العنف ضد متظاهري ساحة التحرير

كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الجمعة إن قوات الأمن العراقية أطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع على متظاهرين سلميين بالمنطقة الخضراء في بغداد الاسبوع الماضي، فقتلت 4 أشخاص وأصابت أكثر من 100 آخرين. داعية السلطات العراقية للتحقيق في استخدام القوة القاتلة ضد متظاهرين سلميين.

ونقلت "هيومن رايتس ووتش" في بيان اطلع عليه" العرب اليوم"، اقوال شهود من بين المتظاهرين قولهم ان "المحتجين كانوا غير مسلحين وسلميين عندما فتحت قوات الأمن النار. رمى بعضهم عبوات الغاز على القوات أو رشقوها بالحجارة بعد أن فتحت النار"، وقالت انها اطلعت على مقاطع فيديو وصور من المظاهرات، ولم يظهر في أي منها وجود متظاهرين مسلحين.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "لم يكن لدى قوات الأمن التي تحمي المنطقة الخضراء أي سبب مشروع لإطلاق النار على المتظاهرين الذين لم يمثلوا أدنى خطر على حياتهم أو حياة الغير. على الحكومة أن تفتح سريعا تحقيقات في وقائع القتل وأن تأمر قوات الأمن بالامتناع عن استخدام القوة القاتلة إلا عند الضرورة القصوى لإنقاذ أرواح".

وكان سعد الحديثي المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي انكر، في كلمة نقلها التلفزيون الحكومي ،أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحية أثناء العملية. قال الحديثي إن مسلحين اخترقوا المظاهرة. راسلت هيومن رايتس ووتش مكتب رئيس الوزراء طلبا لتفاصيل إضافية لكن لم يصلها رد.

وتوفي حسين محمد حسن – وهو أحد المتظاهرين – بسبب شظية من رصاصة أصابته في الرأس، بحسب شهادة وفاته التي اطلعت هيومن رايتس ووتش عليها. توفي متظاهر آخر جراء الإصابة برصاصتين اخترقتا كبده وقلبه، بحسب قول جار تحدث إلى الأسرة بعد أن استلمت الجثمان، وورد في شهادة الوفاة أن سبب الوفاة هو رصاصة في الصدر، وطلبت أسرة الضحية من "هيومن رايتس ووتش" عدم ذكر اسمه. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الاطلاع على شهادات وفاة جمال جليل نوفان ومنتظر الحلفي، المتظاهرين الأخرين الذين قال الشهود إنهما قُتلا في المظاهرة.

وأفادت "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" أن ما يناهز الـ 200 متظاهر قد أصيبوا إضافة إلى توقيف 200 آخرين. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد أعداد المصابين، وقال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين بدأوا بالتجمع في ميدان التحرير حوالي الساعة 3:45 مساء. ضمت صفوف المتظاهرين أهالي أكثر من 200 شخص أصيبوا في انفجارات بغداد في مايو/أيار على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف (المعروف أيضا بمسمى "داعش")، بحسب المشاركين ومفوضية حقوق الإنسان. أعرب الأهالي عن غضبهم من عدم حماية الحكومة لهم من التفجيرات.

وقال شهود إن شرطة مكافحة الشغب بالميدان منعت المتظاهرين من عبور جسر الجمهورية الذي يعبر نهر دجلة إلى بوابات المنطقة الخضراء المحصنة جيدا، حيث تقع المؤسسات الحكومية وعديد السفارات الأجنبية. في نهاية المطاف سمحت شرطة مكافحة الشغب في الميدان وقوات الجيش العراقي لمئات المتظاهرين بالعبور بعد تفتيشهم فرداً فردًا

وعند أحد مداخل المنطقة الخضراء، من بعد جسر الجمهورية مباشرة، تجمع مئات المتظاهرين، وراحوا يلوحون بالعلم العراقي ويهتفون "سلمية! سلمية!" ويطالبون بالدخول، وكان أهالي ضحايا التفجيرات في الصدارة، بحسب رواية عدة متظاهرين، وقال العديد من المتظاهرين الذين كانوا عند مداخل المنطقة الخضراء إن بين الساعة 4 و4:30 مساء فتحت عناصر من قوات مكافحة الشغب وجنود من اللواء 56 النار على المتظاهرين دون تحذير. قالوا إن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحية والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وأطلقت قنابل صوتية، فضلا عن شاحنتي مياه كانتا مركونتين داخل المنطقة الخضراء.

