في الثالث والعشرين من شباط الماضي أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، عن قرار يقضي بالالتزام بالوصفة الطبية لصرف المضادات الحيوية للمرضى من الصيدليات، إضافة إلى التزام الأطباء بالوصفة الطبية حسب البروتوكولات والنظام، وذلك ضمن الأسس والمعايير الدولية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.

لكن يبقى السؤال ماذا يعني قرار الالتزام بالوصفة الطبية للمضادات الحيوية؟، وما علاقة ذلك بمقاومة البكتيريا للأمراض؟ وقضية الاستخدام بكثرة؟، ومن المسؤول؟.

حسب نظام مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين، فإن جميع الأدوية تصرف بوصفة طبية، مع وجود استثناءات كما ورد في المادة 62، التي تنص "على الصيدلاني المسؤول الامتناع عن صرف الأدوية بدون وصفة طبية ويستثنى من ذلك مواد الإسعاف الأولي والأدوية (OTC) التي يصدر الوزير قراراً بإعفاء صرفها من شروط الوصفة الطبية بعد الاستئناس برأي النقابة" .

منظمة الصحة العالمية، حذّرت من أن البشرية تتجه صَوْب حقبة ما بعد المضادات الحيوية، حيث يمكن أن تؤدي الأمراض المعدية الشائعة والإصابات البسيطة مجدداً إلى الوفاة. جاء تحذير المنظمة في بيان، بمناسبة الأسبوع العالمي الثاني للتوعية حول المضادات الحيوية، في الفترة من 14 إلى 20 تشرين الثاني/نوفمبر العام، وحملتها هذا العام تحت شعار "المضادات الحيوية: التعامل بحرص".

وقالت المنظمة إن "المضادات الحيوية ستصبح أقل فاعلية في قتل العدوى البكتيرية، فيما يعرف باسم مقاومة المضادات الحيوية"، وأضافت أن "معدلات مقاومة المضادات الحيوية تتزايد لمستويات عالية على نحو يُنذر بالخطر في شتى ربوع العالم، بما في ذلك إقليم شرق المتوسط، حيث إن آليات المقاومة الجديدة تنشأ وتنتشر حول العالم لتهدد قدراتنا على معالجة الأمراض المعدية الشائعة".

وعن أسباب ظهور مقاومة المضادات الحيوية وانتشارها، كشفت المنظمة أن تلك الظاهرة تتفاقم في حالة استخدام المضادات الحيوية للبشر والحيوانات، من دون وصفة طبية، مشيرة إلى أن وتيرة تفاقُم مقاومة المضادات الحيوية تتزايد جراء زيادة جرعات استخدام المضادات الحيوية أو انخفاضها أو سوء استخدامها في المجموعات البشرية والحيوانية، وأوضحت أن هذه البكتيريا المتحوّلة قد تصيب الإنسان والحيوان على السواء، ويكون علاج الأمراض المعدية الناجمة عنها أصعب من علاج الأمراض الناتجة عن بكتيريا غير مقاوِمة.

دراسات تؤكد ارتفاع نسبة استخدام المضادات في المشافي

وكالة "وفا" اطّلعت على عدد من الدراسات التي تناولت موضوع المضادات الحيوية في فلسطين، أحدى هذه الدراسات التي تطرقت إلى "نمط استخدام المضادات الحيوية في مستشفى حكومي مقاسا بمقياس"، المعدة من  قبل مارينا زياد البدا، كرسالة ماجستير في تخصص صيدلة سريرية، بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في العام 2014.

تحدثت الدراسة عن خلفية الموضوع، حيث يرتبط استهلاك المضادات الحيوية بازدياد مقاومة البكتيريا على امتداد العالم، شأن ذلك زيادة في التكاليف والتعرض غير الضروري للمرضى للدواء.

وتناولت الدارسة إحدى المشافي الحكومية كمقياس وكانت النتائج بأنه تم تقديم المضادات الحيوية لـ554 مريضا بنسبة 55.4% من أصل 1000 مريض جرى إدخالهم للمعالجة في ذات المشفى في فترة الدراسة التي تتراوح شهرين، وقد بلغ مجموع الاستخدام 16561 جرعة محددة يوميا، والتي تطابق ما مقداره 70.23 جرعة محددة يومي لكل 100 مريض /يوم، و 3.31 جرعة محددة يومية لكل 1000 مقيم، وقد تبين أن أكثر مضاد حيوي استخدم هو "سفتر يكسون" يليه "سيفوركسيم" و"ميترونايدازول"...، وأن أعلى النسب من استخدام المضادات الحيوية قد تم في وحدة العناية المكثفة وقد بلغت 132.64 جرعة محددة يومية لكل 100 مريض/ يوم، ثم قسم الجراحة حيث بلغت 98.52 جرعة محددة يومية لكل مريض / يوم.

