دولة مدغشقر

قد تختلط الأمور أحيانًا ويظن البعض أن مدغشقر دولة أفريقية؛ ربما بسبب الطبيعة الشكيلة للناس، وثيابهم المزركشة، وبيوتهم البسيطة المصبوغة بالألوان الزاهية، وعربات “zebu” التي تجرها الماشية، واللغة الصاخبة التي يتخاطبون بها... لكن الجغرافيا تؤكد غير ذلك، لأن مدغشقر تقع في المحيط الهندي.

فهي جزيرة كبيرة تربض بهدوء بين أوراق الغابات الزمردية المطيرة، وحقول الرز الشاسعة، والبحيرات المتلألئة، وأشجار الباوب الباسقة، والشواطئ الذهبية المؤطرة بالأحجار الصخرية، وأشجار النخيل، وبساتين الفاكهة المذهلة، والعمارة القوطية التي تظهر في البنايات القديمة... وفي أرجائها تنتقل الحرباء العملاقة من غصن إلى آخر، ويتردد صدى نقيق الضفادع ذات الأشكال الغريبة، فيما تتقافز قرود الليمور؛ التي توجد بأكثر من مائة نوع... فهذا موطنها الأصلي منذ زمن بعيد.

يذكر أن مدغشقر جزيرة بقيت عصية على البشر ولم تطأها قدم إنسان إلا قبل نحو ألفي عام، بعد أن انفصلت جغرافيًا عن آسيا وأفريقيا في حقب موغلة في التاريخ، وتحولت إلى منطقة بدائية لم يستعمرها أحد، وهذا ما وضعها في عزلة طبيعية وحولها شيئًا فشيئًا إلى خزين طبيعي للكائنات الحية، يمكن عَدّه الأكبر في العالم.

وهذا بالتحديد ما يستهوي السياح الباحثين عن روعة وسحر الطبيعة البكر، وهذا أيضًا ما حدا بالبعض إلى إطلاق اسم القارة الثامنة على هذه الجزيرة؛ وإن كان البعض يظن أن تسمية “الكوكب الآخر” هي الأكثر ملائمة.

هكذا وصل البشر إلى مدغشقر

تقع جمهورية مدغشقر قبالة ساحل شرق أفريقيا، وهي رابعة كبرى جزر العالم، ويسكنها نحو 26 مليون نسمة. عاصمتها هي أنتاناناريفو أو “تانا” كما كان يسميها المستعمرون الفرنسيون، واللغة الرسمية؛ اللغتان المدغشقرية والفرنسية التي يتحدث بها كل المتعلمين. هذا؛ وتعد الجزيرة نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي حيث تم العثور على أكثر من 90 في المائة من الحياة البرية التي لا توجد في أي مكان آخر على الأرض.

فقد حدث الاستيطان البشري فيها منذ نحو ألفي عام؛ حيث بدأ توافد البشر بأول هجرة للشعوب الأسترالية التي جاءت إليها على متن القوارب، ثم تبعهم مهاجرون آخرون عبروا قناة موزمبيق من شرق أفريقيا. وهكذا استمرت هجرة الجماعات المختلفة مع مرور الوقت، وهو ما ساهم في تنوعها الثقافي الكبير، الذي يتوزع على نحو 18 مجموعة؛ كبراها مجموعة “ميرينا” التي توجد في المرتفعات الوسطى ومنها كان يخرج الرؤساء والملوك.

أكثر ما تشتهر به هذه الجزيرة أيضًا هو الفلفل والفانيلا وحيوان الليمور والحرباء الملونة. أما اللافت للنظر فيها فهو تشابه الأزياء بين الرجال والنساء على السواء؛ حيث يتكون الزي الرسمي من قطعة قماش مستطيلة تلف حول الجسم، مع وجود أزياء خاصة للمناسبات المختلفة.

