بيروت ـ لبنان اليوم
"مصائب قوم عند قوم فوائد"، هذه هي حال اللبنانيين مع العصابات التي اصبحت متمرّسة بنهب الاملاك العامة. فمصيبة اللبنانيين مع الكهرباء تحلّ فوائد على جيوب هؤلاء الذين يستغلون انقطاع الكهرباء لفترات طويلة ليسرقوا ما تيسر لهم من أسلاك وكوابل غائبة عن حماية القوى الامنية، اذ لا يكاد يمر يوم إلا وتكون ممتلكات "مؤسسة كهرباء لبنان" من كابلات وأسلاك ومحطات، اضافة الى بعض الاسلاك الهاتفية، عرضة للسطو والسرقة من عصابات امتهنت هذه "الصنعة" لجاذبية اسعارها ولما لها من مردود مادي كبير في اسواق الخردة التي تؤمّن لهم الدولار "الطازج".
وإذا كانت السرقات تشمل كل المناطق، إلا أن أفراد هذه العصابات يركزون سرقاتهم أكثر ويكررونها في المناطق النائية التي تتميز بالفناءات الواسعة والخالية تقريبا من السكان، والبعيدة عمليا عن نظر القوى الامنية، وخصوصا عندما يغيب التيار الكهربائي لفترة طويلة ليكونوا في مأمن من الصعقات الكهربائية، ومع ذلك وقعت حوادث عدة من هذا النوع أودت بحياة سارقين فاجأهم وصول التيار الى الشبكة التي يعتدون عليها.
هذه السرقات التي توسعت في الفترة الاخيرة أدت الى انقطاع ما تبقّى من "كهرباء" عن بعض القرى والمناطق النائية احيانا لأيام عدة أو حتى لأسابيع متواصلة في انتظار تركيب البديل من المسروقات التي لا تتوافر غالبا في مستودعات "مؤسسة الكهرباء" أو شركات مقدمي الخدمات.
والى الاسلاك الكهربائية والهاتفية، يلاحَظ أن أغطية فتحات "بالوعات شبكة الصرف الصحي" (الريغار) هي عرضة بدورها للسرقة لسهولة نزعها من مكانها، اضافة الى مردودها المالي "المحرز"، كونها مصنوعة من الحديد المرصوص، إذ تراوح زنة الغطاء الواحد ما بين 70 و100 كيلوغرام ويباع كخردة بـ100 دولار (فريش). ولكن هذه الافعال باتت خطرة جدا على السلامة المرورية، إذ تتسبب سرقة هذه "الريغارات" بحوادث سير، كما بسقوط مشاة فيها، فيما عمد مواطنون الى وضع عصيّ داخل فتحات بقيت من دون أغطية في شوارع عدة في بيروت للفت انتباه المارة اليها.
بَيد أن تمادي العصابات أخيرا بسرقاتهم ما كان ليتوسع ويتمدد الى معظم المناطق لولا أمران: الاول عدم جدية الاجهزة الامنية في متابعة وترصّد هذه العصابات التي تكرر فعلتها أكثر من مرة في المكان عينه، وثانيا لولا وجود مشترين (تجار خردة) متواطئين ضمناً وغافلين قصداً عن مصدر البضاعة المعروضة للبيع، اللهم إلا قلة منهم يبادرون من تلقاء أنفسهم الى إبلاغ القوى الامنية عن اي بضائع تُعرض عليهم لشرائها وتكون مثيرة للشبهات.
إذاً، تتنوع مسروقات الاملاك العامة ما بين "الريغارات" والأسلاك الهاتفية، والاسلاك الكهربائية عن الشبكة العامة ومحطات ضخ المياه وكابلات الكهرباء النحاسية الخاصة بمحول التغذية الكهربائية، وكابلات كهرباء التوتر العالي.
وفي حين تم التواصل مرارا مع مسؤولين في "مؤسسة كهرباء لبنان" للسؤال عن قيمة المسروقات وكيفية تأمين البديل من دون أن تلقى جوابا، أكد المدير العام لشركة BUS فادي ابو جودة أن "عمليات سرقة أصول مؤسسة الكهرباء تزداد بشكل كبير، بما يضطرنا الى تأمين البديل من مستودعاتنا أو من مؤسسة الكهرباء، خصوصا قبل أن يتأمن للشركة دفعات من مستحقاتها لشراء البضائع". وإذ يشير الى أن السرقات تشمل كل المناطق، يلفت الى أن "ثمة مناطق تتكرر فيها السرقات، لاسيما مناطق عكار، بما يضطرنا الى عدم استبدال الشبكة بأخرى جديدة قبل أن تعمل السلطات المحلية على اتخاذ تدابير ميدانية لتأمين الحماية لها لضمان عدم تكرار السرقة"، علماً أن الحل برأيه هو "غير مباشر وفي مكان آخر، إذ عدا عن العصابات التي تمتهن السرقة، ثمة أشخاص يلجأون الى السرقة رغما عنهم بسبب الضائقة المالية التي يعانون منها، وتاليا فان معالجة هذه الآفة يجب أن تكون شاملة".