الدراسة أثبتت أن استخدام المضادات الحيوية في ذات المشفى مرتفع نسبيا، وهناك تفضيل مميز لاستخدام المضادات الحيوية (واسعة – الطيف) مثل الجيل الثالث "سيفالوسرين"، و"كاربابينيمس"، و"امينوجليسوسيد"، وقد أثبتت الدراسة وجود حاجة ملحة للقيام بعقد برامج تعلمية تتعلق بالوقابة ومكافحة التلوث في المستشفيات الفلسطينية.

وفي دراسة أخرى أجريت في العام 2015-2016، لطلبة من جامعة النجاح الوطنية، تحت عنوان "أخطاء الوصف للمضادات الحيوية بين الأطباء في وحدة الجراحة في المستشفيات"، وكانت نتائج الدراسة التي أجريت على 569 مريضا، تظهر أن 91% منهم أُعطوا المضاد الحيوي دون اللجوء لعملية زراعة عينة، في حين جرى إعطاء مضاد حيوي بناء على عملية زراعة بنسبة 9%، وبينت الدارسة أن 49% ممن أجري لهم الزراعة تلقوا المضاد الحيوي المناسب بناء على نتائج الزراعة، في حين أن 51% تلقوا مضادا حيويا وكان هناك مقاومة له.

في حين أجرت نقابة الصيادلة دراسة على 1000 وصفة طبية وصفت من قبل الأطباء، تبين أن 60% من هذه الوصفات يحتوي على مضادات حيوية.

نقابة الصيادلة تدعو لوضع خطة وطنية مبنية على دراسة علمية

أيمن خماش نقيب الصيادلة،  قال "إن موضوع المضادات الحيوية يعتبر مشكلة عالمية حتى في الدول المتقدمة التي تصرف فيها المضادات الحيوية بناء على وصفة طبية، فهناك مقاومة من قبل البكتيريا للمضادات الحيوية وبالتالي الصيدلاني ليس هو المسؤول عن مقاومة البكتيريا للمضادات".

وأضاف "نحن في نقابة الصيادلة نؤكد على احترام الأنظمة والقوانين، ومهنة الصيدلة هي من أكثر المهن المنظمة في القطاع الصحي، وهناك رقابة ومتابعة بشكل دائم من قبل وزارة الصحة ونقابة الصيادلة".

وأكد خماش على أهمية ترشيد استخدام المضادات الحيوية؛ لأن هناك سوء وصف وصرف واستخدام لها من قبل جميع العاملين في المجال الصحي والمواطنين، ولإنجاح فكرة ترشيد المضادات لا بد من وجود خطة استراتيجية وطنية شاملة تساهم فيها جميع الأطراف المعنية، تكون مبنية على دراسة علمية وبجدول زمني تدريجي وإجراءات عملية قابلة للتطبيق، مشددا على أهمية توعية المواطن حول سوء استخدام المضادات وآثارها السلبية؛ كون استخدامها من قبل المواطن هو عبارة عن ثقافة عامة وسلوك.

وبين أن الصيدلاني هو الخبير في الدواء ومن يقدم النصائح والارشادات للمرضى حول طريقة استخدامه، والتداخلات بين الدواء الموصوف وأدوية أخرى أو طريقة استخدام الدواء. وقال "على المواطن ان يلتزم بالتعليمات الصادرة من الصيدلاني حول طريقة استخدام المضادات الحيوية وجرعتها، وعدم التوقف عن استخدامها بشكل مفاجئ نتيجة شعوره بتحسن كل هذا الحديث يؤدي الى زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات".

وتطرق خماش لتصريحات الناطق باسم وزارة الصحة، حول زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات وهناك زيادة حوالي 10% سنويا، وأن سوء استخدام المضادات أدى إلى وجود بكتيريا مقاومة لجميع أنواع المضادات هذا أدى إلى الوفاة، وأن المريض يدخل إلى الصيدلية كأنه داخل على سوبر ماركت لاختيار المضاد الحيوي، كما صرح الناطق باسم الصحة.

وأعرب خماش  عن أمله  بتحديد أصناف المضادات التي أصبحت البكيتريا مقاومة لها، وهل هذه متوفرة في الصيدليات أم لا، وان القسم الأكبر غير متوفر في الصيدليات والقسم الآخر ملتزم، وهل الصيدلاني ملتزم بصرفه بناء على وصفه طبية؟.

وقال "نحن كنقابة أطلعنا على عدد من الدراسات التي تؤكد أن هناك سوء وصف كبير داخل المستشفيات للمضادات الحيوية، والصيدلي هو الخبير في الدواء وهو من يقدم النصائح والارشادات والتوعية للمواطن".