وأكد أحد المتظاهرين: "وصلت إلى سور المنطقة الخضراء، وبعد نحو 15 دقيقة فتحت قوات الأمن النار علينا، وأطلقوا النار نحونا مباشرة. رأيت الناس يسقطون على الأرض إلى يساري ويميني، ومنهم اثنان عرفت فيما بعد أنهما ماتا"، وقال متظاهر آخر إن مقذوفة مرت قرب خده الأيمن وهو واقف أمام المنطقة الخضراء وفي يده علم العراق.

وكشف متظاهر إن عديد المتظاهرين راحوا يطرقون على أبواب السور. وفي النهاية فتحت قوات الأمن الأبواب وسمحت لهم بالمرور. قال المتظاهر إنه عندما دخل المنطقة الخضراء ضربه رجل أمن يرتدي قناع غاز على كتفه بكعب بندقيته فسقط أرضا، ثم ضربه مجددا وهو على الأرض. عندما قابلته هيومن رايتس ووتش في 23 مايو/أيار كان كتفه الأيمن مضمدا وعليه آثار لكدمات.

واطلعت هيومن رايتس ووتش على مقطعي فيديو يظهر فيهما مئات المتظاهرين أمام الأمانة العامة لمكتب رئيس الوزراء يقدمون الزهور لجنود وضباط الجيش المكلفين بحماية المنطقة الخضراء، وقال متظاهران إن بعد وهلة فتحت قوات الأمن داخل المنطقة الخضراء النار على المتظاهرين المتواجدين أمام الأمانة العامة، وطاردتهم إلى خارج المنطقة الخضراء. استمرت قوات الأمن في إطلاق النار على الفارين ومن كانوا متجمعين خارج الأسوار، وطاردتهم في مختلف الاتجاهات، شمالا وغربا وحتى طرف جسر الجمهورية البعيد ونحو ميدان التحرير، وهناك متظاهرة معها ظرف رصاصة حية قالت إنها التقطتها من على الأرض عند نهاية الجسر من جهة المنطقة الخضراء. قال آخر إنه سمع أعيرة نارية من ميدان التحرير فمضى إلى المنطقة الخضراء. قال: "وأنا على الجسر رأيت شابا يُصاب برصاصة وهو يركض في الاتجاه المعاكس". جميع المتظاهرين الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن إطلاق النار استمر نحو ساعتين.

وقال المتظاهر المصاب في كتفه إنه رأى في المستشفى أطباء يُخرجون رصاصات من عشرات المتظاهرين المصابين، وهناك متظاهر مكث في ميدان التحرير قال إنه رأى شرطة مكافحة الشغب تقطع الطريق على سيارتي إسعاف بميدان التحرير، إذ منعت السيارتين من العبور على الجسر نحو مدخل المنطقة الخضراء نحو نصف ساعة قبل أن تسمح لهما بالعبور. قال متظاهر إنه رأى 150 شخصا على الأقل راقدين مصابين على الأرض أمام مدخل المنطقة الدولية وأمام البرلمان، في حين قال آخر إنه رأى أكثر من 100.

وبموجب "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين"، فإن على السلطات "أن تستخدم، إلى أبعد حد ممكن، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية". "لا يجوز استخدام القوة والأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح". ورد في المبادئ أنه في حالة الوفاة أو الإصابة الخطيرة، فعلى السلطات المختصة إجراء تحقيق وإرسال تقرير فوري إلى السلطات الإدارية أو القضائية المختصة، وعلى الحكومة ضمان أن الاستخدام التعسفي أو المسيئ للقوة والأسلحة النارية من قبل مسؤولي إنفاذ القوانين يخضع للعقاب بصفته عمل إجرامي. يجب محاسبة كبار الضباط المسؤولين إذا كانوا يعرفون أو مقدر لهم معرفة أن مرؤوسين لهم لجأوا للاستخدام غير القانوني للقوة والأسلحة النارية ولم يتخذوا جميع التدابير التي بوسعهم للحيلولة دون وقوع هذا الاستخدام أو منعه أو التبليغ به، وقال ستورك: "على الحكومة العراقية أن تأمر قوات الأمن المنخرطة في واجبات إنفاذ القوانين بإنهاء الاستخدام المفرط للقوة، لا سيما القوة القاتلة، وأن تحاسب المسؤولين عن ذلك، بمن فيهم القادة".