أماكن تزورها في مدغشقر

زيارة مدغشقر تحتاج لبعض الوقت، لأنها جزيرة شاسعة وطرقها ليست سهلة دائمًا، نظرًا لطبيعتها البكر الوعرة. لهذا لا بد من وضع خطة متكاملة للسفر والتزود بخريطة مع توفير كل احتياجات الرحلة، خصوصًا لمن يريدون اكتشاف الطبيعة بعيدًا عن العاصمة والمدن الرئيسية الكبيرة. وعمومًا؛ فإن أسعار الفنادق والمطاعم والنقل البري ورسوم الدخول إلى المتنزهات وأيضًا استخدام مهابط الطائرات الصغيرة في الجزر النائية والأدغال... كلها غير مكلفة، كما أن السكان ودودون ومسالمون.

التعرف على المتنزهات الوطنية

يبدو بعض هذه المتنزهات كأنه لوحات فنية تنبض بالحياة، وتتجلى خصوصًا في المرتفعات وفي الأشجار الخضراء وحقول الرز المرصوفة على المدرجات والمؤطرة بالسدود. هنالك أيضًا فرصة لصعود جبال الكرانيت الدراماتيكية، ومشاهدة الأرض الحمراء، وتلال الحمم البركانية، والنتوءات الجيرية، والوديان العميقة، التي يعود تاريخها إلى مئات السنين،

من دون أن ننسى التعرف على الغابات المطيرة ومحميات حيوان الليمور والحرباء الملونة، وكل هذه المتنزهات يمكن الوصول إليها بسهولة بواسطة سيارات الأجرة الشعبية، أو من خلال الرحلات السياحية التي تنظمها المكاتب المختصة.

قصر “روفا أنتاناناريفو”

إنه فرصة لمحبي سلسلة روايات “Flashman” التي كتبها جورج ماكدونالد فريزر ونُشرت عام 1969 لكي يتعرفوا على بقايا مجمع القصر الملكي الذي عاشت فيه الملكة رانافالونا، التي وصفها الكاتب بـ”المجنونة” لشدة بأسها وقوتها. فهي التي أحبطت كل الجهود الأوروبية للسيطرة على مدغشقر خلال فترة حكمها الذي استمر 33 عامًا... فترة وظفت خلالها كل طاقتها للقضاء على الممالك المجاورة معتمدة على نظام العبودية والسخرة الذي كان سائدًا في عهدها.

وكانت النتيجة بناء هذا القصر الذي يقع في العاصمة وصار فيما بعد مقر حكام مملكة “ميرينا” في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وحكام مملكة مدغشقر في القرن التاسع عشر.

يقع القصر بالعاصمة أنتاناناريفو في مركز المرتفعات الوسطى، وفي أعلى نقطه فيها، وهو مبنى محصن طرأت عليه تعديلات كثيرة على مرّ السنين، وأضيفت إليه هياكل ملكية حسب احتياجات من سكنوه.

الحياة البرية في توليارا

وفقًا لمنظمة “Conservation International”، فإن 17 دولة في العالم هي الوحيدة التي تملك عددًا من الأحياء البرية التي لا توجد في أي مكان آخر. ومدغشقر على رأس هذه القائمة، ولعل زيارة توليارا هي الفرصة المناسبة للتعرف على هذه الملامح الطبيعية. وتوليارا مدينة ساحلية في جنوب غربي مدغشقر تحيط بها البحيرات والمستنقعات وغابات غريبة تنتشر فيها أشجار الأخطبوط الضخمة مع وجود بعض المخلوقات الغريبة أيضًا مثل “سوسة عنق الزرافة” التي تلف بيضها بأوراق الأشجار بطريقة أنبوبية مدهشة.

يوجد فيها كذلك حيوان “الليمون الآيي” الذي يبحث عن اليرقات المختبئة في الأشجار مستخدمًا أصبعه الأوسط الطويل جدًا، فيما يمكن مشاهدة الجرذ المدغشقري العملاق الذي يقفز في الهواء إلى مسافة 3 أقدام. وقد ذكر جيرالد دوريل هذه الرحلة في كتابه “The Aye - Aye”.

يمكن تتبع سحر الطبيعة من خلال الجولات السياحية التي تنظمها المكاتب وتستمر لنحو 13 ليلة، وفيها برنامج منوع ومشوق لا يخلو من روح المغامرة.

