جنيف - العرب اليوم
أمراض القلب والأوعية الدموية في ارتفاع مهول، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إطلاق تحذيرات قوية من دون استثناء منطقة في العالم، فأمراض العصر بلغت الدول الفقيرة والغنية على حد سواء، ومن ثمة وجبت الوقاية قبل العلاج. "هل تعرفون مستوى ضغط الدم لديكم؟" هكذا وجهت مارغريت خان المسؤولة في منظمة الصحة العالمية سؤالها إلى مجموعة من الدبلوماسيين، اجتمعت في مقر المنظمة. الجميع لاذ الصمت، فردت مارغريت بحزم: "ضغطي 120 على 80". نتيجة جيدة لسيدة في ربيعها الخامس والستين، فكر البعض. وتعمل المختصة على رأس حملة عالمية تهدف إلى تحفيز الناس على قياس ضغط دمهم والعمل على ضبطه. وهو إجراء بسيط يمكِّن من الحفاظ على حياة الملايين وخفض تكاليف طبية باهظة في عدد من الدول حول العالم. ويعد ارتفاع ضغط الدم من بين العوامل الرئيسية المتسببة في الوفاة مبكراً، كما أنه يؤدي إلى الإصابة بأمراض الأوعية الدموية والقلب. وحسب منظمة الصحة العالمية، هناك 9.4 ملايين حالة وفاة ناجمة عن نوبة دماغية أو قلبية من جراء ارتفاع ضغط الدم، ما يشير على أن النوبتين معاً تحولتا إلى قاتل رئيسي في العالم. خبر سار وآخر سيء وعكس أوروبا، يواجه الموت في إفريقيا غالبية المرضى المصابين بأمراض معدية, غير أن أمراض العصر – كما باتت تعرف - ما لبثت هي الأخرى أن هيمنت على القارة السمراء. وحسب منظمة الصحة العالمية يعاني 46 بالمائة من البالغين في إفريقيا من ارتفاع ضغط الدم. لذلك فهم مهددون بالموت قبل سن الستين بسبب الإصابة بأمراض القلب والدورة الدموية. في المقابل لا يعاني من ارتفاع ضغط الدم في الأمريكيتين سوى 35 بالمائة من مجموع السكان البالغين. وحول ذلك، أوضحت الدكتورة شانتي مينديس المشرفة على قسم الأمراض غير المعدية في منظمة الصحة العالمية أن "نسبة الوفاة الناجمة عن الإصابة بأمراض القلب والأوعية تراجعت في العقود الأخيرة في الدول المتقدمة"، بينما سجُل "ارتفاع ملحوظ فيها بالدول النامية إلى جانب تزايد معدل الإصابة بارتفاع ضغط الدم". الوقاية خير من العلاج ولا يعد مرض ارتفاع ضغط الدم حكماً مطلقاً بالموت، وإنما هو مرض يمكن معالجته في حال تم التعرف عليه بشكل مبكر. وفي الدول المتقدمة التي تتوفر فيها الرعاية الصحية ويقوم سكانها بزيارة الطبيب بشكل منتظم، يقيس الأطباء ضغط الدم لدى المرضى بشكل روتيني. وهذا ما يساهم في التعرف على المرض ومعالجته. في المقابل، تتعذر تلك الفحوصات في الدول النامية وتبقى حكراً على من يستطيع تحمل الأعباء المادية. ولهذا السبب لا يتوجه المرضى إلى الأطباء، خاصة وكما تشير مارغريت خان: "لا تظهر أي عوارض تشير إلى ارتفاع ضغط الدم في مراحله المبكرة، بل حتى وإن أشار مؤشر القياس إلى درجات مرتفعة لا يشعر المريض بأي شيء قد ينبهه إلى مرضه". السمنة من مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم. وحسب الأرقام المسجلة يعاني نحو مليار شخص حول العالم من ضغط دم مرتفع، والرقم مرشح للارتفاع. وتحذر منظمة الصحة العالمية من تدهور صحي على مستوى العالم؛ محملة المسؤولية إلى القطاع الصناعي الذي يعتمد كميات كبيرة من الملح في صناعة الأطعمة الحديثة، ثم إلى الاستهلاك الهائل للسوائل الكحولية والسجائر، فضلاً عن قلة الحركة. وأشارت مينديس إلى أن طريقة العيش غير الصحية التي أصابت القارة الإفريقية، ناجمة عن عملية تحضر القارة و"بوتيرة سريعة جداً، فالغذاء الأصيل والجهد الجسدي كانت كلها عوامل تحفظ صحة الساكنة الإفريقية". هذا في الماضي، أما الحاضر فمختلف، "فأينما حللت في إفريقيا، فإنك ستجد طعاماً يتضمن كمية ملح كبيرة". تناول طعام غير مالح وغني بالخضروات والألياف والفواكه والحركة الجسدية، أمور بسيطة لها مفعول سحري. فهي تساعدنا على التحكم في ضغط الدم وضبطه. وإذا كان ذلك غير كافيا، فبالإمكان حسب مينديس تناول أدوية لا تكلف في الدول الفقيرة للشخص الواحد سوى دولاراً أمريكياً واحداً سنوياً. وقد يرتفع المبلغ في "الدول الأكثر نمواً من دولارين إلى ثلاثة". وتبدو تلك التكاليف زهيدة، مقارنة بمصاريف الإجراءات الطبية المتخذة عند تدهور الحالة دون معالجة مبكرة كعملية زرع صمام القلب على سبيل المثال. ولهذا تطالب مارغريت خان ضيوفها الدبلوماسيين العمل على حث حكوماتهم على تبني نظام الفحص المجاني لضغط الدم وتوعية المواطنين بأهمية الفحص: "لتطمأن عليك أن تتعرف على ضغط الدم لديك. وفي حال كنت تتناول أدوية، فاعمل بالنصائح للتحسين صحتك ونمط حياتك. الحل بيدك لكي لا تمنح الفرصة لقاتلٍ بسرقة حياتك لسنوات".