وأوضح خماش أن النظام الصحي في فلسطين يختلف عنه في الدول المتقدمة التي فيها نظام متكامل في تأمين صحي حكومي أو خاص، والطبيب يصف المضادات الحيوية بناء على دراسات علمية وبروتوكولات معينة تصرف بوصفة طبية في دول المتقدمة، القسم الأكبر من المضادات الموجودة لدينا تصرف بوصفة وقسم محدود يصرف بدون وصفة بناء على تعليمات الطبيب للمريض، او بناء على طلب المريض، وهناك حالات كثيرة لا يتجاوب فيها الصيدلاني مع المريض في حال طلب المضادات اذا شعر ان الالتهاب هو فيروسي كالرشح والانفلونزا واحتقان الأنف، ويعطيه أدوية أخرى تخفف من أعراض المرض".

وأشار إلى أن دول الأردن وسوريا والعراق لبنان والأمارات تصرف المضادات فيها بدون وصفة طبية، رغم أن هناك قانونا بصرف جميع الأدوية ضمن وصفة طبية، الالتزام بصرف الأدوية بالوصفة فقط في الدول المتقدمة، المتوفر لديها نظام صحي متكامل.

وأوضح أن الأطباء يصفون المضاد الحيوي بناء على قناعات بتأثيره على البكتيريا المسببة للمرض، رغم عدم فعاليته، والمفروض أن يتم عملية زراعة لتحديد نوعية المضاد المؤثر على البكتيريا المسببة للمرض.

وأكد وجود 26 نوعا من المضادات الحيوية في الصيدليات، والقسم الأكبر تلزم الصيدلاني بصرفها بوصفة طبية والقسم الآخر يأخذها المريض بتعليمات من الطبيب، وهناك أصناف محددة يبيعها الصيدلاني بدون وصفة وهناك مرات يمتنع عن بيع هذه المضادات إذا كان الالتهاب فيروسي، موضحا أن المضادات تستخدم لمعالجة الالتهابات البكتيرية واستخدامها بشكل كبير قد تؤثر على أعضاء أخرى للإنسان ويمكن قتل البكتيريا النافعة في الامعاء.

وأشار إلى أن نقابة الصيادلة أجرت دراسة تتعلق بالوصفات الطبية الصادرة من العيادات الخاصة،  تؤكد أن 60% من الوصفات الطبية تحتوي على مضادات حيوية وذلك من خلال الاطلاع على ألف وصفة طبية تم صرفها من قبل الصيدليات، خلال 3 شهور.

نقابة الأطباء: المريض الحلقة الأضعف في عملية الحصول على الدواء

وأكد مسؤول لجنة تنظيم المهنة في نقابة الأطباء أحمد قنام، أن سوء استخدام المضادات موجود في دول العالم، والتي يشترك فيها ثلاث حلقات (الطبيب، والمريض والصيدلاني)، لكن المريض هو الحلقة الأضعف في الفهم التأثيري في عملية الحصول على الدواء.

وأوضح أن الطبيب والصيدلاني هما النقطة التي تشجع أو تمنع أو تسير في النظام، عندما توافق على إعطاء المضادات الحيوية دون وجه حق ودون الحاجة إلى الدواء الفعال في مكانه ووقته السليم.

وقال قنام "إن قرار وزارة الصحة ليس بالجديد وهو في أدبيات وأساسيات الوضع الصحي والفهم الطبي، ويجب التعامل معه دون قرارات أساسية؛ كون هذه الأدوية كما لها إيجابيات في الحياة، هي أيضا أحد الأسباب التي تشكل عبئا صحيا على المجتمع بشكل عام وليس على فرد كما يتخيل المريض في لحظة حصوله على هذا المضاد".

وبين أن جزءا من الإطار العلمي يحتم القيام بزراعة عينة من مكان الالتهاب، ولكن ليس بشكل دائم فهناك التهابات معروفة بشكل عام والمسبب لها من البكتيريا الأكثر شيوعا في اجهزة الجسم. مضيفا "قد نتعامل في الحالتين بنفس اللحظة ونبدأ بالعلاج، والذهاب إلى الزراعة التي تفيد أي نوع من البكتيريا لوصف الانسب".

وأوضح أن الفهم الصحي السليم في المجتمع يشير إلى سوء استخدام المضادات الحيوية، التي أصبح بعضها لا يشكل أية خطر لبعض أنواع البكتيريا من كثرة استخدامه، الأمر الذي اضطر المصانع والعقول البحث عن آلية تحايل على البكتيريا للمساعدة في الوصول إلى الايجابيات.

