كاهن بريطاني باع ما يملك واختار مساعدة الصُمّ

جاء الى لبنان كمرشد للجيش البريطاني عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، هو الاب رونالد روبرت، الكاهن البريطاني الذي اختار البقاء في لبنان، حاملاً رسالة خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة ولا سيما منهم الصم، فباع كل ما يملك وأسّس مدرسة مجانية حملت إسمه «مدرسة الاب روبرتز للأحداث والصم» في منطقة السهيلة، كسروان.

قبل وفاته أراد الأب روبرتز أن يضع المؤسسة في أيادٍ أمينة، فقرّر أن يهبها للراهبات الشويريات المخلصيات في أيلول 1982. وشاء القدر أن يتمّم كل المعاملات في آذار وتوفي في 3 نيسان 1983 يوم عيد الفصح، تاركاً وراءه رسالة، «بدأت من مكان ولن تنتهي ما دام هناك أصم واحد في العالم».

الاخت باتريس مسلّم تسلّمت مهمات الادارة وما زالت تكافح «في سبيل ولادنا» وفق تعبيرها. وتروي لـ»الجمهورية «: «أكملنا هذه الرسالة وتحوّلنا الى مؤسسة، إدارةً وتنظيماً. تسلّمنا مدرسة مؤلفة من موظفين اثنين، وهي اليوم تضمّ فريق عمل كبيراً مؤلفاً من 60 موظفاً علمانياً، بينهم معلمات متخصصات وموظفون بالإضافة إلى 6 راهبات نتشارك معاً المسؤولية في الادارة.. وتضمّ المؤسسة اليوم مدرسة صفوف عادية من الحضانة الى الثانوي، ومدرسة مهنية ومشغلاً للخياطة والتطريز وباتيسري لصنع الحلويات».

وتشرح الاخت باتريس طريقة متابعة الطفل، الذي يكتشف أهله أنّه مصاب بفقدان أو نقص في حاسة السمع، فتقول: «فترة اكتساب اللغة عند الولد هي فترة أساسية. قبل البدء بالصفوف العادية هناك ما نسمّيه بالتربية المبكرة. فعندما يكتشف الأهل في الأشهر الاولى من عمر ولدهم أنّه يعاني من نقص في السمع، تكون متابعة الاختصاصيين مهمة جداً لانّها فترة اكتساب اللغة عند الولد، وفرصة لا تعود اذا لم تُتابَع. وفي عمر الـ3 سنوات، تبدأ الصفوف المنتظمة التي لا يتعدّى عدد الطلاب فيها 5 او 6 طلاب تتمّ متابعتهم فردياً في التدريب على السمع والنطق والحركة. بعدها يكملون المناهج في الصفوف التكميلية والمتوسطة والثانوية. كما أنشأت ادارة المدرسة صفوفاً تحضيرية للطلاب تمهيدًا للجامعة، لأنّ الجامعات في لبنان غير مهيئة لاستقبالهم بعد. والأمثلة كثيرة عن طلاب عانوا كثيراً خلال متابعتهم الصفوف، فكانوا يلجؤون الى شراء كتب إضافية لفهم بعض المواد».

وتضيف الأخت باتريس: «أسّسنا مدرسة مهنية للطلاب الذين يتوجّهون إلى اختصاص مهني معيّن: هندسة داخلية، رسم، تصميم المجوهرات والازياء... وقد نجحوا وحصلوا على وظائف، ونتلقى دائماً اتصالات من مدرائهم يشكرون فيها المؤسسة ويطلبون مزيداً من طلابنا للتوظيف».

مصادر التمويل

عن مصادر التمويل تقول الإخت بياتريس، انّها تراجعت وانّ الوضع الاقتصادي تأزّم، كاشفة عن انّها سعت طوال خدمتها إلى تأمين استمرار هؤلاء الأولاد أو الطلاب ونجاحهم في المجتمع، «فهم فرحتها وحياتها». وعن الأهداف تقول: «انّها كبيرة، ولكن الصعوبات كبيرة أيضاً، فيما هدف المؤسسة تعليم الطالب مجاناً، ولكن في بلد كلبنان هناك صعوبة لأنّ كلفة التعليم مرتفعة، وهي تبلغ 11الف دولار سنوياً لكل ولد». وتضيف: «تعاقدنا مع وزارة الشؤون الاجتماعية والتي كانت الداعم الأكبر لنا، ولكننا نعاني من مشكلة التأخير في الدفع، فالوزارة تدفع لنا سعر كلفة سنة 2011 ، فيما ينصّ القانون على درس سعر الكلفة سنوياً. وللأسف هذا القانون يُطبّق كل 6 او 7 سنوات... طالبنا وما زلنا نطالب بدعم هذه المؤسسة لكي نكمل، وخصوصاً بعد صدور سلسلة الرتب والرواتب وغلاء المعيشة، مع التشديد على ضرورة بقاء المؤسسة مجانية، فإذا تحوّلت مؤسسة خاصة، أفضل حينها أن لاّ أكمل...».

وحين سألناها عن المصدر الحالي للتمويل، أجابت: «الرب بيدبّر، ما بيتركنا... التمويل يأتي من وزارة الشؤون الاجتماعية كما ذكرت ومن المعارض التي نقيمها، والتي تتضمن أشغالاً يدوية وحلويات من صنع المؤسسة وحفلات لجمع التبرعات».

وعلى رغم من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها، تعيش الاخت باتريس في سلام، لأنّها تعرف انّ الله لا يترك اولاده، تؤمن بعملها وتقول: «كل ولد بالنسبة إليّ هو ثروة، هو انسان وضعه الله في طريقي لأقدّم له الأفضل ... هؤلاء الأولاد هم أثمن شيء في حياتي...».

وتختم قائلة: «اكبر نعمة وهبني إيّاها الرب خدمتي في هذا المكان ومتابعتي ما بدأه المؤسس الذي كان همّه الأول الأولاد، وقد فعلت كلّ ما في وسعي لكي أوصلهم إلى أفضل مكان. وأكرر، إذا تحوّلت خدماتنا من مجانية الى خاصة... افضل أن لاّ أُكمل».