ويشير أبو جودة الى مشكلة أخرى تعاني منها الشركة، وتتمثل في "عدم قدرة مستودعاتها على استيعاب البضائع غير الصالحة التي تنتج عن التصليحات بما يحمّلنا مسؤولية حمايتها من السرقة، خصوصا أن ثمة أمثلة عن هذه الحوادث وآخرها تعرُّض مستودعات مؤسسة الكهرباء في كفرعبيدا (البترون) للسرقة أكثر من مرة".
الملاحظ أن تركيز عصابات السرقة هو أكثر ما يكون على اسلاك الكهرباء كونها اسلاكا نحاسية وأسعارها مرتفعة جدا بحيث يجني السارقون مبالغ كبيرة بالدولار بعد بيعها لتجار الخردة (ألومينيوم، تنك، نحاس) الذين بدورهم يصدّرونها الى الخارج.
أحد تجار الخردة أحمد الست يؤكد أنه يتعامل مع الكثير من الاشخاص الذين يأتون اليه بكميات من النحاس والالومينيوم والحديد والتنك. بعضهم أصبح معروفا لديه وبعضهم الآخر طارىء على المهنة. ويقول: "نحاول قدر الامكان معرفة ما اذا كانت الكميات التي يعرضونها علينا مسروقة من الاملاك العامة أم لا، فإذا كانت واضحة للعيان لا نشتريها ونبلّغ القوى الامنية عنها". ولكن المشكلة برأيه أن "التعاون مع القوى الامنية دونه صعوبات ومخاطر يمكن أن تهدد حياتنا"، شارحاً أنه "عندما نتيقن من أن البضاعة المعروضة علينا هي من الاملاك العامة نتصل بالقوى الامنية، ونحاول قدر الامكان أن نستبقي "المتهم" الى حين وصول أفراد منها. ولكن بدل أن يعملوا جهدهم لضبطهم خارج "البؤرة" يلقون القبض عليهم داخلها بما يعرّضنا للخطر والتهديد من العصابات ومن يقف وراءها، حتى أن بعض السارقين وبغية الانتقام منا يدّعون أننا نعرف أن المسروقات هي من الاملاك العامة، على نحو يعرّض بعض التجار للاستجواب والتوقيف أحيانا من القوى الامنية من دون ان يأخذوا في الاعتبار أننا بلّغنا عن السارقين". وإذ يشير الى أن غالبية السارقين هم من جنسيات غير لبنانية، يلفت الى أن عقوبة هؤلاء تكون بتوقيفهم فترة شهرين ومن ثم ترحيلهم الى بلادهم.
ويبدو أن خبرة هذه العصابات أصبحت كبيرة، إذ "لا يقومون ببيع المسروقات من الاملاك العامة كما هي، بل يعمدون الى تقطيعها الى قطع صغيرة ويدسّونها ببضائع شرعية (كسر سيارات، أدوات وأوانٍ منزلية، فضلات ورش وغيرها) حتى لا يفتضح أمرهم أو نبلّغ عنهم".
ويؤكد أن ثمة أكثر من 200 شخص شرعيين يعملون في المهنة ومسجلين تحت اسم "خردة" او اعادة تدوير، وثمة أكثر من ألف شخص يعملون بشكل غير شرعي، وهؤلاء يمكن ان يشتروا مسروقات الاملاك العامة، بينما ليس من مصلحة أصحاب المهنة الشرعيين أن يتعاملوا مع هؤلاء، "ورغم ذلك يضعوننا دائما ببوز المدفع".
وإذ يشير الى أن الازمة التي يعيشها اللبنانيون حدت بالكثير منهم الى أن يبيعوا بعض مقتنياتهم لمواجهة الجوع والعوز، يلفت الى أن سعر كيلو النحاس يقدَّر بما بين 7 و8 دولارات (فريش)، وكيلو الحديد بـ 9500 ليرة.
والى البضائع التي يشتريها من الافراد، يلفت الست الى أن تجار الخردة الشرعيين يشاركون في مزايدات لشراء فضلات ومخلّفات الشركات والمؤسسات العامة، اضافة الى ورش البناء وغيرها، ويتم تصدير البضائع الى الخارج، وتحديدا الى مصر واليونان.
قد يهمك ايضا:
"الطاقة الروسية" تعرب عن استعدادها لتوقيع اتفاقيات مهمة مع السعودية