أ. د. عز الدين الدنشاري أستاذ الفارماكولوجى والسموم من خلال متابعتى للإعلانات الفضائية يتضح أن بعضها يروج لشراء أعشاب ومنتجات أخرى يقدم مروجوها نصائح لعلاج قائمة طويلة من الأمراض غير مستندين إلى أى أساس علمى، والغريب أن المعلن لديه حلول لعلاج أمراض كثيرة حيث يقنع المشاهد أنه خبير فى علاج الأمراض باستخدام الأعشاب ويؤكد أن منها ما يفيد فى علاج التهاب الكبد الفيروسى «سى» وأخرى لعلاج أمراض الكلى، مع العلم أن هناك أمراضاً عديدة تصيب الكلى ويتطلب كل مرض علاجا خاصا، ولكن الخبير يعالج كل هذه الأمراض بخلطة عشبية واحدة، كما يعلن بعض المدعين عن نجاح علاج العقم عند النساء والرجال بخلطة عشبية من ابتكاره، وهو لا يدرى أن أسباب العقم عديدة، منها ما يتطلب إجراء عمليات جراحية، كما أن هناك حالات من العقم تنتج عن الإصابة بأمراض معينة ولابد من علاج المرض قبل علاج العقم، وقد يكون العقم بسبب العجز الجنسى أو اضطرابات فى الهرمونات، فهل من المعقول أن خلطة عشبية واحدة تفعل ما يفعله الجراح وتشفى جميع الأمراض المسببة للعقم وتعالج العجز الجنسى مهما كان سببه؟ والمدهش أن المروجين لهذه الأعشاب يخدعون المشاهد بمنطق أنها مواد طبيعية فهى إذن -على حد قولهم- لا تسبب أى ضرر لمن يتناولها، وهل يعلم هؤلاء أن معظم المخدرات وتبغ السجائر والشيشة من نباتات طبيعية وأن هناك مواد طبيعية تسبب أضرارا بالغة الخطر مثل سموم الثعابين وسموم العقارب؟ وهناك مقولة أخرى يروجون بها بضاعتهم فيقول بعضهم: «إذا كان العشب لا يفيدك يبقى مش حيضرك» فى حين أن المنطق العلمى يقول إذا كانت المادة المستخدمة فى علاج مرض ما لا تفيد فى مقاومة المرض فإن فشل العلاج قد يترتب عليه حدوث مضاعفات للمريض قد تصل إلى حد الخطر والوفاة، فمثلا إذا كان المريض مصابا بمرض تسببه الميكروبات واستخدم لعلاجه عشبا أو دواءً لا يقضى على الميكروبات أو يحد من نشاطها، فإن الفشل فى مقاومة الميكروبات قد تترتب عليه إصابة أعضاء من الجسم مثل المخ والكلية والرئة وغيرها بأمراض قد تصعب السيطرة عليها أو يستحيل علاجها. وأقول للمخادعين والمخدوعين بإعلانات الأعشاب الفضائية وغيرها إن علاج أى مرض لا بد أن يكون مؤسساً على منهج علمى دقيق للتأكد من أن المادة المستهدفة لعلاج مرض ما، سواء كانت عشباً أو دواءً مصنعاً، لا بد أن تخضع للعديد من التجارب التى تجرى على الحيوانات أولاً ثم على الأشخاص الأصحاء ثم على المرضى حتى تكون صالحة للاستخدام فى علاج المرض، وقد تستغرق هذه التجارب من 5-10 سنوات، وربما أكثر من ذلك، وخلال هذه السنوات يقوم باحثون من تخصصات مختلفة بإجراء بحوث على الحيوانات والإنسان المريض وغير المريض للتأكد من أن المادة قيد البحث لا تسبب حدوث تسمم فى الحيوانات ومن ثم فى الإنسان وأن المادة تفيد فى علاج المرض المستهدف علاجه وذلك بإعطاء المريض جرعات محددة لا يتجاوزها أو يقللها، كما يفيد البحث فى تحديد وسيلة تعاطى الدواء، بالفم مثلاً أو بالحقن، وعدد مرات تناوله يومياً، كما تحدد المدة التى يستخدم فيها الدواء فقد تكون أياماً أو شهوراً أو تستخدم مدى الحياة فى أمراض معينة. وبعد أن يطرح الدواء فى الأسواق تقوم هيئات صحية عالمية ومحلية بمتابعة المرضى الذين يستخدمون الدواء فقد يكتشف تأثير ضار له لم يكن معروفاً من قبل حينما يتناوله ملايين المرضى على مستوى العالم، وإذا ثبت من متابعة المرضى أن الدواء يسبب إصابات قد تشكل خطراً على صحة المريض وحياته تصدر الهيئات الصحية المعنية، مثل الإدارة الأمريكية للأغذية والأدوية (FDA)، قرارات تفيد بمنع تداول هذا الدواء أو استخدامه. وتأسيساً على ما تقدم فإن عدم اتباع منهج علمى دقيق فى تقييم فاعلية الدواء أو العشب وتقدير سُميته، مثلما يحدث باستخدام الأعشاب المعلن عنها، قد يترتب عليه إلحاق الضرر بمن يتعاطاها، فقد يكون العشب ملوثاً بميكروبات أو مواد ضارة وقد يكون فاسداً بسبب سوء التخزين، كما أن هناك أعشاباً قد تكون لها تأثيرات ضارة أو ينهى عن استخدامها إذا كان المتعاطى مصاباً بأمراض معينة، وهناك أعشاب محظور استخدامها فى شهور الحمل والرضاعة. كما ثبت من خلال المتابعات الطبية أن تناول بعض الأعشاب قد يؤدى إلى تقليل فاعلية الدواء الذى أشار الطبيب باستخدامه، وهناك أعشاب قد تؤدى إلى زيادة الأثر السام لبعض الأدوية.