زيارة مواقع اليونيسكو للتراث العالمي

هنالك 3 مواقع في مدغشقر ذات أهمية ثقافية وطبيعية مسجلة في لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو. أولها: المحمية الطبيعية في “تسينجي دي بيمارها”، وهي عبارة عن متاهة من الحجر الجيري على شكل أخاديد ملتوية ذات ملامح جيولوجية فريدة تضم كهوفًا وأنفاقًا وأبراجًا.

ولا تزال غير مستكشفة بشكل كامل، وتقع في النصف الغربي للجزيرة. وثانيها: الغابات المطيرة في “أتسينانانا” التي تضم 6 حدائق وطنية تتميز بتنوعها البيولوجي وتضم أنواعًا نادرة من قرود الليمور. ثالثها: تلة “أمبوهيمانغا” الملكية، وهي قرية تاريخية ومجمع للقصور، يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر. تضم بعض المعالم الطبيعية والمعمارية ذات الأهمية التاريخية والسياسية والروحية لشعب مدغشقر.

التمتع بمزايا المنتجعات الفاخرة

رغم أن مدغشقر دولة فقيرة تحتل المرتبة 179 بين أفقر 187 دولة في العالم، فإن ذلك لا يمنع من توفرها على منتجعات باذخة وفاخرة، نذكر منها منتجع “نوزي أنكاو” قبالة الساحل الشمالي الشرقي، الذي يمكن الوصول إليه بطائرة هليكوبتر خاصة، والتجول فيه وفي الجزيرة ككل، باستخدام الدراجات الهوائية والعربات التي تجرها الدواب.

هنا يمكن أيضًا مراقبة السلاحف وهي ترقد على بيضها، أو ممارسة هواية صيد الأسماك، أو الغوص ومشاهدة الدلافين والحيتان... وغيرها من الرياضات المائية. تصل أسعار بعض هذه المنتجعات إلى أكثر من 3 آلاف جنيه إسترليني لليلة الواحدة، وهي رحلات تستهوي بشكل خاص العرسان الباحثين عن وجهة مميزة يقضون فيها شهر العسل.

أطباق بنكهات خاصة

الطعام في هذا البلد خلاصة التقاء الثقافات وحركة التجارة، إضافة إلى تأثير الاستعمار الفرنسي. ويمكن أن يشي كل طبق بنكهات فرنسية أو إندونيسية أو هندية أو أفريقية أو شرق أوسطية، سواء قصد السائح كُشْكًَا صغيرًا على جانب الطريق، أو فندقًا، أو مطعمًا فخمًا. وعادة ما يبدأ اليوم بوجبة إفطار تقليدية مكونة من القهوة الفرنسية والمعجنات، تتبعها وجبة خفيفة من صحن “koba”،

وهو طعام شعبي شهير يتكون من الموز والفول السوداني وعجينة الرز الملفوفة بأوراق الموز. ويمكن أيضًا تجربة صحن “كبرو” الخفيف واللذيذ والمصنوع من حبوب “ليما” المجففة وجوز الهند. ولا يمكن مغادرة مدغشقر من دون تذوق صحن “لرومازافا”؛ فهو الطبق الوطني، ويتكون من مرق تقليدي من اللحم البقري مع الخضراوات والبصل ومجموعة من التوابل، ويقدم مع الرز.

أما على الساحل وقرب الشواطئ، فإن الغلبة للمأكولات البحرية الطازجة، التي عادة ما تُحضر بأسلوب تقليدي لا يخلو من اللمسات الفرنسية، مع فرصة لتهيئة حفلات الشواء مع التوابل الحارة، وبعض الأقداح من العصير المطعّم بالنعناع والقرفة وجوز الهند والمحلّى بالعسل الطبيعي.

قد يهمك ايضا:
الإمارات يُعلن خدمة للمسافرين دون الحاجة إلى استخدام جواز السفر أو الهوية
شركة "إيسي يات" للطيران تُدشن 3 خطوط جوية من فرنسا إلى المغرب بتكلفة منخفضة