفيات، ونقص التجهيزات الطبية والنظافة في مصلحة طب النساء والتوليد، وحسب بعض الحوامل فإن رؤساء مصلحة التوليد بمثل هذه العيادات يستغلن وضع المرأة الحامل لإخضاعها، للكشوفات الطبية وبعض التعقيدات الإدارية التي تفرضها إدارة المستشفى طمعًا في زيادة سعر العملية الواحدة.