وأشار قنام إلى أن أحد الأسباب حول فوضى استخدام المضادات عدم وجود ثقافة صحية وجشع بعض المتنفذين في الواقع الصحي، مؤكدا على أهمية وجود مفهوم تطبيقي سليم في عملية التعامل مع القوانين "أن يتقبل المريض التوجه إلى صاحب القرار ثم يتجه إلى الصيدلاني الذي يساعده، لكن وجود فراغ وعدم ثبات وعدم تتابع لدى الجهات الرسمية من قبل النقابة ووزارة الصحة وكل الجهات جعلت هذه الانظمة مهمشة ولا يوجد لها عملية متابعة. "

وزارة الصحة تحذر من خطورة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية

رانية شاهين مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة، حذرت من خطورة مقاومة البكتيريا للأمراض التي تعالج بسهولة، وذلك لظهور سلالات من البكتيريا التي أصبحت مقاومة للمضادات الحيوية .

واشارت الى ان ظاهرة مقاومة معظم البكتيريا للمضادات الحيوية أصبحت حقيقة مخيفة وتحديا جديدا للبشرية. واعتبرت منظمة الصحة العالمية هذه الظاهرة ثالث مسبب يهدد حياة البشر في الحاضر والمستقبل، وتحتاج معالجتها الى جهود جميع الدول والشعوب للحد من انتشارها وأضرارها المتزايدة، وقبل أن تصبح غير صالحة للاستعمال خلال السنوات المقبلة.

وقالت شاهين إن قرار صرف المضادات الحيوية بوصفة طبية هو قرار قديم، ونظام مزاولة مهنة الصيدلة اكد على ذلك، حيث أن من شروط تسجيل الدواء لدى وزارة الصحة ان يوضح على غلاف الدواء الخارجي، انه ملزم بوصفة طبية.

وأكدت على أهمية إلزام الأطباء بعدم وصفها دون حاجة، خاصة في الامراض التي تسببها الفيروسات مثل الرشوحات والأنفلونزا والزكام والاحتقان وغيرها، حيث ان المضادات الحيوية لا تفيد في هذه الحالات وتصبح مقاومة البكتيريا أقوى عند استخدامها بدون داعي بالإضافة إلى الإرهاق المادي على المريض .

وبينت أن المسؤولية مشتركة ما بين الأطراف الثلاثة وهي الطبيب والصيدلاني والمواطن، الذين يتحملون مسؤولية الاستخدام غير المبرر للمضادات الحيوية ويجب تكاثف جميع الأطراف ذات العلاقة لوضع السياسات اللازمة لترشيد استخداماتها، موضحة أن الوزارة نظمت عدة حملات توعية لموضوع استخدام المضادات الحيوية .

وشددت على أهمية الالتزام في البرتوكولات العلاجية، موضحة ان وزارة الصحة تعتمد نظام صرف دوائي وحددت ما هي الادوية الموجودة بالقائمة الأساسية داخل مراكز وزارة الصحة.

واشارت شاهين الى بيان منظمة الصحة العالمية (أيلول/2016) الذي اعلن فيه عن خطورة وجود مضادات حيوية وبكتيريا مقاومة لها، في كل العالم، موضحة ان العلماء يجدون صعوبة في اكتشاف مضادات حيوية جديدة نتيجة لسرعة ظهور المقاومة عليها وصعوبة ايجاد مضادات حيوية ذات آلية عمل مختلفة عن ما سبق انتاجه، ومن هنا يجب ترشيد استعمالها. كما أكدت منظمة الصحة العالمية على ضرورة وضع خطة عمل وطنية في كل دول العالم دون استثناء للمساعدة في حل هذه المشكلة العالمية.

واكدت على أهمية ترشيد استخدام المضادات الحيوية، وفرض رقابة حكومية صارمة على استعمالها.

خلاصة القول أن المضادات الحيوية تلعب دورا مهما في علاج العديد من الأمراض، ولكن يجب استخدامها بالطرق الأمثل وحسب البرتوكولات الطبية من قبل الجميع (الوصف من الطبيب، الصرف من الصيدلاني، الاستخدام من المريض)، وأن استخدامها بطرق عشوائية أو إساءة استخدامها قد يؤدي إلى مضاعفات وأضرار، وهو ما يجب توعية المواطن حول آلية استخدامها ومدى الحاجة لاستخدامها، إضافة إلى أهمية ترشيد المضادات خاصة في المستشفيات، ووضع خطة وطنية مبنية على دراسة علمية تطبق بناء على جدول زمني تدريجي، والعمل على الأخذ بإرشادات منظمة الصحة العالمية الرامية الى ترشيد استخدام المضادات الحيوية.